تشهد منصات التواصل الاجتماعي تصاعدا ملحوظا في النقاش الدائر حول أزمة انتشار الكلاب الضالة، حيث تسود حالة من الاستياء والقلق بين المواطنين. وتترجم هذه الحالة إلى مطالبات شبه يومية عبر المجموعات الخاصة بسكان بعض المناطق، تدعو إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة وفعالة للتعامل مع هذه الظاهرة، بما في ذلك تقليل أعداد الكلاب المنتشرة في الشوارع لضمان سلامة الأفراد. لكن في ظل موجات الغضب المتصاعدة، قد تنتشر بعض الأفكار الخاطئة والمطالب التي قد تفتقر إلى الرحمة والإنسانية في التعامل مع هذه الحيوانات. وفي خضم هذا الجدل، توضح ماو حمادة، الناشطة في مجال حقوق الحيون والمعلم والمنسق المجتمعي المعتمد من التحالف الدولي لمكافحة السعار، أبعاد هذه الأزمة من منظور إنساني وتوعوي، موضحة كيف يتم مواجهة المشكلة دون التعارض مع احترام حقوق الحيوان والرفق به.
دور المبادرات في دعم استراتيجية مصر خالية من السعار قالت ماو حمادة، إن في إطار استراتيجية "مصر خالية من السعار 2030"، تلعب العديد من المبادرات التطوعية دورا محوريا في مواجهة المرض وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الحيوانات، وعلى رأسها الكلاب. وأضافت أن الأنشطة والفعاليات التي تنظمها من خلال منصات التواصل الاجتماعي تعتمد على نهج توعوي شامل يستهدف مختلف الفئات العمرية، بهدف بناء وعي مجتمعي مستدام تجاه قضايا الحيوان والتعامل الآمن معه. وأوضحت أنها تركز بشكل أساسي على تنفيذ حملات تطعيم للكلاب في عدد من المناطق، إلى جانب تكثيف التوعية هذا العام بمرض السعار وطرق الوقاية منه، وتصحيح المعلومات الخاطئة الشائعة، بما يدعم التوجه الوطني نحو القضاء على المرض. كما أشارت إلى تنفيذ حملات إطعام في بعض المناسبات، مؤكدة أنها جزء من الرؤية التوعوية لتعزيز ثقافة الرحمة بالحيونات وغرس قيم الرفق بها داخل المجتمع، وليس هدفًا في حد ذاته. وحول حالات العقر، أوضحت أن غالبية الحوادث التي تُعرض عليها خلال محاضراتها التوعوية ترتبط بكلاب مملوكة لأشخاص وليس بكلاب الشوارع، وهو ما يكسر الصورة النمطية السائدة حول مصادر الخطر. وأكدت أن سلوك الهجوم لدى الكلاب يحدث غالبًا في سياق الدفاع عن النفس، وفي مواقف محددة مثل الاقتراب من الجراء، أو محاولة أخذ الطعام، أو التعرض للضرب. وأكدت أن الاعتداء الجسدي لا يمر على الحيوان دون تأثير، إذ يترك آثارا نفسية وسلوكية قد تدفعه للعدوانية، مشيرة إلى أن ذلك يشبه ما يحدث في ما يعرف بعملية "التشريس"، وهي ممارسة غير إنسانية تعتمد على تعذيب الكلب لتحويله إلى حيوان أكثر شراسة وعدوانا.
العنف المجتمعي وتضخيم الإعلام وأشارت حمادة، إلى أن تصاعد حالة الاستياء المجتمعي من وجود كلاب الشوارع يعود إلى عدة أسباب، في مقدمتها ارتفاع مستويات الغضب والعنف في السلوكيات العامة، وهو ما ينعكس على ردود فعل الأفراد تجاه الحيوانات ويغذي مشاعر العداء ضدها. وأوضحت أن زيادة أعداد الكلاب لا تعني بالضرورة زيادة الهجوم على البشر مؤكدة أن الكلاب في أغلب الأحيان لا تبادر بالعقر دون سبب. وأضافت أن بعض منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام قد تضخم الظاهرة أحيانا وتغفل السياق الكامل لبعض الوقائع، إذ تكون بعض حالات العقر نتيجة تعرض الكلب للتعذيب أو الاستفزاز. ولفتت إلى أن مشاهد إيذاء الكلاب والقطط سواء من أطفال أو بالغين، باتت تتكرر في الشوارع تحت مسمى "المزاح"، وهو سلوك يترك آثارا عدوانية على الحيوانات ويزيد من احتمالات الخطر بدلا من تقليلها.
التعقيم والإيواء أكثر المطالب إنسانية كما أكدت احترامها لمخاوف المواطنين، لكنها أوضحت أن الإشكالية في طرق التعامل مع تزايد أعداد الحيوانات لا تتعلق بالخوف ذاته، بقدر ما ترتبط بطبيعة بعض المطالب المطروحة، التي قد تكون غير مشروعة أو غير إنسانية أو نابعة من تصورات لا تعترف بحق الحيوان في الوجود بالشارع. وشددت على أن المطلب الإنساني والمتفق عليه هو العمل على تقليل الأعداد عبر وسائل أخلاقية في مقدمتها التعقيم، إلى جانب إيواء الحالات التي تعاني من عجز أو عمى في مراكز متخصصة. وأردفت أن طرح أفكار مثل التصدير إلى دول أخرى أو القتل يتنافى مع القيم الإنسانية والدينية، ويتعارض مع مبادئ الرحمة مؤكدة أن الحلول المستدامة لا تقوم على الإقصاء والعنف بل على المعالجة العلمية والإنسانية للمشكلة.
ضرورة تضافر الجهود وتغليظ القوانين لحماية الحيوان والمواطن وأشارت إلى أن هناك دولا عديدة نجحت في التعايش مع وجود الحيوانات في الشوارع دون تعريض المواطنين للخطر مستشهدة بتجربة تركيا، حيث تنتشر الكلاب والقطط في الشوارع، لكنها جميعا معقمة وحاصلة على التطعيمات اللازمة. وشددت على أن نجاح أي تجربة مشابهة في مصر مرهون بتضافر جهود جميع الجهات، مؤكدة أنه لا يصح أن تبذل الدولة جهدا في التعقيم والتطعيم بينما يقابل ذلك بقتل الحيوانات من قبل بعض المواطنين، أو العكس كما حدث في عقود سابقة حين كانت بعض الجهات تطعم الكلاب بشكل تطوعي، بينما كانت تنفذ في المقابل حملات تسميم للكلاب من جهات رسمية وأطباء. وطالبت بضرورة سن قوانين صارمة تنظم التعامل مع الحيوانات في مصر، تبدأ بإقرار ضوابط لحيازة الكلاب تمنع اقتناء سلالات قد تشكل خطرا على سلامة الآخرين أو لا تناسب البيئة المحلية، إلى جانب تغليظ عقوبات تعذيب الحيوانات لمواجهة تنامي مظاهر العنف. كما دعت إلى وقف الاستيراد العشوائي للسلالات الأجنبية التي لا تلائم المناخ المحلي وتؤثر سلبا على فرص تبني كلاب الشوارع، وهو ما كان من شأنه الإسهام في تقليص أعدادها، وأكدت كذلك أهمية إدراج مفاهيم الرفق بالحيوان ضمن المناهج الدراسية، في ظل ملاحظات متكررة بأن بعض الأطفال ينظرون إلى إيذاء الحيوان باعتباره نوعا من المزاح، وهو ما يستوجب تدخلا تربويا مبكرا لمنعه من التطور إلى سلوك إجرامي.