الإصلاح مستمر في ماراثون الانتخابات.. وحماية الإرادة الشعبية "أولاً"    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    أسعار الخضراوات والفاكهة في أسواق الجملة مساء السبت 6 ديسمبر 2025    مؤسسة أبو العينين عضو التحالف الوطني تحتفل باليوم العالمي لذوي الهمم    جيش الاحتلال: سنبدأ مناورات عسكرية في جبل الشيخ ومزارع شبعا غدا    وزير خارجية ايران يدعو اليابان إلى لعب دور محوري في تأمين المنشآت النووية    قطر تبحث مع نيجيريا والبوسنة والهرسك سبل تعزيز علاقات التعاون    الدوري الإنجليزي - تشيلسي وبورنموث يكملان رحلة اللا فوز.. وتوتنام يفلت أخيرا    بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم أتوبيس وسيارة ملاكى بالدقهلية.. الأسماء    أحفاد أم كلثوم يشيدون بفيلم الست عن كوكب الشرق.. دينا ونادين الدسوقي: عمل رائع وشكرًا لكل صناع العمل.. خالد الدسوقي: عمل مشرف وتخليد لذكراها خرج بأفضل مما كنت أتوقع.. وكنت أقرب حفيد لكوكب الشرق..    شريف فتحي: 20% زيادة في حركة السياحة الوافدة لمصر ونستهدف 19 مليون سائح    جيش الاحتلال الإسرائيلي يصيب فلسطينيين اثنين بالرصاص شمال القدس    إسرائيل ترد على طلب ترامب بالعفو عن نتنياهو: الديمقراطية فوق كل اعتبار    السجن 3 سنوات لشاب بتهمة سرقة أسلاك كهربائية من مقابر بقنا    بحضور قيادات المحافظة.. إنهاء خصومة ثأرية بين عائلتين ببني سويف صور    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 9 مسلحين في عمليتين استخباراتيتين بولاية خيبر باختونخوا    أصالة تحسم الجدل حول انفصالها عن زوجها فائق حسن    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    خالد محمود يكتب: أفضل أفلام 2025    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    صحة المنوفية تتفقد 3 مستشفيات بمنوف لضمان انضباط الخدمة الطبية    اسكواش – تأهل عسل ويوسف ونور لنهائي بطولة هونج كونج المفتوحة    عمر مرموش يشارك فى مباراة مان سيتي ضد سندرلاند قبل 20 دقيقة من النهاية    الفريق أحمد خليفة يلتقى رئيس أركان القوات المسلحة القطرية    بدء فرز الأصوات على جدول أعمال عمومية المحامين لزيادة المعاشات    بيطري الشرقية: استدعاء لجنة من إدارة المحميات الطبيعية بأسوان لاستخراج تماسيح قرية الزوامل    هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش دعمًا للثقافة في شمال سيناء    الإعدام لمتهم والمؤبد ل2 آخرين بقضية جبهة النصرة الثانية    عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    ضبط عاطل اعتدى على شقيقته بالمرج    هذا هو موعد عرض فيلم الملحد في دور العرض السينمائي    خبير اقتصادى يوضح تأثير انخفاض سعر الدولار عالميا على الدين الخارجي المصرى    الدوري الإنجليزي.. موقف مرموش من تشكيل السيتي أمام سندرلاند    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى    15 ديسمبر.. آخر موعد للتقدم لمسابقة "فنون ضد العنف" بجامعة بنها    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    الإعلان التشويقى لفيلم "القصص" قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    الزراعة توزع أكثر من 400 "فراطة ذرة" مُعاد تأهيلها كمنح لصغار المزارعين    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    بكم الطن؟.. سعر الحديد اليوم السبت 6 -12-2025    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه الإمارات اليوم بحثا عن الانتصار الأول    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدوى ينال جزءًا من حقه
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 12 - 2025

كتب شاعرنا الكبير فؤاد حداد الجملة التالية: «كنت حالف تحت عين الله إنى آخُد حقى من موتى»، وهى جملة أثبتت الأيامُ صدقَها؛ فرغم أن صاحبها عاش ومات فنانًا فقيرًا على باب الله، فإن شعره منحه الحياة الأخرى التى قصدها شكسبير فى واحدة من سونيتاته القصيرة التى ترجمها بدر توفيق.
واجه شعر فؤاد حداد كلَّ أشكال التغييب والإقصاء، لكنه ظل قادرًا على جذب قرّاء جدد. ومن تابع الأمسية التى شهدها بيت الشعر الأسبوع الماضى يستطيع أن يعثر على أدلة كثيرة على استمرار حضور هذا الشاعر الذى أعدّه «وليًا» من أولياء الله الصالحين. ومن ثم، لم تكن الأمسية، التى وُضعت أمام جمهور الشاعر لآلئ جديدة، سوى «ليلة مفترجة» مفعمة بالمحبة ومختلف الكرامات.
ويمتد المعنى الذى قصده الشاعر ليشمل آخرين، منهم الفنان التشكيلى سعيد العدوى (1938-1973)، أحد أبرز فنانى الحفر والجرافيك فى النصف الثانى من القرن العشرين، كما يُعد من أبرز الأسماء فى جماعة التجريبيين، ومعه محمود عبدالله ومصطفى عبدالمعطى.
وقد وجد العدوى أخيرًا الإنصاف الذى يستحقه، مجسّدًا فى الكتاب الموسوعى الذى صدر عنه مؤخرًا بإشراف الدكتور حسام رشوان، الذى يبذل جهدًا علميًا فائقًا فى توثيق وحصر أعمال رموز الحركة التشكيلية المصرية. فقد قام، على مدى سنوات، بتوثيق أعمال الرائدين محمود سعيد وعبد الهادى الجزار فى كتابين تميزا ليس فقط بأناقة الطباعة، وإنما بالقيمة التاريخية والفنية للمحتوى العلمى؛ إذ يمثّل كل كتاب سفرًا جامعًا ورحلة اكتشاف تثير شهوة العين.
وعلى خلاف أعمال محمود سعيد والجزار التى نالت حظًا من الانتشار، تبدو أعمال العدوى مجهولةً لمن هم خارج الأوساط التشكيلية.
وقد تعرّفتُ شخصيًا على هذه الأعمال بفضل مقال كتبه الروائى السكندرى الراحل محمد جبريل قبل سنوات، تضمّن موجزًا عن حياة الفنان الذى أنظر إليه دائمًا باعتباره شخصية ذات ملامح درامية فريدة. وقد ترسّخ هذا الانطباع لدىّ بعد أن طالعت أعماله فى المعرض الاستعادى الذى أشرف الدكتور حسام رشوان على تنسيقه، واستضافه قصر عائشة فهمى العام الماضى بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية.
أعاد المعرض، ومن بعده الكتاب، اكتشاف أعمال الفنان التى تعيد الاعتبار لصور الحياة اليومية وتفاصيلها التى تنطوى دائمًا على شيء من الفانتازيا الشعبية، تلك التى تمكن العدوى من صهرها فى نسيج متكامل أفاضت الدكتور أمل نصر فى تحليله خلال حفل اطلاق الكتاب وذكرت كيف شمل حلقات الذكر والعربات الشعبية والموالد والأضرحة. وظلّت لوحة «الجنازة»، التى رسمها بعد رحيل عبدالناصر، التجسيد الأهم لحالة الفقد والضياع التى استشعرتها أجيال كاملة بعد غياب صاحب الظل الأخضر.
عاش العدوى حياة قصيرة مكثفة شبع منها، وأنتج خلالها أعمالًا فنية حفلت بصور التجريب وإعادة الاعتبار للرموز والأشكال الشعبية. وقد نهب بعضُ من حوله عددًا من أعماله، لكنها لا تزال فى الطليعة بفضل الحساسية الجمالية التى تميزها. ومؤخرًا -كما أعلنت الفنانة والناقدة ريم حسن- دخلت واحدة من لوحاته قائمة مزاد كريستيز خلال نوفمبر الماضى، ما يعنى أنها صارت جزءًا من شبكة عالمية ضخمة لتداول وتسويق العمل الفنى بطريقة احترافية تمنحه حضورًا دوليًا وفرصة واقعية للوصول إلى جامعين ومؤسسات فنية من مختلف أنحاء العالم، بعيدًا عن الحدود المحلية. وهذا بالفعل ما استهدفه الدكتور حسام رشوان من خلال إصدار الكتاب الذى دعمته عدة مؤسسات فنية، من بينها: مؤسسة براجيل، ومؤسسة دالول، ومؤسسة المهندس المعمارى عبدالله بن جوهر.
تمثّل حياة العدوى مصدر إلهام كبير، كما تجسّد قصة إخلاص خطيبته وجيهة فاضل وحرصها على إرثه مصدر إلهام آخر. وأتصوّر أن التجربة كلها تستحق أن تظهر فى فيلم سينمائى أثق أنه لن يقل جاذبية عن الأفلام العالمية التى استلهمت سير كبار التشكيليين فى العالم.
والمؤكد أن هذه الفكرة -رغم واقعيتها- ستبقى حلمًا جميلًا، لكن بعض الأحلام تتحقق؛ فالكتاب الذى صاحبته على مدى أسبوع كامل يمثّل كنزًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وأهم من ذلك أن دراساته تغطى أكثر من حقبة زمنية، وتعطى مؤشرًا بيانيًا دالًا على الاهتمام النقدى بأعمال العدوى، لكنها تتحرر فى الوقت نفسه من سطوة حضوره، متجهة نحو اكتشاف ملامح العصر الذى أفرز جيلًا استشعر مرارة هزيمة 1967، رغم ما كان يحمله من آمال عريضة يمكن إدراكها عبر المقاطع التى تضمّنها الكتاب من مذكرات العدوى ويومياته المشبعة بالتأمل الفلسفى والشحنة العاطفية التى تصل إلى ما يمكن وصفه ب«الفيض الشعرى». وقد ساعدت الطباعة فائقة الجودة -التى أشرف على تنفيذها الفنان أشرف رضا- على تعزيز الشعور بالعاطفة بفضل قدرتها على الاحتفاظ ب«رائحة الماضى».
أكد محمد جبريل، أن الفنان تمنّى الموت فى أحد المكانين: المرسم أو البحر. وفى توالى الأمواج، تمنى أن يتحول إلى أشلاء فى أفواه المخلوقات التى لا يعرفها. حيث يتكاثف الضباب، ويعمق، ويَحجب الأصوات، ويمنع الرؤية. تتلاشى، كأنها لم تكن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.