للعظمة الدولية مواقف وأسرار تتبدل بتغيّر الرؤساء لتتجاوز المواقف المعروفة نحو الطموحات المكبوتة فوق ألسنة مسئولى العالم الحرّ؛ حيث لا أحد أكبر من وطنه. قد يخسر رئيس دولة موقفا أو طموحا ولا يشعر بخسارة موقعه أو وجوده أو مستقبل وطنه إن كان منغمسا فى ملامح المستقبل والتطور. إن دورة الأساطيل فى المتوسط قبالة غزّة وفلسطين بدولتين أو بما لسنا ندرى وحتى بلبنان تُرشدنا نحو الأفكار الدولية المتجددة المثقلة بالأسئلة وبالارتجال مع التركيز على استراتيجيات السلام التى لا تُولد إلا من رحم المستحيلات. صحيح أن أمريكا كابدت ارتباكا ملحوظا فى سياساتها الخارجية، بعدما خرجت من أزمتها الداخلية مجددة ديونها وجدول تمويل مصاريفها، لكنها لم تسقط فوق شفتى الروسى أو الصينى أو حيالهما. ليس هناك مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المُقيم فى العالم أرضا ودولا وفضاء نسيان التجوّل نحو استراتيجيته الجدية البارزة بفض النزاعات فى العديد من دول العالم متيقّنا ومنتصرا يتباهى برفع علامة النصر فى وجه العالم بالخط الأسود العريض. قد يليق بنا أن نخلع اليوم من أذهاننا فكرة أن تهيمن دولة على عظمى أخرى أو تكسر عزتها أو عظمتها مهما احتدت الخصومة والصراعات أو حروب الحلفاء، وهذا نهج الرئيس الأمريكى كما يتّضح. وهنا فكرتان: • إن منتصرين كبيرين خرجا من سوريا هما روسياوأمريكا، وكلاهما ما زال يحافظ على صورة الآخر وهيبته ويغطى حضوره ولم يعرّيه. الحكمة والتعقل والتراجع حيث لا تغيير فى المواقع المقبولة والمفهومة المبررة، خصوصا لدى الرؤساء الكبار فى المناخ الدولى العام ولو أحرجتهم المصالح الخاصة بكل دولة أخرى. للتذكير سبق لأمريكاوروسيا أن خرجتا منتصرتين من جروح الحرب الكونية الثانية، لكن اندحار دول المحور وضع الدولتين فى صراع أدى إلى تجزئة العالم وجذب الدول الإقليمية والصغيرة والأفراد إلى فلكيهما فى بناء السياسة الدولية وتقاسم النفوذ والمصالح. وكان الشرق الأوسط نقطة الجذب الثمينة وما زال، بثرواته النفطية وتقدم استراتيجيات زمن تحقيق رسم الشرق الأوسط الجديد، على الرغم من كلّ التقارير التى أدمنت التبشير المغلوط أحيانا بكساد النفط والاستغناء عنه بطاقات بديلة كأدوات ضغط على الدول النفطية وبهدف استمرار تعاونها كى لا أقول أكثر. صحيح أن الحروب المشتعلة بالوكالة بين الدولتين العظميين عبر عقود الحرب الباردة (1945 -1991) قد آلت إلى كارثتين: سقوط العراق ودحره فى رمل الخليج فى 2 أغسطس 1990 وسقوط اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية فى 25 ديسمبر 1991 المتراخى فوق يوراسيا بين 1922 و1991، غير أن هاتين الكارثتين لم تنسفا احترام الدولتين المتبادل، وهبت موسكو مباشرة بعد سقوط البرجين فى نيويورك 11/9/2001 إلى إعلان تحالفها مع واشنطن لمحاربة الإرهاب. • للتذكير، ومن نقطة التفاهم بالتحديد بين موسكووواشنطن بإتلاف الكيماوى فى دمشق والجنوح نحو إمكانات الحوار فى جنيف حول سوريا الذى كان عصيا بنتائجه كانت تدهشنى أعاصير الإعلام العربى غير المبرر التى استغرق فيه الكتّاب والمحللون فى حمى حماسية من التشفى السطحى التى تبرز هزيمة أمريكا وانكسارها أو تغالى بالمقابل، بانتصار روسيا وتفخيم عظمتها وهى لم تكن تفعل سوى تجذير الانقسامات المحلية وزيادة الاشتعال. لا يعنى الخطاب المشحون للاستقواء بدولة عظمى والمحشو بعدائية قاتلة لدول أخرى كثيرا فى مستقبل هويات الأوطان، لكنه يدفع الحنين النرجسى للشعوب للترحم على ماضٍ لن يعود قطعا. ولأن التنازلات والحوارات فوق الكوارث من غزة ولبنان والسودان وغيرها لها أعباؤها وآلامها وانفعالاتها وتجعل بعض المسئولين والكتّاب أحياناً أجساداً بلا أرواح لا ينظرون إلى مستقبل الشعوب إلا منتصرا ومهزوما، فإن أقصى الحكمة فى أحلام الشعوب التوصل إلى الخروج من مواقد النار نحو الاستقرار. نسيم الخورى جريدة الخليح الإماراتية