وسط الدمار الشامل الذي خلفته حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة والتي استمرت عامين، أعادت بلدية المدينة، بالتعاون مع منظمات أهلية وشباب متطوعين، إطلاق حملة رمزية تحت شعار «حنعمرها تاني» لإحياء أحياء المدينة وإعادة بناء ما دمرته الحرب. وبحسب المركز الفلسطيني للإعلام، جاءت المبادرة في ظل قيود إسرائيلية مشددة على دخول مواد الإغاثة والإعمار، التي زادت معاناة آلاف الأسر، خصوصاً مع هطول الأمطار وغياب مأوى آمن لهم، ما يجعل جهود إعادة تأهيل البنية التحتية واستعادة الحياة الطبيعية تحدياً كبيراً. وشهدت الفعالية في ميدان السرايا مشاركة المئات من المواطنين، فيما واصلت فرق التطوع تنظيف الشوارع وزراعة الأشجار، في محاولة لإضفاء الحياة على المناطق المتضررة وإرسال رسالة أمل للمجتمع المحلي والدولي. وانطلقت الحملة بمشاركة شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية والغرفة التجارية، وعدد من المبادرين من الفئات العمرية كافة بينهم أطفال. وتتضمن الحملة التي انطلقت من مفترق منطقة السرايا وسط مدينة غزة، تنفيذ أعمال تنظيف للشوارع الرئيسية وإزاحة الركام والنفايات، وزراعة أشجار في الشوارع لتضفي نوعا من الحياة على المناطق التي ألحقت فيها الاحتلال دمارا هائلا. ووفق البلدية، فإن هذه الحملة تهدف إلى «إضاءة بارقة أمل نحو المشاركة المجتمعية في البناء والإعمار، وحشد الهمم لإعادة بناء المدينة». ويقول رئيس البلدية يحيى السراج: «انطلقت حملة حنعمرها تاني من قلب غزة النابض وقلب المدينة، بمشاركة فئات المجتمع المختلفة. الحملة تنطلق بإرادة قوية، بأن أهل غزة باقون ولن يتركوها، وعادوا إليها، ويسعون إلى جعلها أجمل مما كانت». وأوضح أن هذه الحملة «رمزية»، لكنها تحمل مدلولات كبيرة على المستويات كافة، وفي مقدمتها أن الفلسطينيين لم يفقدوا الأمل بل سيبذلون جهودا لإعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي في المدينة على مدار عامين من بنى تحتية ومباني ومصانع ومدارس وكنائس ومساجد. ووفق معطيات المكتب الإعلامي الحكومي، فإن حرب الإبادة الإسرائيلية دمرت على مدار عامين 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية. وتستضيف مصر، خلال أسابيع، مؤتمر إعادة إعمار وتعافي وتنمية قطاع غزة، وسط تقديرات أممية لتكلفة إعمار القطاع بنحو 70 مليار دولار. وتنظم مصر المؤتمر في إطار الخطة العربية الإسلامية التي جرى إقرارها فيمارس الماضي، لإعادة الإعمار بغزة دون تهجير الفلسطينيين، وتستغرق خمس أعوام بتكلفة تقدر بنحو 53 مليار دولار. وفي السياق، طالب رئيس بلدية غزة الهيئات الدولية وأحرار العالم إلى الضغط على سلطات الاحتلال لفتح حدود القطاع دون قيود، والسماح بدخول مواد الإعمار لإعادة البلاد كما كانت. وشدد على أهمية البدء بإعمار البنى التحتية للمدينة، من مناهل وآبار المياه، فضلا عن السماح بإدخال المأوي اللازمة للسكان، للتخفيف من معاناتهم، لافتا إلى أنهم غرقوا مع أول منخفض جوي بسيط يضرب المنطقة. وقال: «يجب أن يعيش سكان القطاع بكرامة وعزة، وهذا ما نطلبه من المجتمع الدولي الذي تأخر في إغاثة أهالي فلسطين». بدوره، قال رئيس شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، إن الحملة التطوعية ترسل رسالة للعالم بضرورة فتح المعابر وإدخال المساعدات والبدء في التعافي وإعادة إعمار قطاع غزة، مشيراً إلى أن هطول الأمطار زاد من معاناة المواطنين. وأشار رئيس غرفة تجارة وصناعة غزة، عائد أبو رمضان، إلى أن الحملة ترفع شعار الحياة في مبادرة وطنية لتثبت قدرة غزة على النهوض مجدداً بسواعد أبنائها وإرادتهم الصلبة رغم الدمار والنكبات. وأكد أن الاحتلال استهدف الإنسان والحجر والشجر والمصانع والمنشآت التجارية والاقتصادية والخدماتية وحقول المزارعين، وعطّل الأنشطة كافة مثل الصيد والسياحة وغيرها، «لكنه لم يفلح في كسر إرادة الفلسطينيين». وأشار إلى أن عمليات التدمير الممنهجة جاءت في سياق محاولة لطمس الحياة ذاتها وإخراج المواطنين من غزة إلى الشتات، لكن غزة التي اعتادت أن تنهض من بين الرماد تأبى إلا أن تعود أقوى وأجمل وأكثر عزيمة على البناء. ووفق معطيات رسمية، ألقى الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، وهدم الاحتلال البنية التحتية المدنية بنسبة 90%، وسيطر على أكثر من 80% من مساحة القطاع بالاجتياح والنار والتهجير القسري. ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس ودخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الفائت، إلا أن الاحتلال يفرض قيودا مشددة على دخول المساعدات إلى القطاع متنصلة من تنفيذ التزاماتها الواردة بالاتفاق. كما ترفض سلطات الاحتلال دخول مواد الإيواء من خيام وبيوت متنقلة، لإغاثة الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم ويعيشون في خيام مهترئة. وعلى مدار يومين، تعرضت الآلاف من تلك الخيام للغرق بمياه الأمطار ما فاقم من الكارثة الإنسانية التي يعيشها النازحين بمناطق القطاع المختلفة. وخلفت حرب الإبادة الإسرائيلية على مدار العامين، أكثر من 70 ألف شهيد فلسطيني وما يزيد عن 170 ألف جريح. ووفق بيان سابق للمكتب الحكومي بغزة، فإن متوسط شاحنات المساعدات التي تدخل يوميا لا يتعدى 24 بالمئة بواقع 145 شاحنة، من عدد الشاحنات التي نص الاتفاق على دخولها بشكل يومي وتبلغ 600 شاحنة.