مصر تسعى بجهود مخلصة لإحلال السلام وإنهاء معاناة السودان فاز السنغالي آداما ديانغ، خبير القانون الدولي والمستشار الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية، بجائزة مؤسسة «كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة» المخصصة للشخصية الأفريقية لعام 2025، تقديراً لمسيرته الممتدة في مجال صناعة السلام والدفاع عن حقوق الإنسان. و شهد الحفل حضور كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ووزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبد العاطي، إلى جانب عدد من الوزراء السابقين وأعضاء مجلس أمناء المؤسسة، ونخبة من الشخصيات العامة والدبلوماسيين والنواب والمهندس ابراهيم المعلم رئيس مجلس ادارة الشروق. وفي كلمته عقب تسلمه الجائزة، أعرب ديانغ عن خالص احترامه وامتنانه لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، مؤكداً أن التزام شيخ الأزهر الثابت بالسلام والحوار والتفاهم بين الأديان «يظل مصدر إلهام لنا جميعًا». وقال ديانغ إن العدل والسلام لا يبدأان في المؤسسات أو في نصوص المعاهدات، بل في قلب كل طفل وامرأة ورجل، مشيراً إلى أن حياة "الراحل بطرس غالي" كانت شهادة حيّة على هذه المبادئ، وأن إرثه ما زال يشكل ضميرًا أخلاقيًا للعالم. وأضاف أن مسيرة بطرس غالي، منذ بداياته في مصر مرورًا بعمله في الأممالمتحدة وحتى ما بعدها، كانت حافلة بالتزام لا يتزعزع بالحقيقة والإنصاف والإنسانية، موضحًا أن ثقافته الرفيعة وأناقة فكره وشجاعته شكّلت معيارًا يُحتذى به. وروى ديانغ واقعة من ذاكرته قائلاً: «في أحد مؤتمرات الأممالمتحدة بجنيف كانت الأجواء متوترة والمفاوضات متوقفة، فدخل الدكتور بطرس غالي القاعة بهدوء، وحيّا كل مندوب بحرارة، ثم قال بطمأنينته المعهودة: الدبلوماسية ليست فن التسوية، بل فن الفهم.. وخلال لحظات تغيّر الجو، وبدأ المندوبون يتحدثون عن أوطانهم وشعوبهم وآمالهم.. لم تكن السلطة هي ما حرّكهم، بل التعاطف.. في ذلك اليوم تعلمت أن السلام لا يُبنى فقط عبر الاتفاقيات، بل عبر الفهم والاحترام». ونوّه ديانغ بأن ارتباط بطرس غالي بالقارة الأفريقية كان عميقًا، مستشهدًا بزيارته مخيمات اللاجئين خلال أزمة رواندا، حيث قالت له إحدى الناجيات: «أنت أول شخص يسألني عمّا أحتاجه، لا عمّا فقدته»، مضيفًا أن بطرس غالي ردّ عليها قائلاً: «ألم إفريقيا هو ألم الإنسانية». وسلط الضوء على أن بطرس غالي تميّز خلال خدمته في الأممالمتحدة بصفائه الأخلاقي ورفضه المساومة حين تكون الأرواح في خطر، مؤمنًا بأن «الإنسانية لن تتقدم إلا إذا أغلقت أبواب الكراهية إلى الأبد». وتابع أن إرث بطرس غالي علّمه أن الإنذار المبكر لا بد أن يصاحبه فعل مبكر، مشيرًا إلى تجربة فريق أممي نجح في تفادي اندلاع العنف بفضل هذا النهج. وروى ديانغ أن الدكتور بطرس غالي تأمل ذات يوم طبقات التاريخ المصري الفرعوني والقبطي والإسلامي والحديث، وقال: «القاهرة شهادة حيّة على صمود الأمل»، مؤكداً أن مدينة القاهرة ومؤسسة كيميت تذكران العالم بأن الذاكرة ليست الماضي، بل بذرة السلام. ونبه إلى إن العالم اليوم يواجه تحديات خطيرة جديدة تهدد وعود السلام والأمن بتصاعد التعصب والتمييز والعنف، مشدداً في الوقت ذاته على أن الأممالمتحدة، رغم نواقصها، تظل الأمل الأفضل للبشرية في العمل الجماعي وحماية حقوق الإنسان. وقال ديانج ان جريمة الابادة الاجماعية لا تبدأ من الفراغ فعبارات التحريض هي التي تتحول الي رصاصات للقتل، واستشهد ديانغ بحكمة أجداده في السنغال التي تقول: «الإنسان دواء الإنسان»، موضحاً أنه لم يكن يعلم حينها أن الحياة ستقوده إلى ميادين القضاء والنزاعات ومخيمات اللاجئين والأممالمتحدة، ليقف اليوم في القاهرة بين من يحملون شعلة السلام والعدالة. وأثنى على دور مؤسسة كيميت في تجسيد رؤية الراحل بطرس غالي من خلال التزامها بالحوار والشفافية والأخلاق وحكمة المعرفة القديمة، منوهاً إلى أن جهودها في دعم أهداف التنمية المستدامة وتعزيز التفاهم بين الثقافات تمنح الأمل للأجيال المقبلة. وأعرب ديانغ عن عميق امتنانه لمجلس أمناء مؤسسة "كيميت بطرس غالي"، مشيداً بتفانيهم في خدمة مبادئ الحوار وحقوق الإنسان وكرامة البشر، ومؤكدًا ضرورة تكريم من رحلوا بأفعالنا لا بأقوالنا. واختتم كلمته قائلاً: «ليظل ذكر الدكتور بطرس بطرس غالي نبراسًا يوجّه خطواتنا، ولتستمر كلماته في إيقاظ ضمائرنا، ولنعمل جميعًا على أن نغلق أبواب الكراهية ونفتح على مصراعيها أبواب العدالة والمصالحة، ونصون في كل قلب وكل أمة كرامة الإنسان المقدسة». في نفس السياق قال ديانغ، إن مصر تسعى بجهود مخلصة لإحلال السلام في محيطها وإنهاء معاناة السودان. وأشاد ديانغ، في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الخميس بالدور الريادي الذي تقوم به مصر في دعم جهود الاستقرار والتنمية بالقارة الأفريقية. ونوه بأنه يشعر بسعادة كبيرة لوجوده على أرض مصر التي لا تدخر جهداً في سبيل حل الأزمات والنزاعات في المنطقة، متمنيًا أن تُكلَّل جهودها بالنجاح في إنهاء الأزمة السودانية ووقف معاناة الشعب السوداني ونزيف الدم المستمر، وأثنى ديانغ على ما حققته مصر خلال السنوات الأخيرة من إنجازات كبيرة في مسيرة التنمية المستدامة، مؤكدًا أن هذا التقدم الملحوظ يعكس إصرار الدولة المصرية على تحقيق الخير لشعبها وللقارة الأفريقية بأسرها. وأضاف أن مصر بلد كبير و كان لها دور بارز في نشأة منظمة الوحدة الأفريقية، وقدّمت للعالم أيقونات عظيمة في مجالات السلام والدبلوماسية، من بينهم "ابن أفريقيا وابن المجتمع الدولي الدكتور الراحل بطرس بطرس غالي". وأشار إلى أنه حظي بزيارة المتحف المصري الكبير الذي أهدته مصر إلى العالم، موضحًا أن هذا الصرح العظيم لا يعرض فقط عظمة الحضارة المصرية، بل يجسد أيضًا جذور الحضارة الأفريقية التي تنتمي إليها مصر بوصفها مهدًا للحضارات الإنسانية.