خلال الشهور القليلة الماضية، اتهم محامون مصريون الكاتب والأديب جمال الغيطاني بإعادة طباعة كتاب ألف ليلة وليلة الذي يحتوي على مواد خادشة للحياء، وكان اعتراضهم على أن الكتاب فيه مواد إباحية وسخرية وإهانة للذات الإلهية مما يستوجب منعه ومصادرته. لكن الغيطاني رئيس تحرير أكبر صحيفة أدبية في مصر لا يهتم، ويرى أنه من الضروري أن يكون كتاب ألف ليلة وليلة في مكتبة كل قارئ، موضحا أن ما فعله المناهضون للكتاب ما هو إلا محاولة لإحراج الحكومة، وترويع المثقفين وفرض رقابة على عقول الناس. وكتبت أورسولا لينزي في مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن محاولة مصادرة الكتاب ومنعه الآن ليست الأولى، فقد سبقتها محاولتان في عام 1985 وبعدها في عام 1998، لكن الغيطاني يبدو مصمما أكثر من ذي قبل على الدفاع عن الكتاب، لأنه يعتبر إعادة طبعه أهم ما فعله في حياته بأكملها. تقول لينزي إن الكتاب الذي يضم قصصا مختلفة من بلاد فارس والهند و العرب من القرن العاشر ميلاديا، يعتبر من أهم الكتب وأكثرها شيوعا في العالم كله، لكن الجدل مازال قائما في الوطن العربي حول ما إذا كان ينبغي أن يقوم "حماة الأخلاق" بمنع الكتاب ومصادرته في مصر أم لا، ضاربين بحرية التعبير عرض الحائط. من جانبه، يؤكد روبرت إيروين أشهر الباحثين الغرب في "ألف ليلة وليلة" أن الكتاب يجمع ما بين التعقيد والرحابة، والقصص المتداخلة التي لا يمكن التنبؤ بها، وهذا ما يجعله جذابا وملهما للأدباء على مدار التاريخ. لكن مجموعة من الباحثين في الأزهر قرروا أن يختلفوا مع إيروين والغيطاني وكل محبي الكتاب ببيان أعلنوه وصفوا فيه المدافعين عن الكتاب بأنهم أغبياء وفاجرين، ولم يكتفوا بلعن ألف ليلة وليلة فقط، وإنما هاجموا قرار الجهات الحكومية التي أعادت طبع كتب أخرى بأسعار رمزية مثل كتاب "دعوة للحوار" للدكتور حسن حنفي الأستاذ بجامعة القاهرة قسم فلسفة، و رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي الطيب صالح. وبرر هؤلاء هجومهم متهمين الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة أنها تنفق المال في تدمير الشباب ونشر الفاحشة، وقالوا إن إعادة نشر هذه الكتب بأسعار رمزية هو الذي أدى إلى انتشار الإدمان، وزيادة حالات الطلاق والاغتصاب وزنا المحارم، وظهور عبادة الشيطان! والمعروف أن الرقابة على الأدب في مصر غير رسمية، لأن أي كتاب يجب أن يعرض أولا على الأزهر، ومن الممكن أن تصادره السلطات إذا ما أعلن الأزهر اعتراضه على محتوى الكتاب. والغريب أن الشارع يمارس رقابة مشددة على بعض الكتب، أو تساهم وسائل الإعلام في رفض الناس له حتى قبل أن يقرءوه، تماما كما حدث مع كتاب "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر. فقد روجت وسائل الإعلام وقتها ورجال دين أزهريين أن الكتاب به ازدراء واضح للدين الإسلامي، مقتبسين منه فقرات غير كاملة ومجتزأة. وهكذا اندلعت المظاهرات أمام الجامعات - خاصة جامعة الأزهر- وصودر الكتاب الذي كان مطبوعا من خلال وزارة الثقافة المصرية! وهو ما حدث أيضا مع مجلة "إبداع" الأدبية التي صودرت في 2007 بسبب قصيدة نشرتها للشاعر الكبير حلمي سالم، واتهموه بإهانة الذات الإلهية. وما حدث مع سالم وغيره يسمى قضايا الحسبة، التي كانت تتيح لشخص ما أن يقاضي آخرين بالنيابة عن المجتمع بأكمله بدعوى إضرارهم بالمجتمع أو بالإسلام أو بالقيم الأخلاقية عموما. وهناك العديد من المحاميين الإسلاميين الذين احترفوا رفع قضايا الحسبة ضد المثقفين والأدباء والكتاب الذين يعتقدون أن أرائهم تقلل من شأن الإسلام. لكن قضايا الحسبة تم تقنينها كثيرا الآن، ليصبح النائب العام فقط هو المخول برفعها. ولا يقتصر الأمر على الإسلاميين فقط، بل امتد للأقباط أيضا، فهناك من الأقباط من يفكرون بنفس الطريقة، ويزعمون أنهم "حماة الأخلاق أو الدين" لمقاضاة الكتاب والأدباء في أي وقت. وما يحدث دائما هو أنه في الوقت الذي تكون فيه القضية قيد التحقيق، تتم مصادرة الكتاب من الأسواق، وكأن الحكم النهائي لا يهم. وعادة ما يصاحب كل هذا الجدل تهديدات بالقتل، كما حدث مع جمال الغيطاني الذي اضطر لنقل مكتبه للحفاظ على حياته، بعد أن تم تهديده بالقتل. وهو ما حدث في عام 1994 مع الأديب نجيب محفوظ عندما كاد أن يلقى حتفه بسبب مهاجمة أحد المتشددين له لأنه رأى أن رواية محفوظ "أولاد حارتنا" فيها ازدراء للدين وللذات الإلهية. من جانبها، تحاول الحكومة المصرية دائما تقديم نفسها على أنها الحاضنة لكل ماهو مستنير وحر، لكنها في الوقت نفسه تنصب نفسها قاضيا للحفاظ على القيم الإسلامية والتقليدية. تماما كما أوضحت الدكتورة سامية محرز في كتابها "الحروب الثقافية في مصر" التي وصفت فيه الحكومة ووزارة الثقافة بالقاضي المتشدد الذي يرى أن من حقه ربط الثقافة بمسألة توازن القوى السياسية، وعليه يجب أن يخدم الأدب قواعد اللعبة لا أن يخرج عنها. يذكر أن عبد المجيد محمود النائب العام أعلن اليوم حفظ البلاغات المقدمة ضد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة وبعض العاملين بالهيئة بسبب إعادة طباعة ونشر كتاب "ألف ليلة وليلة"، مؤكدا أن الكتاب ثروة للأدب الشعبي ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامة يجب الحفاظ عليه، وأنه لم تتوفر فيه أركان جرائم استغلال الدين الترويج للأفكار المتطرفة وازدراء الأديان السماوية وإثارة الفتن.