نشرت جريدة النهار العربى مقالًا للكاتب راشد شاتيلا تناول فيه دخول الذكاء الاصطناعى إلى عالم الحيوانات، لم يعد الذكاء الاصطناعى مجرد أداة للصناعة والتحليل، بل أصبح وسيلة لفهم الحياة بكل أشكالها، حتى عالم الحيوان. ومع هذا التقدّم، يبرز سؤال جوهرى: هل سنستخدم الذكاء الاصطناعى لحماية البيئة والكائنات، أم لاستغلالها بطرق جديدة؟.. نعرض من المقال ما يلى: فى عالمٍ يتغيّر بسرعة، لم يعد الذكاء الاصطناعى مجرد أداة لصناعة السيارات أو تحليل البيانات، بل أصبح عينًا جديدة ترى الكوكب وتقرأ تفاصيله الدقيقة. اليوم، تدخل هذه التقنية إلى عالمٍ لم يكن صوتُه مسموعًا: عالم الحيوانات. هذا الدخول ليس ترفًا علميًا، بل تحوّل حضارى فى نظرتنا إلى الحياة. منذ آلاف السنين، كان الإنسان يراقب الطيور ليكتشف الطيران، ويصغى إلى الذئاب ليتعلم الصيد، ويعيش بين الخيول ليعرف معنى القوة. لكن الذكاء الاصطناعى اليوم لا يكتفى بالمراقبة؛ بل يحاول فكّ شيفرة السلوك الحيوانى، وتحويل الأصوات والإشارات إلى بيانات وفهم. إنها المرة الأولى التى نقترب فيها من لغة غير لغتنا بأسلوب علمى ممنهج. قوة الذكاء الاصطناعى تكمن فى الإصغاء. فهو يستطيع تتبّع تحركات أسراب الطيور المهاجرة، ورصد أصوات الحيتان فى أعماق البحار، وتحليل أنماط حياة النمور فى الغابات. هذه القدرة قد تغيّر مستقبل الكائنات المهددة بالانقراض، وتساعد على إعادة التوازن البيئى، وتُعيد صياغة علاقتنا بالكوكب كله. لكن فى قلب هذه الثورة التقنية تكمن أسئلة أخلاقية عميقة: هل نستخدم هذه المعرفة لحماية الحيوانات، أم لاستغلالها بطرق جديدة أكثر دقة؟ هل سنقترب من الطبيعة بوعى جديد، أم سنعيد إنتاج نفس الأنماط القديمة من السيطرة والتعدى؟ الذكاء الاصطناعى هنا ليس خصمًا للحيوانات ولا صديقًا مطلقًا لها. هو مرآة لنياتنا. إذا كان هدفنا الفهم والحماية، فستولد علاقة جديدة بين الإنسان والحيوان على أساس حماية الحيوانات. وإذا كان هدفنا الهيمنة، فسيتحوّل إلى أداة تجريد الطبيعة من أسرارها لصالح السوق والمختبر. فى النهاية، نحن أمام فرصة نادرة: للمرة الأولى، نستطيع أن نقرأ الطبيعة بلغتها الخاصة. والسؤال الحاسم هو: هل سنستعمل هذه القدرة كجسر للرحمة والانسجام، أم كنفق نحو مزيد من الاستغلال؟ هنا، يتقرّر شكل المستقبل بين الإنسان والحيوان، بين التقنية والحياة.