بيلاي: صرخة العدالة تتصاعد.. والعدالة الرقمية تبرز مع اتساع فجوة عدم المساواة    وزير الخارجية يلتقي مع نظيره الإسباني (تفاصيل)    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    ارتفاع سعر الجمبري واستقرار لباقي أنواع الأسماك في أسواق دمياط    الاتصالات: إطلاق برنامج ITIDA-DXC Dandelion لتدريب ذوى الاضطرابات العصبية للعمل بقطاع تكنولوجيا المعلومات    54 ألف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    حزب الجبهة الوطنية بالجيزة يستعد بخطة لدعم مرشحيه في جولة الإعادة بانتخابات النواب    بولندا: فضيحة الفساد في أوكرانيا خبر سيئ لأوروبا    محافظ شمال سيناء من معبر رفح: جاهزون للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجيش الملكي.. شريف يقود الهجوم    تراجع ريال مدريد عن تكرار سيناريو صفقة أرنولد مع كوناتي    مارسيليا يقترب من التعاقد مع حمزة عبد الكريم    ضبط سائق نقل يهدد قائد سيارة أخرى بسبب التصوير أثناء السير برعونة بالقليوبية    حريق ديكور تصوير مسلسل باستوديو مصر في المريوطية    طقس غد.. مفاجأة بدرجات الحرارة ومناطق تصل صفر وشبورة خطيرة والصغرى بالقاهرة 16    مصرع 3 شباب في انقلاب سيارة ملاكي بترعة المريوطية    تعاطى وترويج على السوشيال.. القبض على حائزي المخدرات في الإسماعيلية    رانيا المشاط تبحث مع «أكسيم بنك» تطور تنفيذ المشروعات الجارية في مجالات البنية التحتية المختلفة    تامر محسن يقدم ماستر كلاس في مهرجان الفيوم اليوم    تجهيزات خاصة وأجواء فاخرة لحفل زفاف الفنانة أروى جودة    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يحتفى بالفائزين بمسابقة عصام السيد للعمل الأول    وزير الخارجية يلتقى رئيسة مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات    كورونا أم أنفلونزا.. مسئول المصل واللقاح يكشف ترتيب انتشار العدوى التنفسية |فيديو    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    بعد وفاة فتاة في المغرب.. باحث يكشف خطورة «غاز الضحك»    تفريغ كاميرات المراقبة بواقعة دهس سيدة لطفلة بسبب خلاف مع نجلها بالشروق    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 84 شخصًا    أحمد الشناوي: مواجهة بيرامديز ل باور ديناموز لن تكون سهلة    تحمل 25 ألف سيارة.. ميناء الإسكندرية يستقبل أكبر ناقلة سيارات في العالم    الصحة: فحص نحو 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    «السبكي» يلتقي وزير صحة جنوب أفريقيا لبحث تعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    أسعار البيض اليوم الجمعة 28 نوفمبر    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    انقطاع الكهرباء 5 ساعات غدًا السبت في 3 محافظات    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيا ويصيب طفلة جنوبي غزة    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    "من الفرح إلى الفاجعة".. شاب يُنهي حياة زوجته بسلاح أبيض قبل الزفاف في سوهاج    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    الشرع يدعو السوريين للنزول إلى الشوارع في ذكرى انطلاق معركة ردع العدوان    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    شروط حددها القانون لجمع البيانات ومعالجتها.. تفاصيل    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    بيونجيانج تنتقد المناورات العسكرية الأمريكية-الكورية الجنوبية وتصفها بالتهديد للاستقرار    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    الشيخ خالد الجندي يحذر من فعل يقع فيه كثير من الناس أثناء الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تذكرة للحرية
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 10 - 2025

وقفت أتأمل الحضور من أعلى شرفة منزل المخرج الراحل يوسف شاهين بدهشور الذى ورثته عنه ابنة أخته، المنتجة والمخرجة ماريان خورى. قررت هذه الأخيرة منذ عام 2012 أن تقيم فيه ورشا سينمائية تحت اسم «الدهشورية»، واستطاعت بالفعل جذب مجموعة من المهتمين بالفنون، صاروا مع الوقت ينتمون للمكان وناسه. ينصحونك بشراب الليمون الطازج فور وصولك من زحام القاهرة، كما لو كان طقسا ضروريا لخوض التجربة كاملة والاندماج فى الجو، ولا يفوتهم أن يضيفوا «سُكره قليل على غير العادة فى مصر»، وتستمر النصائح حول ما يجب أن تتناوله من مأكولات «خاصة كيكة البلح الذى تم جمعه من نخيل الحديقة»، فهم يشعرون أنهم من أهل البيت بسبب ترددهم عليه خلال السنوات الأخيرة، فى إطار ورش مختلفة.
أعلنت ماريان خورى عن إطلاق منصة دهشور للمهارات الإبداعية وسوق العمل، تحت رعاية وزارة التضامن الاجتماعى، وبدعم من مؤسسة دروسوس، وهى منظمة خيرية غير ربحية مقرها الرئيسى فى مدينة زيورخ بسويسرا، تعتمد فى تمويل مشروعاتها التنموية على رأس مال من وقف خاص. تحتفل دروسوس بمرور عقدين على بداية نشاطها، كما يأتى إطلاق مؤسسة شاهين لتدشين الاحتفال بمئوية المخرج الراحل الذى سيستمر طوال عام 2026 فى بلدان متفرقة من العالم. وتهدف المبادرة إلى الحفاظ على إرثه السينمائى وتمكين جيل جديد من المبدعين، فسيتم اختيار 200 شاب وشابة من جميع أنحاء الجمهورية لتدريبهم على مدار أربع سنوات وتأهيلهم لخوض تجربتهم الخاصة والانخراط فى السوق. والمشروع الذى سيديره المخرج السكندرى أحمد نبيل ويمنى الختام (عن مؤسسة دروسوس) يشمل جوانب متعددة منها الأفلام القصيرة والتسجيلية وكتابة السيناريو والبودكاست وصناعة المحتوى، فبيت الدهشورية يضم غرف مخصصة لإقامة المشاركين، إضافة إلى استوديو صوت وقاعة عرض.
• • •
تذكرت مقولات مختلفة ليوسف شاهين أثناء عرض المبادرة خلال حفل استقبال أقيم فى حديقة المنزل، وهو الذى كان يفخر دائما أن له مريدين وتلاميذ كثر يتجاوز عددهم الستمائة، وأنه طالما كرر على مسامع طلابه ضرورة تعلم الحرية وامتلاك رؤية للعالم كى تصنع أفلاما، فالجوانب التقنية موجودة فى الكتب، أما الإبداع فيأتى من خلال متابعة الناس بحب، إذ يحمل كل فرد منا قصة رائعة بداخله يجب على الفنان أن ينصت إليها جيدا كى يعبر عنها. وهو أيضا الذى ذكر فى أحد حواراته حول حرية الإبداع «نحن لا نصنع أفلاما كى نخبئها»، وأن أشد أنواع العنف قد تكمن فى حرق أو القضاء على كتب وإبداعات شخص بسبب التطرف أو عدم تقبل الرأى الآخر. وهو ما حاربه دوما بروحه المرحة وحب الحياة والموسيقى والرقص، العناصر نفسها التى ميزت أعماله واختلطت بالسياسة، لأن تنوع أشرطته السينمائية جعله شاهدا على العصر الذى عاش فيه بكل تعقيداته، منذ ولادته فى الإسكندرية يوم 25 يناير 1926 إلى وفاته فى 27 يوليو 2008 عن عمر يناهز 82 عاما.
على نغمات نانسى منير، وهى عازفة وملحنة شابة ولدت أيضا بالإسكندرية، مثلما أحمد نبيل وشاهين نفسه، رحت أتخيل هذا الأخير بيننا.. صرت أتجول بين أفلامه وكأنها شريط يتحرك أمامى مع الموسيقى، منذ بداياته عام 1950 مع فيلم «بابا أمين» الذى استلهم فكرته على الأغلب من رواية «تمت اللعبة» لجان بول سارتر. وخلال الستينيات صار أكثر ارتباطا بالواقع السياسى المصرى، انتقد دور المثقف والأوساط البرجوازية فى «فجر يوم جديد» (1965)، وتناول أحوال الفلاحين فى فيلم «الأرض» (1969). تأثر بالنكسة وانعكس موقفه على أفلامه مثل «العصفور» (1973) - خاصة المشهد الذى تنزل فيه النساء إلى الشارع رفضا للهزيمة - و«عودة الابن الضال» (1976) الذى ندد فيه بالظروف التى أدت إلى ضياع الحلم. ثم جاءت لحظة أخرى فاصلة فى حياته عند خضوعه لعملية قلب مفتوح قيل له إن فرص نجاحها قليلة، قرر بعدها أن يبدأ سلسلة من الأفلام أكثر ذاتية ازدادت معها شعبيته فى الخارج، وأثر هذا الملمح الجديد على السينما المصرية وعلى أجيال كاملة، وكانت سلسلة «إسكندرية ليه؟»، و«حدوتة مصرية»، و«إسكندرية كمان وكمان»، و«إسكندرية - نيويورك»، التى امتد إنتاجها من نهاية السبعينيات حتى بداية الألفية الثانية.
أول هذه الأفلام هو الأحب إلى قلبه لأنه يتعرض لسنواته الأولى فى كنف مدينة حكمها التسامح وتعدد الثقافات. تعلم فيها معنى الحرية وروح الاختلاف، قبل أن يسافر للتعلم والدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية فى أربعينيات القرن الماضى، فقد سحرته أمريكا الأفلام الاستعراضية وما قبل هيروشيما، وغضب كثير من سياسات الإمبرالية والهيمنة التى اعتمدتها فى فترات لاحقة، خاصة تحت حكم جورج بوش وما تلا الحادى عشر من سبتمبر من أحداث عكست «شيطنة العرب والمسلمين ليحلوا بذلك مكان المواطن الروسى ومثيله اليابانى اللذين شوهت صورتهما إبان الحرب العالمية الثانية».
• • •
تطورات هذا العالم دفعته إلى الصراخ أحيانا، من خلال مواقفه وأفلامه. وقد كان دائم التضامن مع القضية الفلسطينية، حتى لو لم ترتبط أفلامه بها بشكل مباشر، وحتى وإن وضعه فيلمه الأثير «إسكندرية ليه؟» فى مأزق حين اتهمه البعض بالتحيز للتطبيع والترويج لاتفاقيات السلام التى عقدها السادات، لأنه تناول فيه قصة حب بين يهودية ومسلم (أحمد زكى ونجلاء فتحى). ذكر المخرج باسل رمسيس، فى مقالٍ له نُشر على موقع «المنصة»، كيف شن يوسف شاهين حملة للدفاع عن فيلمه سياسيا وليس فنيا مع الاستعانة بقادة الثورة الفلسطينية فى بيروت لإنقاذ سمعته ومساره فى لحظة هامة كان العالم العربى يعيش فيها الحرب الأهلية اللبنانية ومجزرة تل الزعتر. قال حينها: «بعد عبد الناصر، ما القوة الموحدة التى تمنعنا من الاستمرار فى التدهور والتفتت؟ هناك قطيعة فى العالم العربى يلزمها قوة كبيرة تعيد التوحيد، ولا يبدو لى أن هناك قوة أخرى بهذا الحجم غير الثورة الفلسطينية». وافق كلامه عن مشروع الدولة العلمانية الديمقراطية هوى القيادات الفلسطينية وقتها، ومرت الأزمة.
ينتهى عزف نانسى منير فى قاعة السينما والمسرح بالدهشورية، وأنا أرى وجه شاهين بابتسامته الساخرة وأتمنى أن أسمع تعليقاته اللاذعة حول ما يحدث حاليا، ولكن أكتفى بحفاوة وحماسة الموجودين فى هذا البيت الذى يقع على بعد خطوات من هرم سنفرو المنحنى وبِركة الملك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.