رحل أسامة أنور عكاشة تاركا مساحة واسعة من الفراغ فى عالم الدراما التليفزيونية، وبعد مرور أسبوع على رحيله نحاول طرح تلك الأسئلة المتعلقة بميراثه الفكرى، ومن يمكنه أن يتحمل مسئولية استكمال مسيرته، والتعبير عن أحلام البسطاء فى الحارة الشعبية، ومن يستطيع جمع الناس أمام شاشة التليفزيون لترى واقعها ومشاكلها وتطلعاتها. على الدرب المخرج إسماعيل عبدالحافظ: لا نستطيع القول بأنه ستكون هناك نسخة أخرى من أسامة أنور عكاشة، لكن هناك أجيالا واعدة، وكتاب سيناريو مبدعين أخذوا بشكل أو بأخر عن مدرسته، ويسيرون على الدرب فى حلم إعلاء شأن الدراما المصرية، وأسامة نفسه كان يشعر دائما بالسعادة عند خروج موهبة واعدة، وكان يفرح بالكتاب الجدد، ويتواصل معهم، ومن هنا أقول إن أولاده كثيرون وأذكر منهم مجدى صابر، ومصطفى إبراهيم، ومن الشباب عبدالرحيم كمال وفتحى دياب وناصر عبدالرحمن، وغيرهم من الواعدين الذين سيحملون لواء الصدارة للدراما المصرية، هذا فضلا عن استمرار رفقاء الدرب، الذين عاصروا أسامة أنور عكاشة فى مواصلة الإبداع، ومنهم يسرى الجندى ومحفوظ عبدالرحمن وكرم النجار وصفاء عامر، وكلهم يمثلون نفس الجيل الذى خرج منه. مرحلة عاصفة الكاتب بسرى الجندى: أسامة كان موهبة استثنائية، تكاد تكون ظاهرة، ولم تنشأ هذه الموهبة من فراغ بل هى نتاج ظرف عاشها عكاشة والجيل الذى خرج منه، والذى تربى فى حضن الأدب، والثقافة بروافدها المختلفة، وهو الجيل الذى عاصر مرحلة عاصفة وحادة على كل المستويات سواء المحلية والإقليمية والدولية، ومن هنا فان إبداعات أسامة أنور عكاشة تعبر عن هذا الظرف الذى عاشه وتفاعل معه، قدمه لا يمكن أن يقدمه مبدع آخر لم يعش هذا الظرف، ولكن هذا لا يعد تقليل من حجم مواهب الأجيال التالية، الذين بالضرورة تأثروا به وأخذوا عنه الكثيرة، وهم الآن يعبرون عن عالمهم، وقضايا عصرهم، وهناك أسماء من الشباب نراهم مواهب واعدة وقادرة على تقديم أعمال جيدة تمثل امتدادا لمسيرة الدراما التى لن تتوقف برحيل أى من كبارها، ومن هؤلاء عبدالرحيم كمال الذى سعدنا كثيرا بما قدمه، ومن الجيل الثانى مجدى صابر، الذى صنع لنفسه اسما فى مجال الدراما التى لمست حياة الناس. صياغة عبقرية الكاتب والناقد فايز غالى: الظرف الذى خرج فيه أسامة أنور عكاشة يختلف كثيرا عن الظرف الذى نعيشه الآن، فعكاشة ابن جيله، ومن هنا فإن فكرة خروج من يسير على نهجه هى فكرة مستبعدة، وهذا لا يعنى عدم وجود مواهب حقيقية فى الأجيال التالية لعصر عكاشة ورفاقه، فهناك كتاب على مستوى جيد لكل منهم خطه ومذاقه الخاص، وأذكر منهم مجدى صابر ومحمد الغيطى، وغيرهما من المؤلفين، الذين ينحازون فيما يكتبون على الفقراء والبسطاء من أبناء هذا الوطن. أسامة أنور عكاشة صاحب صياغة عبقرية فى كتابة الأحداث وصياغة الحوار كانت تساهم فى جذب المشاهد لمتابعة المسلسل من أول حلقة ولآخر مشهد فى الحلقة الثلاثين، بل إنه كان قادرا على الاستمرار فى هذا الإبداع الجميل لأكثر من جزء فى المسلسل الواحد، وهو يمثل حالة شاذة فى تعامله مع مفردات صناعة الفيديو فلم يخضع لقوة الإعلان، وضغوط الإنتاج، وكان يقف كما لو كان يحارب وحيدا فى هذا المضمار، ومن هنا يكون استكمال دوره فى الدراما مهمة مستحيلة على الأجيال الجديدة من كتاب الدراما، الذين يسقطون بشكل أو بآخر تحت سطوة منظومة الإنتاج بشكلها الحالى. صدق الإبداع الفنان حسن يوسف: الإبداع لا يورث، وأنا لا أؤمن بفكرة أن هناك من يحل محل آخر أو يستكمل مسيرته، من هنا لا أستطيع أن أقول أى من كتاب الدراما أقرب إلى خط وأسلوب أسامة أنور عكاشة، ولكن لا شك فإنه كان له أثر كبير على معظم المؤلفين، الذين ساروا على نهجه فى الغوص داخل الحارة المصرية، أما الشباب فمعظمهم اتجه للعمل فى مناطق بعيدة محورها الأجواء الصعيدية، وعالم رجال الأعمال والبزنس، وهو ما يجعلهم بعيدين عن عالم أسامة أنور عكاشة، فعكاشة قدم دراسات فى الشخصية المصرية من الحى الشعبى، وكتب شخصيات لها ظلال فى الواقع، وأذكر هنا كيف قدم شخصية توفيق البدرى فى ليالى الحلمية، الذى شعرت أننى أعرفه بمجرد قراءة الورق لأننى شاهدت ناسا كثيرة تشبهه فى الحى الشعبى الذى أنتمى إليه. مدرسة الدراما التليفزيونية الكاتب أبوالعلا السلامونى: أسامة أنور عكاشة ليس له وريث فيما يخص الكتابة، ولكنه فى نفس الوقت يمثل مدرسة فى الدراما التليفزيونية، التى تعلم منها كل الأجيال التى جاءت بعده، فهو من وضع أسس أدب الدراما التليفزيونية، والأعمال الملحمية، والتى أصبحت مراجع للأجيال الجديدة تعلموا منها الكثير، ومسألة تحديد من سيلعب دورا مماثلا لعكاشة فى المستقبل، فهذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه فى الوقت الراهن، وعلينا أن ننتظر اكتمال تجارب الشباب والتى ستحدد من الذى يمكنه الاقتراب من هذه المنزلة الرفيعة فى قلوب عشاق الدراما. عالم الحارة الدكتورة لميس جابر: الساحة فيها أسماء كثيرة تبشر بالخير، ولكن الاهتمامات اختلفت كثيرا عن تلك الفترة التى خرج فيها عكاشة، وحى شكل الحارة والحى الشعبى اختلف كثيرا عن ذى قبل، وهذا الاختلاف ظهر فى ليالى الحلمية من جزء لآخر، وهى فى الجزء الأخير كانت الحارة على وشك أن تتلاشى نهائيا، ومن هنا فإن كتاب الأجيال الجديدة انصرفوا عنها لعالم البزنس، وصراعات الطبقات العليا فى المجتمع، ولكن هذا لا ينفى أن فى كل كاتب منهم شيئا من لمساته، ولعل أقربهم لتلك الحالة الإنسانية، التى تدور فيها دراما أنور عكاشة هو عبدالرحيم كمال لو تخلى عن عالمه الصعيدى. علاقات إنسانية حازم الحديدى: أعمال أسامة أنور عكاشة حاجة تانى غير كل الكتاب، ولا اعتقد أن هناك من نستطيع أن نقول إنه يمثل امتداد له، ولكننا جميعا تفتحت عيوننا على إبداعاته، وعشنا مع شخصياته الدرامية، وتأثرنا بأشكال البناء الدرامى عنده، وأرى أن هناك خطوطا تماس بين أعمال عكاشة وكل من يعملون فى الكتابة للدراما التليفزيونية، وأن أحاول الاقتراب من تلك الحالة الإنسانية التى قدمها فى أعماله، فأنا مهموم مثله بطبيعة العلاقات بين الناس. فن الحوار ياسر عبدالرحمن: ليس سرا أننا جميعا تأثرنا بأعمال عكاشة، وأنا أخذت عنه جعل كل شخصية تتحدث عن نفسها ولا تكون أداه يتحدث من خلالها الكاتب، وأن يكون حوارا معبرا عن الشخصية، ومن هنا لم يكن تأثير فقط على الكتاب ولكن امتد تأثيره على الملايين الذين شاهدوا أعماله وتأثروا بها، فهو الذى علم الناس أن تتابع المسلسلات، وهذا يجعل فكرة أن يكون شخصا واحدا امتدادا لعكاشة أمرا غاية فى الصعوبة، لكننا جميعا على الطريق، والكل يحاول أن يواصل فى المنطقة التى اختارها لنفسه.