موعد التسجيل لاختبارات القدرات لطلاب الشهادات المعادلة    محافظة الجيزة تخفض درجات القبول بالثانوي العام إلى 220 درجة    جنوب سيناء والمنظمة العربية يخططان لجذب استثمارات إلى شرم الشيخ    بيكو مصر تخفض أسعار أجهزتها المنزلية 20%    «أونروا»: استشهاد وإصابة أكثر من 40 ألف طفل في غزة    مباشر مباراة باريس سان جيرمان وتوتنهام الآن في نهائي كأس السوبر الأوروبي 2025    محمود ناجي حكمًا لمباراة أنجولا والكونغو في أمم أفريقيا للمحليين    رئيس اتحاد اليد بعد التأهل التاريخي: قادرين على تخطي إسبانيا    رسميًا.. ميلان يعلن التعاقد مع كوني دي فينتر    كرة سلة.. سبب غياب إسماعيل مسعود عن منتخب مصر بالأفروباسكت    الكشف عن سبب تأخر صفقة انتقال كومان إلى النصر السعودي    الأجهزة الأمنية تلقي القبض على «أم ملك» لنشرها فيديوهات تسيء إلى المجتمع المصري    الداخلية تكشف تفاصيل تضرر إحدى السيدات من جيرانها في الجيزة    «السكة الحديد» تُعلن مواعيد تشغيل قطارات خط «القاهرة / السد العالي» (المواعيد)    بعد إحالتها للتحقيق في المهن التمثيلية.. القصة الكاملة ل أزمة بدرية طلبة    عمرو يوسف: تحمست ل «درويش» لأن أحداثه تدور في الأربعينيات (فيديو)    وصية محمد منير    خالد الجندي يكشف عن آية قرآنية تحمل رسالة لكل من يتحدث باسم الدين    غيب نسبي وغيب مطلق.. خالد الجندي يكشف عن أنواع الغيب والفرق بينها    مطار القاهرة يشهد استكمال المرحلة الرابعة من التدريب على أجهزة AED    افتتاح وحدة العلاج الإشعاعي بمستشفى الأورام الجامعي في المنيا    لتركه العمل دون إذن رسمي.. إحالة عامل ب«صحة الباجور» في المنوفية للتحقيق    انتشار حرائق الغابات بجنوب أوروبا.. وفاة رجل إطفاء وتضرر منازل ومصانع    «يصلهم الفُتات».. إسرائيل تبني مجاعة غزة على أوجاع البطون الخاوية    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    تفاصيل توقيع بنك القاهرة وجهاز تنمية المشروعات عقدين ب 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر.. صور    محافظ شمال سيناء يبحث استدامة خدمات مياه الشرب بالمدن والقرى    رئيس الوزراء: "مصر لن تغفل حقها في مياه نهر النيل فهي مسألة حياة للمصريين"    «شرم الشيخ للمسرح» يعلن تفاصيل مسابقة عصام السيد في دورته العاشرة    عمرو يوسف يوضح حقيقة تشابه فيلم «درويش» مع مسلسل «جراند أوتيل» |فيديو    تفاصيل أول مشروع ل راغب علامة بعد حل أزمته مع نقابة الموسيقيين    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    أتالانتا يقدم عرضًا ب40 مليون يورو لضم رودريجو مونيز من فولهام    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    إلغاء جلسة لجنة الخارجية والأمن بالكنيست لعدم توفر أغلبية للمصادقة على تمديد أوامر استدعاء الاحتياط    الداخلية الكويتية: جميع جنسيات العالم مرحب بها في البلاد باستثناء «جنسية الاحتلال»    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    شروط تقليل الاغتراب لأبناء مطروح الناجحين فى الثانوية العامة    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    وزير الصحة يشكر النائب العام على سرعة الاستجابة في واقعة "مستشفى دكرنس"    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    «أتعرض لحملة تشويه».. الشناوي يوجه رسالة حادة ل مسؤول الأهلي (إعلامي يكشف)    حبس وغرامة 2 مليون جنيه.. عقوبة الخطأ الطبي الجسيم وفق "المسؤولية الطبية"    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    غدًا آخر فرصة لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 ضمن الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» (تفاصيل)    السد العالي يستقبل مياه نهر عطبرة والنيل الأبيض.. خبير يكشف التفاصيل    «الترويكا الأوروبية» تهدد بإعادة فرض عقوبات على إيران في هذه الحالة    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأساطيل وحروب الرأى العام
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 06 - 2010

اعترضت القوات البحرية الإسرائيلية يوم الأحد سفنا خاصة بمنظمة غير حكومية تركية تقل إمدادات إنسانية إلى غزة. وطلبت إسرائيل من السفن عدم التوجه مباشرة إلى غزة والرسو بدلا من ذلك فى الموانئ الإسرائيلية، حيث سوف تفرغ الإمدادات ويتم توصيلها إلى غزة. ورفضت المنظمة غير الحكومية التركية، حيث أصرت على الاتجاه مباشرة إلى غزة. وترتب على ذلك إطلاق للنار عندما صعد أفراد القوات البحرية متن إحدى السفن، وقُتل أو جرح عدد كبير من ركاب السفينة وطاقمها.
واتهم دانى أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلى الحملة بأنها محاولة لاستفزاز الإسرائيليين فقط. وقد تمثلت القضية فى ذلك تحديدا. إذ قصد من الحملة إظهار أن الإسرائيليين غير عقلانيين ومتوحشين. وتعلق الأمل على أن إسرائيل سوف تُجَر إلى تصرفات متطرفة، تزيد من عزلة إسرائيل عن المجتمع العالمى، وربما تؤدى إلى وقيعة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وكان مخططو العملية يأملون أيضا فى أن يثير ذلك أزمة سياسية فى إسرائيل.
كان ينبغى أن يتمثل رد الفعل المنطقى لإسرائيل فى تجنب الوقوع فى فخ التحدى وتحمُل التداعيات السياسية التى تحاول المنظمة غير الحكومية إثارتها. وبدلا من ذلك، قرر الإسرائيليون القيام باستعراض للقوة. ويبدو أن الإسرائيليين عللوا ذلك بأن التراجع سوف يظهر الضعف ويشجع مزيدا من الأساطيل المتجهة إلى غزة، كاشفا الوضع الإسرائيلى أمام حماس. وبناء على هذا التفكير، كان الاعتراض العنيف أفضل استراتيجية يمكن تبنيها بصرف النظر عن النتائج السياسية. وهكذا، التقط الإسرائيليون الطعم وتم استفزازهم.

سيناريو «الخروج»
فى الخمسينيات، نشر مؤلف اسمه ليون أوريس كتابا بعنوان «الخروج.» ويحكى «الخروج»، الذى تحول فيما بعد إلى فيلم، قصة التحدى الصهيونى ضد بريطانيا. ففى أعقاب الحرب العالمية الثانية، حدت بريطانيا التى كانت تسيطر على فلسطين، كما كانت تعرف حينها من الهجرة اليهودية إلى هناك. وعندما كان يقبض على مهاجرين يحاولون التسلل خلال القيود الموضوعة، كان يتم احتجازهم بمعسكرات فى قبرص.
وفى الكتاب والفيلم، قصد الصهاينة إلى ممارسة دعاية تتضمن أن يندفع اليهود ومعظمهم أطفال من المعسكر، ثم يركبون حينها سفينة أعيد تسميتها ب«الخروج». وإذا اعترضت البحرية الملكية السفينة، سوف يعلن الركاب إضرابا عن الطعام. وكان الهدف تصوير البريطانيين على أنهم متوحشون يتمُّون ما قام به النازى. وسوف تجبر بريطانيا من خلال صورة أطفال يحتمل موتهم جوعا على السماح للسفينة بالذهاب إلى فلسطين وإعادة النظر فى سياسة بريطانيا حول الهجرة، وفى نهاية المطاف اتخاذ قرار التخلى عن فلسطين وتحويل الأمر إلى الأمم المتحدة.
وقد وجدت فى الحقيقة سفينة تسمى «الخروج»، ولكن الأمر لم يمض تحديدا كما صوره أوريس، الذى استخدم مزيجا من الأحداث لنشر حرب الدعاية التى يشنها اليهود. وكان لدى الذين نفذوا هذه الحرب سببان: تمثل الأول فى خلق تعاطف داخل بريطانيا وأنحاء العالم المختلفة مع اليهود الذين يقبض عليهم فى المعسكرات البريطانية، بعد عامين فقط من معسكرات الاعتقال الألمانية. ثانيا: سعوا إلى تصوير كفاحهم على أنه ضد البريطانيين؛ إذ صور الفيلم البريطانيين على أنهم يواصلون سياسة النازى تجاه اليهود من أجل الحفاظ على إمبراطوريتهم. كما صور اليهود على أنهم مناهضون للإمبريالية، يحاربون البريطانيين كما يفعل الأمريكيون.
وعلى هذا النحو، تمكنت قدرة الصهاينة على تشكيل التصورات العامة العالمية لما كان يحدث فى فلسطين من أجل التشهير ببريطانيا وتحويل مشكلة فلسطين إلى قضية بين اليهود وبريطانيا من صياغة القرارات السياسية لعدد كبير من الحكومات. وليس المهم هو مدى صدق أو زيف الخطاب. بل المهم هو القدرة على تحديد الضحية والجلاد، وقد دفع ذلك الرأى العام العالمى كلا من لندن والحكومات التى لا ترتبط مباشرة بالقضية إلى تبنى مواقف مواتية للصهاينة. ومن الضرورى أن ننظر إلى الاسطول التركى فى هذا السياق.

الأسطول التركى إلى غزة
طالما قال الفلسطينيون إنهم ضحايا إسرائيل، صنيعة الإمبريالية البريطانية والأمريكية. ومنذ عام 1967، لم يركزوا على وجود دولة إسرائيل (على الأقل فى الرسائل الموجهة إلى الغرب) قدر تركيزهم على قمع الفلسطينيين فى المناطق المحتلة. ومنذ الانفصال بين حماس وفتح وحرب غزة، صار التركيز على محنة مواطنى غزة، الذين تم تصويرهم على أنهم ضحايا لا حول لهم للعنف الإسرائيلى.
كانت محاولة صياغة التصورات العالمية من خلال تصوير الفلسطينيين على أنهم ضحايا لإسرائيل الشق الأول من حملة طويلة المدى مكونة من شقين. وارتبط الشق الثانى لهذه الحملة بالمقاومة المسلحة ضد الإسرائيليين. غير أن الأسلوب الذى كانت تتم به هذه المقاومة، بدءا من خاطفى الطائرات، إلى الأطفال الذين يلقون الحجارة، إلى الانتحاريين، تعارض مع الشق الأول للحملة. واستطاع الإسرائيليون الإشارة إلى العمليات الانتحارية أو استخدام الأطفال ضد الجنود باعتباره رمزا لوحشية الفلسطينيين.
كان الأسطول التركى يهدف إلى تكرار قصة الخروج، أو بمزيد من الدقة، إلى تحديد صورة إسرائيل على النحو نفسه الذى حدد به الصهاينة الصورة التى أرادوا إبرازها. ومثلما كان الأمر بالنسبة لتصوير الصهاينة للوضع فى 1947، فإن وضع غزة أكثر تعقيدا بكثير مما صوره الفلسطينيون. كما أن المشكلة الأخلاقية أكثر غموضا بكثير أيضا. ولكن على نحو ما حدث عام 1947، حيث لم يكن التصوير الصهيونى مقصودا به أن يكون تحليلا دراسيا حول الوضع، ولكنه سلاح سياسى يقصد به تحديد التصورات، فلم يكن الأسطول التركى مقصودا به أن يحمل امتحانا أخلاقيا.
وبدلا من ذلك، كان القصد من الأسطول الوصول إلى نهايتين: الأولى، من أجل انقسام إسرائيل والحكومات الغربية عبر تحويل الرأى العام ضد إسرائيل. والثانى، خلق أزمة سياسية داخل إسرائيل بين الذين يشعرون بخطورة عزلة إسرائيل المتزايدة بشأن قضية غزة فى مقابل الذين يعتقدون فى خطورة أى ضعف أو تحلل.

التداعيات الجيوبوليتيكية بالنسبة لإسرائيل
إنه لأمر مهم أن تنجح إسرائيل فى تصوير القافلة على أنها مؤامرة من جانب المتطرفين. وسواء أكانت هذه المؤامرة من تدبير المتطرفين أم لا، فقد صنعت صورة لإسرائيل تضر بمصلحتها السياسية، حيث أصبح هذا البلد أكثر عزلة على الصعيد الدولى، كما باتت علاقاته مع أوروبا والولايات المتحدة تقع تحت ضغوط كبيرة.
لدى السياسيين فى كل هذه البلدان حساسية شديدة إزاء الرأى العام. ومن الصعب أن نتخيل كيف يمكن للرأى العام الأوروبى أن يرى إسرائيل باعتبارها ضحية. ومن المرجح أن يكون رد الفعل السائد من جانب الرأى العام الغربى هو أنه ربما كان على الإسرائيليين السماح للسفن بالذهاب إلى غزة وإفراغ حمولتها، بدلا من إراقة الدماء. وسوف يؤجج أعداء إسرائيل هذه النيران عبر القول بأن إسرائيل تفضل إراقة الدماء بدلا من التصرف العقلانى. وفى ظل تحول الرأى العام الغربى نحو العداء لإسرائيل، سوف يسير القادة السياسيون الغربيون فى اتجاه هذا التحول.
يقوض هذا الحادث كذلك علاقات إسرائيل بتركيا التى مثلت حليفا تاريخيّا من العالم الإسلامى ينخرط فى تعاون عسكرى معها منذ زمن طويل. ولا شك أن الحكومة التركية كانت تريد النأى عن هذه العلاقة، لكنها واجهت مقاومة من المؤسسة العسكرية والعلمانيين. لكن الإجراء الإسرائيلى الأخير يجعل القطيعة مع إسرائيل سهلة، وبل وضرورية إلى حد كبير بالنسبة لأنقرة.
وحيث إن عدد سكان إسرائيل يساوى تقريبا عدد سكان مدينة هيوستن فى تكساس، فإنها ليست دولة كبيرة إلى الحد الذى يجعلها قادرة على تحمل عزلة طويلة الأجل، وهو ما يشير إلى أن هذا الحدث سوف يؤدى إلى تبعات جيوبوليتيكية عميقة.
يصبح الرأى العام مهما عندما يتعلق الأمر بقضايا لا تمثل مصلحة أساسية بالنسبة للدولة. ولا تمثل إسرائيل مصلحة أساسية بالنسبة للدول الأخرى. ومن ثم، فإن وجود رأى عام خارجى كاره لهذا البلد يمكن أن يعيد تشكيل علاقاته مع الدول التى يعتبرها مهمة. فعلى سبيل المثال، سوف يكون تأثير إعادة تعريف العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على أمريكا أقل بكثير منه على إسرائيل. وربما تجد إدارة أوباما المستاءة من إسرائيل من الأساس أن التحول فى توجهات الرأى العام الأمريكى يفتح الباب أمام نمط جديد من العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أقل نفعا لإسرائيل.
وسوف يقول الإسرائيليون إن ذلك ليس عدلا، لأنهم تعرضوا للاستفزاز. فكشأن البريطانيين، يرى الإسرائيليون أن الأمر المهم هو امتلاك المنطق الصحيح. لكن المسألة فى الواقع تتعلق بمن الذى سوف يصغى إلى المنطق الذى يطرحه. وكما هو الحال مع معارك الدبابات أو الضربات الجوية، ليس الأمر المهم هو العدالة، بل من الذى يسيطر على تصورات الرأى العام، ويستخدم هذه التصورات فى تشكيل سياسته الخارجية مع العالم. وفى الحالة الراهنة، سوف تكون القضية الأساسية هى هل كان من الضرورى وقوع قتلى. وسوف تُحدِث المقولة الإسرائيلية حول تعرضها للاستفزاز أثرا محدودا.
على الصعيد الدولى، ليس هناك من شك فى أن الحادث سوف يولد عاصفة. وسوف تقطع تركيا بالتأكيد أواصر التعاون مع إسرائيل. كما سيصبح الرأى العام فى أوروبا أكثر تصلبا فى موقفه ضد هذا البلد. أما الرأى العام الأمريكى وهو الأكثر أهمية فى هذه المعادلة فقد يتحول إلى اتخاذ موقف يقوم على الاستياء من كلا الطرفين.
وبالرغم من أنه يمكن التنبؤ برد الفعل الدولى، فإن الأمر المثير للاهتمام هو ما إذا كان هذا التطور سيمثل أزمة سياسية فى إسرائيل أم لا. لقد أصبحت الغلبة فى إسرائيل الآن لمن يرون أن العزلة الدولية أفضل من التوافق مع الفلسطينيين، بينما يرى كثيرون فى المعارضة الإسرائيلية فى عزلة إسرائيل تهديدا إستراتيجيا، ويقولون إنه من الناحية الاقتصادية والعسكرية لا يمكن لها أن تحيا فى ظل العزلة. وسوف يرد النظام الحاكم الحالى بأنه لن تكون هناك عزلة. لكن قافلة المساعدات استهدفت إثبات ما تريد أن تنفيه الحكومة الإسرائيلية.
وكلما زادت تشدد إسرائيل كانت السيطرة للخطاب الذى تطرحه القافلة أكبر. وكما تَعَلَم الصهاينة فى 1947، وكما يتعلم الفلسطينيون الآن، تتطلب السيطرة على الرأى العام ذكاء وخطابا يتم انتقاؤه بعناية. ويعلم الإسرائيليون والفلسطينيون أن خسارة المعركة يمكن أن تمثل كارثة. فقد كلفت هذه الخسارة بريطانيا انتدابها على فلسطين، وسمحت لإسرائيل بالحياة. ويقوم أعداء إسرائيل الآن بقلب الأوضاع لمصلحتهم.
وتُعتَبر المناورة الأخيرة أكثر قدرة من العمليات الانتحارية أو الانتفاضة على تحدى التصور السائد لدى الرأى العام إزاء إسرائيل، ومن ثم تحدى وضعها الجيوبوليتيكى (لكن إذا عاد الفلسطينيون إلى تكتيكاتهم الكريهة على غرار العمليات الانتحارية، فسوف تضعف قدرة تركيا على تصوير إسرائيل باعتبارها الطرف البادئ بالعنف).
والآن تجد إسرائيل نفسها فى وضع غريب عليها، لا تعرف كيف يجب أن تتصرف فيه. وليس من الواضح أن الفلسطينيين يدركون كيفية الاستفادة المثلى من هذا الموقف. لكن حتى إذا كان الأمر كذلك، فقد أصبحت المعركة تقع على أرض جديدة، أكثر سيولة وقدرة السيطرة عليها أقل، مقارنة بما كان عليه الحال فى الماضى. وسوف يُنظَر إلى التهديدات الإسرائيلية ضد إيران فى سياق مختلف، وسوف يصبح العالم أقل اقتناعا بالطريقة التى تصور بها إسرائيل إيران.
وسوف يسبب ذلك أزمة سياسية بالنسبة لإسرائيل. وإذا استطاعت الحكومة الحالية البقاء فى الحكم، فسوف تصبح إسرائيل رهينة مسار يمنحها حرية الفعل، لكن فى ظل عزلة دولية. وإذا سقطت هذه الحكومة، فسوف تدخل إسرائيل حالة من عدم اليقين على الصعيد الداخلى. وفى كلتا الحالتين، فقد حققت قافلة المساعدات هدفها الإستراتيجى، عندما جعلت إسرائيل تتبع نهجا عنيفا تجاهها. وعندما اتبعت إسرائيل هذا النهج وجدت نفسها فى مواجهة قوتها الذاتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.