للمهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى ورئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب، ورجل الأعمال المعروف نظرية جديدة فى عالم الاقتصاد الحديث، مفادها أنه طالما أن المواطن المصرى يملك تليفونا محمولا، أو يركب سيارة، أو كان أمام منزله «صفيحة زبالة»، فمعنى ذلك أن الحالة الاقتصادية للوطن بأكمله تتحسن. رغم غرابة النظرية، فهناك من صدقها، وكدت شخصيا أن أقع فى حبالها أو حبائلها، لكن إيمانى بهذه النظرية تضعضع كثيرا صباح الأربعاء الماضى وأنا أطالع قصة وصور عمرو مرسى عبداللطيف شانقا نفسه بحبل يتدلى من كوبرى قصر النيل فى قلب القاهرة. السبب أن هذا الشاب المصرى البالغ من العمر 31 عاما لديه جهاز موبايل، كما أن أمام شقة أسرته فى ميت عقبة بالتأكيد صفيحة قمامة.ورغم أنه يمتلك عنصرين من العناصر التى حددها المهندس أحمد عز لكى يدخل فى عالم المستفيدين من النمو، فقد ارتكب أبشع فعل يمكن للإنسان أن يعاقب به نفسه، وهو الانتحار. هذا الشاب المتعطل عن العمل الذى عمل سائقا لفترات لم يكن فى جيبه عندما انتحر سوى الموبايل ومبلغ سبعة جنيهات ونصف الجنيه، إضافة إلى خطاب موجه إلى حبيبته، يعتذر فيه عن عدم قدرته على توفير مستلزمات الفرح، وأن حالته المالية لا تسمح له بالاقتران بها، ولذلك فإن حياته لم يعد لها معنى من دونها. ومع فارق القياس، سنتذكر جميعا حالة عبدالحميد شتا خريج الاقتصاد والعلوم السياسية ابن قرية الفرماوى بمحافظة الدقهلية الذى انتحر بإلقاء نفسه فى النيل فى 29 يوليو عام 2003 لأن جهاز التمثيل التجارى بوزارة الخارجية رفض قبوله رغم نبوغه وتفوقه بحجة أنه غير لائق اجتماعيا.الانتحار غير مقبول لا اجتماعيا ولا دينيا ولا أخلاقيا، لكن الأهم الآن أن ندرك أن «أوضاعنا غير اللائقة» فى سائر المجالات صارت تدفع كثيرا من أبناء هذا الوطن للتخلص من حياتهم، دون أن يخشوا العذاب فى الآخرة. قد يخرج علينا مسئول فى لجنة السياسات أو خبير نفسى وعالم اجتماعى «مضروب» ليقول لنا إن حالة عمرو مرسى فردية أو إنه مضطرب نفسيا، وقد يكون كل ذلك صحيحا، لكن الأصح أننا بصدد أوضاع تفرز كل يوم المزيد من حالات عبدالحميد وعمرو. ويا أصحاب نظريات الاقتصاد الحديثة، كل المواطنين يملكون موبايلات، لأن سعره صار رخيصا ولم يعد المواطن مشغولا بالشحن، كما أن صفيحة الزبالة ليست مقياسا لأنها قد تكون مملوءة ببقايا ورق صحف «لزوم لف سندويتش الفول والطعمية». كثيرون علقوا فى المنتديات الإلكترونية على خبر شنق عمرو مرسى لنفسه ولاموه على فعله، وتوعدوه بالنار فى الآخرة، لكن من بين أهم التعليقات ما قرأته على موقع «اليوم السابع» عندما تساءل مواطن: «متى نرى أحدا من المسئولين عن كوارثنا ينتحر!». ويا أيها القارئ: «الانتحار حرام.. يكفى استقالته!».