على طريقة الرئيس الراحل أنور السادات عندما بشر المصريين بعام الرخاء.. قال وزير التنمية الاقتصادية د.عثمان محمد عثمان إن الحكومة تستهدف القضاء على الفقر عام 2015. وعد د.عثمان مجرد كلام فى الهواء، لأنه فى أغلب الظن لا الدكتور عثمان ولا رئيس حكومته نفسه ومعظم الوزراء سيكونون موجودين فى الحكم عام 2015. الدكتور عثمان كان يساريا متحمسا فى الثمانينيات مؤمنا بالتخطيط والتوجيه ودور الدولة فى الاقتصاد، ثم صار عضوا فى حكومة تطبق أحيانا سياسات أقرب إلى «النيوليبرالية» أو الرأسمالية المتوحشة. من حق د.عثمان أن يتحول فكريا وسياسيا كما يشاء، لكن ليس من حقه أن يمارس «الألاعيب اللفظية» فى جدله مع المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بشأن هل زاد عدد الفقراء أم نقصوا. نسبة النمو مؤشر مهم ورئيسى لأى اقتصاد طبيعى، وبالتالى فعندما تحقق الصين معدلات نمو تتراوح بين 10 و13٪ فى السنوات الأخيرة فإن ذلك ينعكس آليا ليحولها إلى واحدة من أهم اقتصاديات العالم. لكن فى بلد مثل مصر فإن أرقام الوزراء والمسئولين تحدثنا عن نسبة نمو تتراوح بين 5 و8٪ سنويا، لكن ذلك انعكس سلبا بزيادة عدد الفقراء وليس العكس. الدكتور عثمان يصر على أن عدد الفقراء انخفضوا لأن نسبة النمو العام زادت، والمهندس أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة لديه اقتناع راسخ بأن زيادة عدد مبيعات السيارات الخاصة يعنى آليا أن الحياة صارت «بمبى» وعلى الصحف المغرضة أن تتوقف عن أسطوانة الفقر والفقراء، أما ناظر المدرسة د.أحمد نظيف فمنذ زمن بعيد يرى أنه طالما أن التكنولوجيا تنتشر والإنترنت يتوسع، فمعنى ذلك أننا لا نختلف فى شىء عن السويد والدانمارك. ولأن العشوائية هى المتحكم الرئيسى فى كل حياتنا فيصعب أن نعثر على رقم واحد لعدد الفقراء فى مصر، وبالتالى فمعظم ما ينشر هو مجرد اجتهادات، لكن هناك مؤشرات أخرى مثل الدخول فعدد المصريين الذين يعيشون على دخل شهرى أقل من 164 جنيها شهريا يبلغ 20٪، وهناك مبالغات تصل إلى أن أكثر من نصف عدد السكان ينطبق عليهم مصطلح فقير. والمستشار الملط نفسه تحدث فى مجلس الشعب عن نسبة الفقراء من 20 إلى 23٪، فى حين أن د.عثمان يقول إنها انخفضت إلى 18٪. «اللعب بالأرقام» سياسة حكومية مصرية مستمرة منذ أقسم الراحل د.عبدالرازق عبدالمجيد بالطلاق وبرحمة أمه أن الميزانية بها فائض فى نهاية السبعينيات، ثم طور د.الجنزورى الأمر فى استخدام الرقم الواحد أكثر من مرة. الفقراء فى مصر لا يشغلهم كم تبلغ نسبة النمو، وهل زاد العجز أم حدث انكماش، ولا يشغله الميزان التجارى، بل يشغله عجزه الشخصى عن تلبيته احتياجات أسرته، وأن يملك مالا كى يرى الميزان الحقيقى عند البقال والسوبر ماركت. المنطق الذى تتحدث به الحكومة معظم الوقت وعبر عنه ببراعة د.عثمان محمد عثمان يوم الاثنين الماضى يشبه ذلك الطبيب الذى تباهى بنجاح العملية رغم أن المريض الذى هو المواطن قد مات، ورغم أن المستشفى التى هى الوطن تكاد تنهار، ولا يبقى غير الطبيب الذى هو للأسف فى هذه الحالة الوزير نفسه!