الحبس شهر وغرامة 100 ألف جنيه عقوبة دخول المناطق الأثرية بدون ترخيص    نبيل فهمي: لا أحمل حماس كل تداعيات أحداث 7 أكتوبر.. الاحتلال مستمر منذ أكثر من 70 عاما    تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية.. وهجوم على قرية "برقا"    ترامب: تحالفنا العسكري مع كوريا الجنوبية أقوى من أي وقت مضى    بعد أحداث العنف في ريو دي جانيرو | مسؤول برازيلي: فعاليات "كوب30" ستكون آمنة    غرفة عمليات حزب المؤتمر تواصل جلسات الاستراتيجيات الانتخابية    رئيس حزب الإصلاح والنهضة: الحوار الوطني منحنا فرصة لترسيخ قيم الإصلاح والتطوير    أسعار الذهب فى أسيوط الخميس 30102025    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في أسيوط    أخبار × 24 ساعة.. مدبولى: افتتاح المتحف المصرى الكبير يناسب مكانة مصر    الشرقية تتزين بالأعلام واللافتات استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    ارتفاع الأخضر عالميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الخميس بغد قرار الفيدرالي    إطلاق المرحلة الجديدة من برنامج الشبكات العلمية القومية    رسميًا.. أسعار استخراج جواز سفر مستعجل 2025 بعد قرار زيادة الرسوم الأخير (تفاصيل)    مطروح تستعد ل فصل الشتاء ب 86 مخرا للسيول    جامعة المنيا: فوز فريق بحثي بكلية الصيدلة بمشروع بحثي ممول من الاتحاد الأوروبي    نبيل فهمي: ترامب أحد أعراض التحول الأمريكي.. وأؤيده في شيء واحد    وزيرة الخارجية البريطانية: العالم سيحاسب قيادة قوات الدعم السريع على الجرائم التي ارتكبتها بالسودان    السفارة الروسية في مالي تنفي التوصية بمغادرة البلاد    إسرائيل تصادق على بناء 1300 وحدة استيطانية جنوب القدس    القضاء الإسرائيلى يلزم نتنياهو بتقديم شهادته 4 أيام أسبوعيا بسبب الفساد    بالصور.. تكريم أبطال جودة الخدمة الصحية بسوهاج بعد اعتماد وحدات الرعاية الأولية من GAHAR    مرموش يسجل هدف مانشستر سيتي الثاني أمام سوانزي سيتي في كأس كاراباو    حارس بتروجت: كنا نطمع في الفوز على الأهلي    الزمالك يسعى للعودة إلى الانتصارات أمام «طموح» البنك الأهلي    ستاد المحور: مصطفى العش يقترب من الرحيل عن الأهلي في يناير المقبل    رياضة ½ الليل| استبعاد صلاح.. إنذارات بعد الماتش.. الغيابات تضرب الزمالك.. والأهلي يقع بالفخ    مصطفى فتحي يغيب عن قائمة بيراميدز أمام التأمين الإثيوبي    5 ساعات حذِرة.. بيان مهم ل الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم: ترقبوا الطرق    مدمن يشعل النار فى شقته بالفيوم.. والزوجة والأبناء ينجون بأعجوبة    من تأمين المصنع إلى الإتجار بالمخدرات.. 10 سنوات خلف القضبان لاتجاره في السموم والسلاح بشبرا    النيابة الإدارية تُعاين موقع حريق مخبز بمنطقة الشيخ هارون بمدينة أسوان    متهمين جدد.. تطور جديد في واقعة قتل أطفال اللبيني ووالدتهم    حملات في ميادين قنا تضبط 260 حالة زيادة تعريفة الركوب و299 امتناع عن توصيل الركاب    عاطل يشعل النار في مسكن أسرته بالفيوم بسبب المخدرات    حملات مرورية مكثفة في قنا تضبط مئات المخالفات خلال الأيام الأخيرة    خالد الصاوى بالزى الفرعونى تزامنا مع احتفالات افتتاح المتحف المصرى الكبير    خلافات في العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 أكتوبر    زينة تطمئن جمهورها بعد إصابتها: «وقعت على نصي الشمال كله» (فيديو)    3 أبراج «بيسمعوا صوتهم الداخلي».. واثقون في بصيرتهم وحدسهم يرشدهم دائمًا    المالية: حققنا 20 إصلاحا فى مجال التسهيلات الضريبية    خبير ل ستوديو إكسترا: كل الحضارات المصرية مجسدة فى المتحف الكبير    المؤشر العالمي للفتوى يشارك في مؤتمر المجتمع المدني والشباب العربي بجامعة الدول العربية    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الخميس 30102025    ختام البرنامج التدريبي بجامعة المنيا لتعزيز معايير الرعاية المتمركزة حول المريض    سوهاج تكرّم 400 من الكوادر الطبية والإدارية تقديرًا لجهودهم    أهمية المنصة الوطنية للسياحة الصحية.. يكشفها المتحدث باسم الصحة ل "ستوديو إكسترا"    جولة تفقدية لمتابعة انتظام الخدمات بالقومسيون مستشفى العريش العام    «العامة للاعتماد والرقابة الصحية» تختتم برنامج تأهيل المنيا للانضمام للتأمين الصحي الشامل    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    اختتام دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بمطروح حول الإدارة المستدامة للمياه والتربة بمشاركة دولية    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    محاكمة صحفية لوزير الحربية    باريس سان جيرمان في اختبار سهل أمام لوريان بالدوري الفرنسي.. بث مباشر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام العودة إلى التلمذة
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 07 - 2025

أعتقد أننى كنت بين أوائل الذين تفهموا رد فعل شعب كندا على ما خصهم من دبلوماسية الهزل والاستخفاف التى يمارسها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. بدون شك أساء لنفسه ولكن الأهم أنه أضاف مادة جديدة إلى معلومات الذين يتابعون بكثير من القلق المسيرة الانحدارية لسمعة الولايات المتحدة ومكانتها. تفهمت رد فعل شعب كندا الغاضب والمشبع بمهانة شديدة على اقتراح الرئيس الأمريكى ضم أو انضمام كندا كولاية إضافية إلى الخمسين ولاية أمريكية.
• • •
تفهمت رد الفعل فقد عشت هناك تلميذا ناضجا اختلط بتلاميذ آخرين ومدرسين أغلبهم تستشيرهم الدولة قبل اتخاذ قراراتها، يتنقلون دوما بين حرم الجامعة فى قلب مدينة مونتريال ومقار أجهزة السياسة والحكم فى قلب العاصمة أوتاوا. أتذكر أننا كثيرا ما ناقشنا فى صف نظريات صنع القرار مشروعات قرار أخذت طريقها فعلا إلى برلمان الدولة أو إلى إدارات التنفيذ.
• • •
كنت فى ذلك الحين الطالب الثانى فى ترتيب الطلاب الأكبر عمرا. يكبرنى ويتقدمنى فى الترتيب إعلامى كبير فى قناة تلفزيونية شهيرة. كثيرا ما أثار الوضع عندى شجونا وتأملات. إذ كنت دائما منذ المرحلة الابتدائية وحتى شهادة التخرج من الجامعة المصرية التلميذ الأصغر سنا. كنت أيضا واحدا من ثلاثة، لم يبلغ أى منهم سن الرشد، مرشحين للتعيين ملحقين دبلوماسيين فى الدفعة الأكبر عددا حتى ذلك الحين (ثمانية وأربعون مرشحا). عينت وعمرى يتجاوز الحادية وعشرين بأيام معدودة واستلمت عملى بسفارة مصر فى نيودلهى وقد تجاوزت الحادية وعشرين بخمسة شهور. فى الحالتين، حالة صغر السن وحالة كبره، أظن أننى حصلت على مكانة متميزة بين الزملاء من التلاميذ بنينا وبنات ومعاملة أكثر حرصا وانتباها من المعلمين والأساتذة.
• • •
كان من حسن حظى، وهو الحظ الذى لم يفارقنى فى كل تلك الأوقات، أننى ومنذ اليوم التالى لانضمامى إلى كلية الدراسات العليا فى علوم السياسة فى جامعة ماكجيل فى مونتريال أننى زاملت ثم صادقت صداقة حميمة، الشاب على الدسوقى، الطالب المجتهد ثم المدرس والأستاذ وشريكى فى مركز غير حكومى لدراسات المستقبل ثم المفكر والكاتب المشارك فى كتابنا عن النظام الإقليمى العربى.
• • •
ومن حظى الطيب أننى حصلت على تجربة لا تتكرر عن دراسة نظريات صنع القرار السياسى على يد أستاذ مبتكر لإحدى هذه النظريات وقد طبقناها معا على دراستى عن صنع قرار الحرب فى مصر فى عام 1967. حصلت أيضا على فهم أعمق للنظام السياسى الصينى. كانت متعة لا تعادلها متعة تطبيق ما علمنى إياه الأستاذ الرومانى الجنسية «سام نوموف» عن أصول ونشأة الشيوعية الماوية وعن نظرية الحرب الدائمة وضرورتها لحكم نظيف ومثمر وإن غير مستقر. علمنى أيضا وعلى امتداد السنوات الثلاثة الأستاذ الهندى (نايار) أن لا تقدم حدث أو تطوير وقع فى أى دولة لم يكن وراءه غرض هو الأسمى والأخطر وأقصد علاقته المباشرة بالأمن القومى للوطن. الأمن القومى كان، حسب رأيه، وراء معظم الثورات الكبرى فى كلا العالمين المتقدم والناهض ولولا التهديد المباشر له ما حدث التقدم ولا وقع التطوير.
• • •
أيام التلمذة المتجددة صقلت عندى مواهب كانت مدفونة ربما لم ينتبه لها المدرسون العظام فى سنوات تلمذتى المبكرة. اعتمدت ولا شك على مخزون هائل من تجارب عملية فى الهند والصين وإيطاليا وشيلى والأرجنتين. عشت فى كل هذه البلاد أتمنى لو كانت الدولة المصرية سمحت لى بالاستفادة من منحة دراسية منحتها لى جامعة كولومبيا وأنا حديث الوصول للهند. كم كنت استفدت واستفادت الدولة لو سبقت الدراسة العليا تعيينى بالخارج. ومع ذلك كم كنت سعيدا وأنا أتطوع فى قاعة الدرس بتقديم أمثلة واقعية وعملية على ما يتاح لنا معرفته من نظريات سياسية وبخاصة فى مجالات التنمية وصنع القرار والنزاعات الدولية، نشوبها كما تسويتها.
• • •
نعم عدت تلميذا وإن أكبر عمرا. وجدت الوقت لأشارك فى بعض أو أكثر اجتماعات منظمة الطلبة العرب وأغلبها كان فى الولايات المتحدة. نجومها المصريون فى ذلك الحين سعد الدين إبراهيم وأسامة الباز وعلى الدسوقى (على الدين هلال) وكمال الإبراشى. وجدت وقتا آخر لأقضيه فى صحبة مجموعات «هيبية»، هؤلاء الذين ارتدوا بلا خجل البنطلونات الجينز وأطالوا شعورهم وأظافرهم وناقشوا أمورا بفجاجة ورغم ذلك حافظوا قدر الإمكان على عدم إيذاء مشاعر الغير، ونشروا فكر وممارسات التعامل السلمى فى النزاعات. قدمنى إلى مجموعة منهم شاب من بورما نجل سيدة عظيمة المكانة فى بلده، تمرد عليهما.
• • •
كانت فترة غنية بالعلاقات والتجارب الحياتية. حملت معى من الأرجنتين رقم هاتف مصرى مغترب صادرت حكومتنا أمواله وممتلكاته فراح يعيش فى كندا معلما، أما خاله فلم يجد لنفسه عملا، وقد تقدم به العمر وزادت حاجته إلى المال، إلا حارسا ليليا لأحد الجراجات الكبرى فى المدينة. كنا زوجتى وأنا، ندعوه لتناول وجبة ساخنة بين الحين والآخر. بالمناسبة وفى يوم تخرجى وجهت الدعوة لزوجتى والطفلين سامر ونسرين لتناول عشاءا فاخرا فى مطعم ذاعت شهرته فى صنع وشواء اللحم. كانت ليلة عاش الطفلان يتذكرانها لسنوات غير قليلة. عاش الطفلان ضمن أسرة حرمت على نفسها خلال سنوات الدراسة تناول اللحم المشوى فى المحال العامة تقشفا وحافزا. حدث هذا بالرغم من أن الجامعة كانت قد خصصت لى مكافأة مالية قدرها مائة دولار نظير تدريس مادة الشرق الأوسط لطلاب المرحلة الأولية فى برنامج العلوم السياسية.
• • •
أيام بمشقاتها وإنجازاتها متعة. أتذوق إلى يومنا هذا متعتها بمقارنات أجريها مع أيام أخرى اخترت العيش فيها أو فرضها الواجب. أظن أننى ربما أحسنت توظيف أيامى حتى صارت فى مجملها حسب نظرتى إليها سلسلة من متع تتخللها حلقات قليلة بل ونادرة تأتى مغلفة بمشاق أو بمرض طارئ أو بمشكلات عمل أغلبها تافه أو تأتى كعثرات طفل بدأ يمشى وفى أثرها يحتار بين أن يبكى أو يضحك. أما أكثر حلقاتها فحلقات تأتى معلبة بعلب كعلب الفرح وهدايا الأحباب، أو تأتى دافئة كأحضان الشوق وشعر نزار، أو تأتى فائرة أو ثائرة كما فى أحلام خطيب ومخطوبته، أو تأتى ناعمة نعومة كلمات العاشقة إنجريد برجمان فى فيلم كازابلانكا الذى عرض لأول مرة خلال الحرب العالمية وترك علامات صمدت إلى يومى هذا.
هى الحياة، أليس كذلك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.