20 مرشحًا لحزب العدل في انتخابات الشيوخ    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 دبلوم سياحة وفنادق.. الكليات والمعاهد المتاحة كاملة    أعشق مصر مهما حدث.. خلف الحبتور: أشكر الحكومة على توضيح ما نُشر حول أرض الساحل الشمالي    أول تحرك برلماني بعد حريق محطتي محولات العاشر من رمضان والورديان    ارتفاع في أسعار البن بالبرازيل عقب تهديد ل ترامب.. ماذا حدث؟    ڤودافون مصر تُعوض عملاءها ب5 جيجابايت بعد حريق سنترال رمسيس    «تشديد العقوبات».. ماكرون وستارمر يضعان بوتين أمام اختبار صعب    إسرائيل تغتال قائد مدفعية "حزب الله" في جنوب لبنان    الحوثيون: استهدفنا إسرائيل بصواريخ باليستية ونواصل منع الملاحة نحو إيلات    محو ألفى عام من التاريخ.. المسيحيون يختفون من سوريا بعد فرار الغالبية من البلاد    فليك يصدم شتيجن بقرار مفاجئ    منتخب مصر للهوكي يتوج ببطولة الأمم الدولية الودية بعد الفوز على عمان    رسالة شديدة اللهجة من إمام عاشور لمسؤولي الأهلي بسبب زيزو وتريزيجيه.. شلبي يكشف    سعرها نصف مليار جنيه وتحتوي على «ساونا وسينما».. قصة فيلا محمد صلاح الفاخرة في تركيا    ضبط 25 جوال دقيق بلدي مدعم بحملة تموينية بالعريش    وزارة التضامن: صرف 100 ألف جنيه لأسرة كل ضحية ب «حريق السنترال» و25 ألفًا لكل مصاب    «هيوحشنى جدا انك تطمن عليا».. نانسي صلاح تنعى خطيبها السابق سامح عبدالعزيز بكلمات مؤثرة    بينها «موقع ودير أبومينا».. «اليونسكو» تسحب 3 مواقع من قائمة الآثار المعرضة للخطر (صور)    بعد فوزها بلقب إكس فاكتور.. حنين الشاطر تطرح أول ألبوماتها بعنوان "بياع كلام"    بين الذكاء الحاد والرغبة في لفت الأنظار.. 5 أبراج تحب إثارة الجدل    مهرجان جرش وتعظيم الدور الثقافيّ…!    خالد الجندي: بشاشة الوجه والضحك سُنة نبوية    إطلاق الدليل التدريبي لمبادرة "دوي" الوطنية بطريقة برايل    مبادرات تثقيفية للأطفال بجناح الأزهر في معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب (صور)    إمام عاشور يلوّح بعروض خليجية ويطلب المساواة بزيزو وتريزيجيه    ما حكم إفشاء الأسرار الزوجية؟.. أمين الفتوى يجيب    انتبه- 5 علامات مبكرة تكشف عن وجود ورم في معدتك    تعزز صحة الكبد- 3 توابل أضفها إلى طعامك    مباحثات مصرية كندية للتعاون بمجال تطوير عمليات البحث والتنقيب عن البترول والغاز    «الصحة» تنظم حملة لفحص الأمراض المزمنة والكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي    ضبط مصنع غير مرخص لتصنيع أجهزة بوتاجاز باستخدام خامات غير معتمدة ببني سويف    شيكابالا يوجه رسالة دعم لإبراهيم سعيد: "لا شماتة في الأزمات"    وزير قطاع الأعمال العام يستقبل رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لبحث تعزيز التعاون المشترك    آرسنال يضم الدنماركي كريستيان نورجارد كصفقة ثالثة في الميركاتو الصيفي    تعليم البحيرة تعلن بدء المرحلة الأولى لتنسيق القبول بمدارس التعليم الثانوي الفني    مصرع سيدة وإصابة 6 آخرون إثر سقوط سيارة فى ترعة بالمنوفية    الأمن الاقتصادي: ضبط 5600 قضية في حملات موسعة خلال 24 ساعة (تفاصيل)    رئيس الوزراء يفتتح مقر مكتب خدمات الأجانب بالعاصمة الإدارية الجديدة    المؤبد لكتيبة الإعدام لقتلهم شخص والشروع فى قتل آخر بالخانكة    تقارير تونسية: انتقال غربال إلى الزمالك يبدو صعبًا.. وأوروبا أولوية اللاعب    «قصر العيني» تستقبل سفير كوت ديفوار لبحث التعاون في إطلاق البرنامج الفرنسي الطبي «KAF»    بعد مقتل إسرائيلي في هجوم فلسطيني بالضفة.. أبوعبيدة: من الخليل إلى جنين يواصل الفدائيون بطولاتهم    ضمن مهرجان «العالم علمين».. انطلاق مؤتمر القسطرة المخية في مستشفى العلمين    دعامات حديثة بجسم سد النهضة تثير قلق الخبراء وتكشف ضعفه، والباحثون: تمت بدون دراسة    المفتي السابق يوضح حدود الاستمتاع بين الزوجين أثناء الحيض    البيئة والتضامن تشهدان توقيع تعاون لإدارة المخلفات مع الهلال الأحمر    لله درك يا ابن عباس.. الأوقاف تنشر خطبة الجمعة المقبلة    أحمد عصام السيد فديو بلوجر في فيلم "الشاطر" أمام أمير كرارة وهنا الزاهد    كامل الوزير يبحث مع نائب رئيس وزراء الكونغو تدعيم التعاون في مجالات النقل    الهيئة العليا للوفد تطالب عبد السند يمامة بالاستقالة    جمال شعبان يحذر من ألم البطن.. علامة خادعة تنذر بأزمة قلبية    أهالي القنطرة شرق ينتظرون تشييع جثمان الفنان محمد عواد وسط أجواء من الحزن    باريس سان جيرمان ينهي سجل ريال مدريد المثالي في كأس العالم للأندية    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 10 يوليو 2025    متحدث «الصحة العالمية»: مئات الشاحنات تنتظر خارج معبر كرم أبو سالم    «التضامن» تقر قيد وتوفيق أوضاع 5 جمعيات في 4 محافظات    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة (فيديو)    وزير الدفاع الأمريكي يبحث مع نتنياهو عملية "مطرقة منتصف الليل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام العودة إلى التلمذة
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 07 - 2025

أعتقد أننى كنت بين أوائل الذين تفهموا رد فعل شعب كندا على ما خصهم من دبلوماسية الهزل والاستخفاف التى يمارسها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. بدون شك أساء لنفسه ولكن الأهم أنه أضاف مادة جديدة إلى معلومات الذين يتابعون بكثير من القلق المسيرة الانحدارية لسمعة الولايات المتحدة ومكانتها. تفهمت رد فعل شعب كندا الغاضب والمشبع بمهانة شديدة على اقتراح الرئيس الأمريكى ضم أو انضمام كندا كولاية إضافية إلى الخمسين ولاية أمريكية.
• • •
تفهمت رد الفعل فقد عشت هناك تلميذا ناضجا اختلط بتلاميذ آخرين ومدرسين أغلبهم تستشيرهم الدولة قبل اتخاذ قراراتها، يتنقلون دوما بين حرم الجامعة فى قلب مدينة مونتريال ومقار أجهزة السياسة والحكم فى قلب العاصمة أوتاوا. أتذكر أننا كثيرا ما ناقشنا فى صف نظريات صنع القرار مشروعات قرار أخذت طريقها فعلا إلى برلمان الدولة أو إلى إدارات التنفيذ.
• • •
كنت فى ذلك الحين الطالب الثانى فى ترتيب الطلاب الأكبر عمرا. يكبرنى ويتقدمنى فى الترتيب إعلامى كبير فى قناة تلفزيونية شهيرة. كثيرا ما أثار الوضع عندى شجونا وتأملات. إذ كنت دائما منذ المرحلة الابتدائية وحتى شهادة التخرج من الجامعة المصرية التلميذ الأصغر سنا. كنت أيضا واحدا من ثلاثة، لم يبلغ أى منهم سن الرشد، مرشحين للتعيين ملحقين دبلوماسيين فى الدفعة الأكبر عددا حتى ذلك الحين (ثمانية وأربعون مرشحا). عينت وعمرى يتجاوز الحادية وعشرين بأيام معدودة واستلمت عملى بسفارة مصر فى نيودلهى وقد تجاوزت الحادية وعشرين بخمسة شهور. فى الحالتين، حالة صغر السن وحالة كبره، أظن أننى حصلت على مكانة متميزة بين الزملاء من التلاميذ بنينا وبنات ومعاملة أكثر حرصا وانتباها من المعلمين والأساتذة.
• • •
كان من حسن حظى، وهو الحظ الذى لم يفارقنى فى كل تلك الأوقات، أننى ومنذ اليوم التالى لانضمامى إلى كلية الدراسات العليا فى علوم السياسة فى جامعة ماكجيل فى مونتريال أننى زاملت ثم صادقت صداقة حميمة، الشاب على الدسوقى، الطالب المجتهد ثم المدرس والأستاذ وشريكى فى مركز غير حكومى لدراسات المستقبل ثم المفكر والكاتب المشارك فى كتابنا عن النظام الإقليمى العربى.
• • •
ومن حظى الطيب أننى حصلت على تجربة لا تتكرر عن دراسة نظريات صنع القرار السياسى على يد أستاذ مبتكر لإحدى هذه النظريات وقد طبقناها معا على دراستى عن صنع قرار الحرب فى مصر فى عام 1967. حصلت أيضا على فهم أعمق للنظام السياسى الصينى. كانت متعة لا تعادلها متعة تطبيق ما علمنى إياه الأستاذ الرومانى الجنسية «سام نوموف» عن أصول ونشأة الشيوعية الماوية وعن نظرية الحرب الدائمة وضرورتها لحكم نظيف ومثمر وإن غير مستقر. علمنى أيضا وعلى امتداد السنوات الثلاثة الأستاذ الهندى (نايار) أن لا تقدم حدث أو تطوير وقع فى أى دولة لم يكن وراءه غرض هو الأسمى والأخطر وأقصد علاقته المباشرة بالأمن القومى للوطن. الأمن القومى كان، حسب رأيه، وراء معظم الثورات الكبرى فى كلا العالمين المتقدم والناهض ولولا التهديد المباشر له ما حدث التقدم ولا وقع التطوير.
• • •
أيام التلمذة المتجددة صقلت عندى مواهب كانت مدفونة ربما لم ينتبه لها المدرسون العظام فى سنوات تلمذتى المبكرة. اعتمدت ولا شك على مخزون هائل من تجارب عملية فى الهند والصين وإيطاليا وشيلى والأرجنتين. عشت فى كل هذه البلاد أتمنى لو كانت الدولة المصرية سمحت لى بالاستفادة من منحة دراسية منحتها لى جامعة كولومبيا وأنا حديث الوصول للهند. كم كنت استفدت واستفادت الدولة لو سبقت الدراسة العليا تعيينى بالخارج. ومع ذلك كم كنت سعيدا وأنا أتطوع فى قاعة الدرس بتقديم أمثلة واقعية وعملية على ما يتاح لنا معرفته من نظريات سياسية وبخاصة فى مجالات التنمية وصنع القرار والنزاعات الدولية، نشوبها كما تسويتها.
• • •
نعم عدت تلميذا وإن أكبر عمرا. وجدت الوقت لأشارك فى بعض أو أكثر اجتماعات منظمة الطلبة العرب وأغلبها كان فى الولايات المتحدة. نجومها المصريون فى ذلك الحين سعد الدين إبراهيم وأسامة الباز وعلى الدسوقى (على الدين هلال) وكمال الإبراشى. وجدت وقتا آخر لأقضيه فى صحبة مجموعات «هيبية»، هؤلاء الذين ارتدوا بلا خجل البنطلونات الجينز وأطالوا شعورهم وأظافرهم وناقشوا أمورا بفجاجة ورغم ذلك حافظوا قدر الإمكان على عدم إيذاء مشاعر الغير، ونشروا فكر وممارسات التعامل السلمى فى النزاعات. قدمنى إلى مجموعة منهم شاب من بورما نجل سيدة عظيمة المكانة فى بلده، تمرد عليهما.
• • •
كانت فترة غنية بالعلاقات والتجارب الحياتية. حملت معى من الأرجنتين رقم هاتف مصرى مغترب صادرت حكومتنا أمواله وممتلكاته فراح يعيش فى كندا معلما، أما خاله فلم يجد لنفسه عملا، وقد تقدم به العمر وزادت حاجته إلى المال، إلا حارسا ليليا لأحد الجراجات الكبرى فى المدينة. كنا زوجتى وأنا، ندعوه لتناول وجبة ساخنة بين الحين والآخر. بالمناسبة وفى يوم تخرجى وجهت الدعوة لزوجتى والطفلين سامر ونسرين لتناول عشاءا فاخرا فى مطعم ذاعت شهرته فى صنع وشواء اللحم. كانت ليلة عاش الطفلان يتذكرانها لسنوات غير قليلة. عاش الطفلان ضمن أسرة حرمت على نفسها خلال سنوات الدراسة تناول اللحم المشوى فى المحال العامة تقشفا وحافزا. حدث هذا بالرغم من أن الجامعة كانت قد خصصت لى مكافأة مالية قدرها مائة دولار نظير تدريس مادة الشرق الأوسط لطلاب المرحلة الأولية فى برنامج العلوم السياسية.
• • •
أيام بمشقاتها وإنجازاتها متعة. أتذوق إلى يومنا هذا متعتها بمقارنات أجريها مع أيام أخرى اخترت العيش فيها أو فرضها الواجب. أظن أننى ربما أحسنت توظيف أيامى حتى صارت فى مجملها حسب نظرتى إليها سلسلة من متع تتخللها حلقات قليلة بل ونادرة تأتى مغلفة بمشاق أو بمرض طارئ أو بمشكلات عمل أغلبها تافه أو تأتى كعثرات طفل بدأ يمشى وفى أثرها يحتار بين أن يبكى أو يضحك. أما أكثر حلقاتها فحلقات تأتى معلبة بعلب كعلب الفرح وهدايا الأحباب، أو تأتى دافئة كأحضان الشوق وشعر نزار، أو تأتى فائرة أو ثائرة كما فى أحلام خطيب ومخطوبته، أو تأتى ناعمة نعومة كلمات العاشقة إنجريد برجمان فى فيلم كازابلانكا الذى عرض لأول مرة خلال الحرب العالمية وترك علامات صمدت إلى يومى هذا.
هى الحياة، أليس كذلك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.