وزير التعليم يستقبل مدير عام منظمة الألكسو لبحث التعاون المشترك    الدولار يصعد في البنوك مع نهاية تعاملات اليوم    أوبل تستبدل كروس لاند بفرونتيرا الجديدة    رئيس «اقتصادية الشيوخ»: وحدات النصف تشطيب لا تتناسب مع معايير تصدير العقار    «أيبيريا إكسبريس» الإسبانية تستأنف رحلاتها من مدريد لتل أبيب غدًا الأربعاء    مشاهد مرعبة من فيضانات روسيا.. مدن تغرق ونزوح أهالي قرى بأكملها (فيديو)    من يحسم بطاقة التأهل؟.. مباشر برشلونة ضد باريس سان جيرمان في دوري الأبطال    نادي مدينتي يستضيف بطولة الجمهورية للاسكواش بمشاركة 1500 لاعب    «رياضة القليوبية»: افتتاح منشآت جديدة بتكلفة 7 ملايين جنيه قريبا    السيطرة على حريق بمخزن صباغة وتجهيز الأقمشة بمدينة نصر    مصرع طفل أثناء تعلم السباحة في المنيا    تعرف على نماذج البوكليت التجريبي لطلاب الثانوية الأزهرية    الخميس.. "بأم عيني 1948" عرض فلسطيني في ضيافة الهناجر    في روشة ميكانيكا.. سهر الصايغ تبدأ تصوير مشاهد اتنين × واحد.. صور    خالد الجندي: الأئمة والعلماء بذلوا مجهودا كبيرًا من أجل الدعوة في رمضان    احتفالية الصحة باليوم العالمي للهيموفيليا بالتعاون مع جمعية أصدقاء مرضى النزف    محافظ بني سويف يعتمد مواعيد امتحانات نهاية العام الدراسي    الهند تدعو إلى اتخاذ إجراء حاسم بشأن إصلاح مجلس الأمن الدولي    مانشستر سيتى يستعيد ووكر ودياز وأكى قبل قمة ريال مدريد فى دورى الأبطال    عاجل- عاصفة رملية وترابية تضرب القاهرة وبعض المحافظات خلال ساعات    بسبب غيابهم.. إحالة أطباء بوحدة صحية في الوادي الجديد للتحقيق    تحسين معيشة المواطن وزيادة الإنتاجية.. وكيل "قوى عاملة النواب" توضح مستهدفات الموازنة الجديدة    الأسبوع المقبل|فصل الكهرباء 6 ساعات لمدة 4 أيام عن عدة مناطق ببني سويف    بالصور.. الفنانة دعاء رجب تحتفل بخطوبتها على النيل    ريهام حجاج عن انتقادات مسلسلها «صدفة»: «مش كل الناس اتفقت على ربنا»    «مالمو للسينما العربية» يُكرم المخرج خيري بشارة.. و4 نجوم في ضيافته (تفاصيل)    لأول مرة.. انطلاق تدريب لاستخدام المنصة الرقمية لرصد نتيجة المسح القرائي ببورسعيد    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    مانشستر يونايتد يدخل صراع التعاقد مع خليفة تين هاج    وداعًا للكوليسترول- خبير تغذية: هذا النوع من التوابل قد يعالجه    في فصل الربيع.. كل ما يخص مرض جفاف العين وكيفية العلاج (فيديو)    وزير الخارجية ونظيره الصيني يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    وزير الأوقاف: إن كانت الناس لا تراك فيكفيك أن الله يراك    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    "بعد السوبر هاتريك".. بالمر: أشكر تشيلسي على منحي فرصة التألق    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    صداع «كولر» قبل مواجهة «وحوش» مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    «لا تتركوا منازلكم».. تحذير ل5 فئات من الخروج خلال ساعات بسبب الطقس السيئ    السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة: حان الوقت لإنهاء الصراع في السودان    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب طريقة لعلاج أمراض الحياة.. لا وجود الآن لما يسمى «أدب المهجر».. صداقتى مع المنسى قنديل منحتني الكثير من الخبرات
أسامة علام صاحب رواية «الحى العربى»: أن الفن الحقيقى دائمًا مشغول بالإنسان:
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 02 - 2019

لم يمنعه تخرجه فى كلية الطب البيطرى، من مواصلة شغفه بالأدب وحين سافر للحصول على الماجستير من فرنسا، فى مرض سرطان القولون لدى البشر، كانت مسامه كلها فى اتجاه اكتشاف بلاد بلزاك وفلوبير، ولما حصل على الدكتوراه فى متلازمة نقص المناعة المكتسبة «الإيدز»، وعمل بالتدريس والبحث العلمى بجامعة مونتريال، شعر بأنه قد آن الآوان للكتابة، وأن يترك لروحه حق الإنصات لهذا النداء المستمر والممتد لسنوات طويلة بداخله،
كان على أسامة علام فى مغتربه الكندى أن يسعى وراء هذا الصوت محاولا اكتشافه، قبل أن يتأكد أنه نداء «الأدب»، فيهب للقائه وينطلق معه بكل ما أوتى من عزم وقوة، ليكتب لنا عددا من أعماله الإبداعية «تولوز» و«الحى العربى»، و«الاختفاء الغريب لرجل مدهش»، و«واحة الزهور السوداء»، ومجموعة قصصية بعنوان «قهوة صباحية فى مقهى باريسى».
فى السطور التالية يروى أسامة علام قصته مع الأدب، وكيف جمعته ثورة يناير بالروائى «محمد المنسى قنديل» وجمعه القدر بصداقة مع طبيب آخر أخذه الأدب هو «محمد المخزنجى»، ليكتب له مقدمة أولى رواياته قبل أن يتعارفا.
ذهبت إليه وفى ذهنى مقولة تشيكوف حين قال: « الطب زوجتى، والأدب عشيقتى» لذلك بدأت معه من سؤال:
ما الذى منحه لك الطب وأهدته لك الكتابة؟
الأدب بالنسبة لى هو طريق للعلاج واستمرار الحياة، فأنا أكتب لأنى أحب ذلك وطوال الوقت لدى اسئلة وتخيلات، والأدب يجعلنى أكثر راحة وخفة، كما أن الأدب يمد العمر، وفى الحقيقة أنا أكتب أفضل مما أتحدث، لأن الكتابة تكون على مستوى اللاوعى، فتبدأ بفكرة صغيرة ثم تتسع فى السرد والتفاصيل، أما الطب والعلم بشكل عام، فيعطيان رؤية أوسع لتفاصيل الحياة، واتساع المعرفة، ولا أنكر أن درستى للطب أفادتنى كثيرا فى الأدب، فللعلوم أدبها البديع جدا كأعظم كتاب أدبى فى الكون، لكن يبقى سحر العلوم فى الطريقة التى تقدم بها.
كثيرا ما تتناول فى كتاباتك قضية اندماج العرب فى الغرب كأحد كتاب أدب المهجر.. على الرغم من وجود كتابات لآخرين تؤكد فشلهم فى الاندماج بسبب الهوية الدينية فى الأغلب؟
لا وجود لما يسمى ب«أدب المهجر»، لكن هناك كتابة إنسانية، يكتبها أشخاص يعيشون فى بلاد تختلف عن أراضيهم وثقافتهم الأصلية، وأقصد تحديدا مهاجرى الجيل الأول لهؤلاء المهاجرين، حيث يبدءون باكتساب التعامل مع ثقافة وصفات المجتمع الجديد الذين يعيشون فيه، ثم يكتبون عن ذلك الواقع المعيش فى هذه البلدان، ولهذا فلا يمكن اعتبار تسمية هذا الصنف الأدبى «بأدب مهجر» بقدر ما هو «أدب العيش فى عالم مختلف».
أما فيما يخص قضية فشل اندماج العرب فى الغرب بسبب الهوية الدينية الإسلامية، فلا يمكن حصر الشخصية العربية فى محدودية رافد ثقافى واحد وهو الدين الاسلامى، فلا يستطيع شخص ما أن ينفى صفة العربى عن القبطى المصرى مثلا، أو الصابئة فى العراق، فجميعهم عرب، ولهذا فلكل مهاجر خلفيته الثقافية والدينية والاجتماعية، بالتأكيد الدين الإسلامى هو المكون الأهم، وهناك أيضا روافد أخرى، كاللكنات والعادات المتأثرة بالطبيعة الجغرافية والإرث التاريخى، وبالتأكيد الثقافة والديانة وتقليدهما من أهم أولويات المهاجر فى تحديد هويته فى وطنه الجديد، وتبقى الثقافة العربية بكل روافدها الغنية هى النبع الأشمل والأكبر لتحديد هويتك وتصرفاتك فى الغرب.
ودورى الأهم كمهاجر يمارس الكتابة هو أن أحكى تجربتى الخاصة، أن أبعث رسالة للقارئ العربى من المحيط إلى الخليج، خاصة إلى ملايين الشباب الساعين للهجرة بأى ثمن. حالمين بجبال الذهب والفضة بمجرد الوصول لأرض الهجرة المشتهاة، لتبقى الحقيقة المفاجئة هى أن المشكلات موجودة فى الغرب أيضا على الرغم من اختلاف صيغتها وطبيعة قسوتها.
أنت فاعل فى مشروع «أقلام عربية» الذى يقوم على الاستفادة من وجود كتاب عرب فى كندا، فما هى طبيعة المشروع؟
كانت البداية مع مجموعة «حكايات عربية»، والتى ضمت مجموعة من المثقفين العرب المقيمين بكندا، لكنها انتهت بعد 3 سنوات تقريبا، ثم أنشأنا مجموعة «أقلام عربية»، تضم المجموعة أفرادا من 9 جنسيات عربية، يختلفون فى الجنس والعمر والوظائف والانتماءات، ويجمعهم حب الأدب والثقافة، نلتقى من سنوات يوم الأحد من كل أسبوع، نتحدث حول النصوص الأدبية المتنوعة حول الأدب والثقافة، ونتناقش فيما يخص الأعمال المرشحة للفوز بجوائز عالمية، نتناقش حول الأعمال الابداعية المهمة العربية أوالمترجمة على السواء. كما نقرأ ونستمع ونناقش ما يكتبه أفراد المجموعة من إبداع كتابات بعضنا، أصدرنا ما يقرب من ال15 كتابا فى فنون متنوعة من الرواية والشعر والقصص القصيرة، وهى من إبداع أعضاء الملتقى، أحيانا نستضيف بعض الأدباء الموجودين فى زيارة لكندا ونقيم ندوات تناقش أعمالهم لأبناء الجالية العربية، وقد أسعدنا استضافة أدباء كبار أمثال الأساتذة «صنع الله إبراهيم» و«محمد المنسى قنديل»و «زين العابدين فؤاد».
كيف جمعت ثورة يناير بينك وبين الدكتور محمد المنسى قنديل لتصبح صداقتكما ممتدة بعد ذلك؟
جمعتنى به مصادفة غريبة وأحمد الله أنها حدثت.. أثناء ثورة 2011، كنا نتجمع يوميا عند القنصلية المصرية للمشاركة فى الثورة والاحتفال بما يحدث فى مصر، كانت هذه التجمعات تضم كل أطياف المجتمع وكأنها ميدان «تحرير صغير»، سمح لنا ذلك بالتقارب من شخصيات غاية فى النبل، وفتح لنا أفقا أرحب فى التعرف أكثر على أبناء مصر العظيمة فى مونتريال، وفى أحد الأيام ذهبت لحضور تكريم للدكتور علاء الأسوانى الفائز بجائزة كندية تعطى للأدب العربى، فوجدت رجلا شديد النبل والتواضع يصافحنى معرفا نفسه: أنا كاتب مصرى اسمى محمد المنسى قنديل، أخذتنى المفاجأة وكدت أقفز من مكانى من شدة فرحتى به وبلقائه، وعرفت منه أنه يقيم بكندا منذ مدة ولا يعرف الكثير من أبناء الجالية العربية، ومن لحظتها بدأنا بتكوين مجموعة من المثقفين وأنشأنا مجموعة «حكايات عربية فى مونتريال» ومن بعدها «أقلام عربية».. محظوظ أنا والمهتمين بالثقافة فى مونتريال بوجوده معنا، وطوال الوقت أتعلم منه ومن ملاحظاته شديدة الذكاء، فهو أستاذ التفاصيل الصغيرة، ومعمارى الرواية الأهم بالعالم العربى، والحكاء الذى لا يضاهيه أحد فى ثقافته الموسوعية وخبراته الحياتية.
هل يمكن أعتبار «أقلام عربية» بمثابة وطن بديل للكتابة؟
هى مساحة للظل.. واحة نشعر فيها بالمؤانسة، كيان حى نحتمى به ونهون معه هموم غربتنا، نهرب فى لقائنا الأسبوعى من عالم ممتلئ بالمسئوليات والمهنية الكندية الصارمة إلى عالم أكثر حنوا، نتحدث عما نحب وما يشغلنا، مستدفئين بفتنة الأدب.
صرحت من قبل بأن الدكتور محمد المخزنجى كتب مقدمة روايتك الأولى قبل أن تتعارفا.. كيف تم ذلك؟
هذه مصادفة أخرى أحمد الله عليها، عندما ذهبت لزيارة صديقى عماد الشهاوى، لإهدائه مسودة روايتى الأولى «واحة الزهور السوداء» ومناقشته فيها، حينها أخبرنى أنه على موعد للغداء مع صديقه الدكتور المخزنجى، وعرض على إرسال نسخة أخرى معه إليه، وفوجئت بعد 24 ساعة، برد صديقى يبلغنى بأن د. المخزنجى معجب بالرواية ويطلب منى التواصل مع الأديب الكبير، فهاتفته وقدمت له شكرى، وبالفعل كتب لى مقدمة الرواية، وأصبحنا بعد ذلك أصدقاء، وهو راجل صاحب الفضل على فى استمرارى فى الكتابة على الرغم من ظروف غيابى المستمر عن الوطن وهجرتى المربكة. وتعلمت منه الكثير من الأمور التى أسهمت فى تكوين شخصيتى ككاتب، منها أن الكتابة هى الهدية العظمى للكاتب بغض النظر عن الشهرة والمبيعات، وكما يقول المتصوفة، «نحْنُ فى سعادة لوعلم الملوك وأبناء الملوك ما نَحْنُ فيه لجالدونا عليه بالسيوف».
أخيرا تبادلت عدة رسائل مع الكاتب حسن كمال أثارت اهتمام المتابعين لكما على مواقع التواصل الاجتماعى هل تُعد الرسائل إحياء لنوع أدبى كان قائما أم مجرد تفريغ لشحنة الحنين بحسب وصفك السابق؟
جاءت المراسلات بينى وبين الصديق الروائى حسن كمال، حينما قمت بنشر تدوينه عن يومياتى فوجدته يرد على ما كتبته، أحببت الفكرة وبدأنا فى تبادل الرسائل.. وبرأيى أن الكتابة بشكل عام هى نوع من العلاج، فأنا أصاب بالاكتئاب إذا لم أكتب، وخاصة أننى حينما أنتهى من عمل روائى أتوقف تماما عن الكتابة، ولا أشرع فى كتابة أى عمل آخر قبل أن يرى العمل المنتهى النور، ولتفادى حالة الاكتئاب التى تعترينى لتوقفى عن الكتابة بدأت بكتابة المراسلات.. وأتمنى أن أكتب كتابا عن «أدب المراسلات» أناقش فيه أزمة منتصف العمر، وأعتقد أن اختلاف وجهات النظر فى تناول ذلك الموضوع أو غيره سيزيد الكتاب ثراء.
تتحدث فى روايتك الوشم الأبيض عن نظرية تناسخ الأرواح؟ حدثنا عنها وهل تؤمن بها؟
نظرية تناسخ الأرواح لها خلفية علمية كما ذكرت بالرواية، وهى فكرة قديمة للغاية تم طرحها فى ثقافات وديانات مختلفة، وفى النهاية أنا كاتب أقدم أفكارا قد أتفق مع بعضها وقد أختلف، وخلفيتى الأكاديمية تحرضنى غالبا على تقديم قضايا قد تبدو خلافية، وأعتقد أنه من المهم للقارئ العربى أن يتعرف على أمور مغايرة لمعتقده الأصلى، حتى نتفهم أن هذا الكون واسع ومتعدد الأفكار، ربما نصل فى النهاية إلى فضيلة تفهم الآخر واحترامه.
وكيف تنظر لنظرية الأكوان المتوازية؟
مازال أمام العقل الكثير للفهم، ولكن كل شىء ممكن، والسؤال المشروع هنا لماذا نبحث عن إثبات ما دمنا عاجزين عن النفى، تناسخ الأرواح والأكوان الموازية وفيزياء الكم نظريات مازالت قيد الدراسة والبحث، أفكار مطروحة مثلها مثل أى فكرة لها خلفية ثقافية، وأنا كروائى أو حتى كشخص مهتم بالعلوم لا أملك تأكيدها أو نفيها.
تظهر فرنسا وكندا وخاصة مدن مثل «تولوز» و«مونتريال» بقوة فى كتاباتك؟ فى مقابل غياب مدينتك الأولى وهى المنصورة.. لماذا؟
كى أكون صادقا على أن أروى عن العوالم التى أعرفها، نجيب محفوظ كتب عن الحارة المصرية وهو الجزء الذى يعرفه، وابراهيم الكونى كتب عن الصحراء التى يعرفها، أرنست همونجواى المولع بالصيد كتب «العجوز والبحر»، والطاهر بن جالون كتاباته مليئة بالطابع الفولكلورى والعجائبى للمغرب، وإيزابيل الليندى قدمت للعالم تجربة شيلى العجيبة، وغيرهم ممن تتمتع كتباتهم بالصدق والإبداع. وأنا عشت طويلا بين فرنسا وكندا بسبب الدراسة والعمل، فكتبت عن المدن التى سكنتها وسكنتنى.
هل للمدن سطوة تثير غرائز الكاتب على الكتابة؟
هذا يتوقف على ما إذا كان الكاتب بالأساس يملك موهبة الحكى والسرد أم لا، فإذا كان يملك الموهبة وتغيرت ظروفه ومر بتجارب معينه فسيكتب عن ذلك بالتأكيد. المدن كالأشخاص المقربين جدا، تأثيرهم لا يتوقف علينا مهما بدا ذلك غير ملحوظ.
يقول طه حسين «النأى عن الدار، والتنقل فى أقطار الغربة، يثيران فى النفس ما لا تثيره الإقامة والاستقرار» فإلى أى مدى تتفق مع قوله؟
أتفق مع ذلك بكل تأكيد، فالسفر يسمح لك باختبار قدرات مغايرة، واكتشاف عوالم وثقافات مغايرة، فتصبح أفكارك أكثر تحررا وقدرة على الطرح والتناول.
تتميز رواياتك بمناقشة الكثير من الأبعاد النفسية للأبطال مع تاريخهم الشخصى أكثر من مجرد سرد لأحداث ووقائع تحدث لهؤلاء الأبطال.. ما الذى تقصده من وراء ذلك، وهل نعد ذلك تشريحا للشخصية العربية؟
الكتابة الجيدة هى تلك التى تهتم بكل ما هو إنسانى، بعيدا عن الأيديولوجيات، كأعمال «دويستويفسكى» و«تشيخوف» الخالدة، فإن الفن الحقيقى دائما مشغول بالإنسان، بغض النظر عن لونه ومكانه أو انتمائه، فالإنسان متساو فى كل زمان ومكان، لا أحاول تشريح الشخصية العربية فقط فيما أكتب، لكنى أقدم العربى باعتباره إحدى قطع لوحة «البازل» للحضارة البشرية بشكل أعم، الحقيقة أن الناس متشابهون جدا، فكلنا نبحث عن الحب والسعادة ونخشى الموت ولا نفهمه، بالتأكيد تختلف الدرجة بين إنسان وآخر ومن ثقافة لأخرى، لكن الآمال والطموحات والمخاوف تظل واحدة.
فى «الوشم الأبيض» تناولت على لسان شخصياتك أكثر من مرة الحديث عن «قوة العقل الجمعى»٬ بمعنى تراكم التاريخ الإنسانى فى داخل المخ بشكل لا نعيه٬ ويحرك تصرفاتك دون أن تعرف.. هل يوجد توضيح أكثر؟
أنا شخص مؤمن بنظرية عالم النفس الشهير كارل يونج عن علم النفس الجمعى ودورها الكبير فى تمييز الشعوب، العلم أثبت أن القدر المرضى للإنسان تتحكم فيه الجينات التى يرثها من الأجداد، وأعتقد كما يعتقد «يونج» بأننا كما نرث من أسلافنا جينات الطول واللون، نرث السلوك والطبائع أيضا، وربما هذا ما يميز شعوبا بعينها بسمات خاصة، وإلا فلماذا يبدو الشعب الألمان ماهرا فى صناعة الآلات، والفرنسى فى صناعة الجبن والمخبوزات، والبرازيل بلعبة كرة القدم، والمصرى مثلا شخص صبور ودائم الرضا، والعراقى محب بالفطرة للشعر، وهكذا، لذلك فأنا مقتنع بالنظرية حتى وإن لم يثبت ذلك بشكل علمى أكيد حتى الآن.
وماذا عن أحدث رواياتك «الحى العربى»، الصادرة حديثا عن دار الشروق؟
الحى العربى رواية بدأت مع سؤال ظل يشغلنى لسنوات طويلة وهو: «لماذا ينجح العرب أفرادا ويفشلون جماعات»؟ و«ماذا يحدث إذا قررت الدول الغربية نبذهم وعدم السماح لهم بالعيش على أراضيها؟»، من هنا جاءت فكرة «الحى العربى» مستمدا اسمه من حى «المغرب الصغير»، حيث أعيش بمدينة مونتريال الكندية، والتى تعد ثانى أكبر المدن الفرانكفونية بعد باريس، وتتميز بجالية عربية كبيرة. محاولا رصد التغيرات التى تصيب أبناء الجالية العربية من الجيل الأول والثانى بطريقة شيقة وبعيدة عن الفلسفة التى تصيب القارئ بالملل. فقدمت شخصيات من لحم ودم لأفراد ربما أعرفهم بشكل شخصى فى اطار من الفانتازيا الواقعية المضحكة والمبكية فى نفس الوقت.
لك مقولة أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعى حين وصفت المصريين بشعب الله الحنون؟
جاءنى هذا الوصف لأننا شعب فريد فى قدرته على التواصل مع الآخر والود والتسليم له دون شعور بالقلق، نحن شعب يشعر بغيره ويستمع إليه ويساعده ولو كان على حساب نفسه، وكأن المصريين الذين تم احتلالهم من الكثير من الغزاة على مر العصور، وعاشوا كل الأزمات التى لم يختبرها شعب آخر، توصلوا إلى أن الود والحنان هو طريقهم الوحيد للاستمرار فى الحياة، وأيقنوا أنه من الممكن التغلب على الصعاب، بالكثير من الحنان، لذلك لا أخفى سعادتى بأن الله الهمنى باكتشاف هذه العبارة «المصريين شعب الله الحنون».
أنت طبيب بيطرى ترى أن الحيوانات الكائنات الأكثر مودة ورهافة.. كيف تجد العلاقة بين الإنسان والحيوان؟
تخرجت فى كلية الطب البيطرى، وسافرت لدراسة الماجستير بفرنسا عن سرطان القولون لدى البشر، وحصلت على الدكتوراه فى متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وعملت بالتدريس والبحث العلمى بجامعة مونتريال، لكننى فى لحظة ما من حياتى بكندا شعرت أننى أكثر قربا من الحيوانات، يسعدنى أن أساعد هذه الكائنات البديعة، لأنهم لا يملكون لسان للشكوى وطلب ما يحتاجون، ولذلك فهم بحاجة للمساعدة، وأنا بشكل شخصى أحبهم وأرى انهم أقل قدرة على الخداع والكذب، فالحيوان بطبعه لا يؤذى الآخر لمجرد الأذى، بل إذا شعر بالتهديد والخوف فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.