الطبيب والكاتب الروائى أسامة علام هو واحد من مؤسسى مجموعة اقلام عربية فى مونتريال. وهى مجموعة من المثقفين العرب تلتقى بشكل دورى كل اسبوع فى احد مقاهى المدينة. وقد تحولت تلك اللقاءات الى ما يشبه الورشة الثقافية تهتم بكل ماهو مكتوب باللغة العربية. ومن خلالها صدر العديد من الأعمال المنشورة فى مصر كرواية «سيزيرين» للروائى خالد ذهنى، ورواية «الغائب» للروائى التونسى أنيس بن عمار، بالاضافة الى أعمال شريف رفعت القصصية كمجموعة «أشجان من المهجر». وبالطبع روايات كاتبنا اسامة علام الذى يبدو الاكثر إنتاجا بين افراد المجموعة، وحول الأدب و الرواية وواقع المهجر كان هذا الحوار..لماذا اخترت أن تكون رواياتك الأولى عن كنديين فى كندا وليس عن مصر كما هو متوقع؟الحقيقة أن رواية «الاختفاء العجيب لرجل مدهش» التى تتحدث عن مونتريال و ناسها ليست روايتى الأولى. فقد صدرت لى رواية تراثية عام 2008 اسمها «واحة الزهور السوداء» عن دار نشر مدبولى. أما لماذا أخترت الحديث عن كندا و الكنديين دون التطرق لحياة الجاليات الأخرى فى روايتى الثانية « الاختفاء العجيب لرجل مدهش» فربما لأننى أومن بدورى كعربى يعيش تجربة الحياة فى عالم مختلف عن بلده الأم. هناك رسالة كاشفة ومختلفة فى هذا العمل للقارئ. بعيدا عن الصورة النمطية للغرب فى الأدب العربى. أنا كاتب مصرى أنتمى بشكل أو آخر للحياة فى كندا التى درست وعملت بها. ربما ذلك ما يعطى للعمل مصداقيته. من ناحية أخرى الرواية تحمل أيضا رسالة للمجتمع الكندى. الغرب يطالبنا دائما بالاندماج. حسنا هانحن كمهاجرين قادرون على تحليل و نقد مجتمع هو ببساطة ما نملكه كواقع يومى معاش. فى الأغلب الرواية الأولى تكون واقعة تحت سطوة ذاكرة المبدع، فهل حدث هذا معك؟ الحقيقة أننى لا أعتقد كثيرا فى هذه المقولة. فروايتى الأولى كانت عن واحة فى الصحراء تعيش فى عوالم مدينة فى جذورها الإبداعية الى عوالم ألف ليلة وليلة، والذاكرة الجمعية لأهل الصحراء. أعتقد أيضا أن ذاكرة المبدع يجب أن تكون محفوظة كمخزون استراتيجى دائم. تظهر بعض ملامحها فى هذا العمل أو ذاك. لكن الفاعل الأهم لأى مبدع فى فن الرواية هى قدرته على إيجاد عوالم خيالية مربكة من شدة تماسها مع الواقع المعاش. أستفيد دائما من أماكن ومدن عشت فيها بسبب سفرى الدائم لكنى أحاول أن أنصت لحكايات وأساطير هذه الأماكن والمدن. روايتك الثالثة «تولوز..أغنية أخيرة لأكورديون وحيد» ايضاً عن أسرة مهاجرة الى فرنسا؟ هذا صحيح، لكن الرواية كذلك يدور الكثير من أحداثها فى حارة صغيرة فى مدينتى الأم المنصورة بمصر، حيث أسرة إسبانية هربت من حكم فرانكو اثناء الحرب العالمية الثانية، و كونها من أصول أوروبية لم يوفر لها الحماية من شعورها بالغربة والاختلاف. الهم الانسانى متشابه. فالرواية تحكى عن هموم عائلتين من أسبانيا ومصر. كلتا الاسرتين حلمت بفرنسا كجنة موعودة و ارتطمت بجبل الواقع الصادم. وعموما أدب الاغتراب ليس غريبا عن الثقافة الانسانية. لدينا مثلا ميلان كونديرا الرائع الذى استطاع الخروج بواقع المنفى و الهجرة الى حدود انسانية رحبة. لدينا أيضا فى أدبنا العربى تجارب رائدة لكنها للأسف لم تخرج كثيرا عن نطاق مناقشة حنين المغتربين العرب، أو تصوير العربى كفارس يرد للمستعمر إرث الاستعمار بغزوات ذكورية تكتوى بنارها شقراوات الغرب المسكينات. ألا تخشى أن تفقد القارئ العربى الذى اعتاد على ادب يتعامل مع الواقع الذى يعيشه؟ على العكس تماما. كلنا نتابع النجاح المدهش للأدب المترجم فى السوق العربية. أعتقد أن القارئ العربى المهتم بالأدب الجيد ذكى للغاية و يستطيع استشعار أن الأدب إنسانى بالاساس. أنا كاتب يفتخر كثيرا بكونه مصريا. كونى أعيش خارج حدود الوطن العربى لا ينفى مرور كل شخصيات روايتى أو قصصى عبر مصفاة ثقافتى الخاصة. فعندما أكتب عن شخصية كندية مثلا فأنا أتناول جانبها الإنسانى الذى يشترك فيه كل البشر. من منا لا يحاول فهم قضايا كالموت والسعادة و الاحلام مثلا. أحاول أن أبحث عن مفهوم قضايا كهذه فى ثقافة الآخر التى أعيش بها و لكن من منظورى الشخصى كعربى. ما هى الصعوبات التى تواجهها فى النشر فى مصر؟ بالإضافة لمشاكلات التوزيع و الشللية المزمنة التى ربما يعانى منها معظم الكتاب العرب، ربما أعانى من مشكلة البعد الجغرافى. فلا أستطيع الوجود فى الانشطة الثقافية. و المشكلة الأهم أن الدعاية الجيدة للعمل لا تتوفر الا فى عدد محدود جدا من دور النشر وهى التى تحتكر أعمال مجموعة من الاسماء الكبيرة. هل يوجد سوق للنشر بالعربية هنا فى كندا؟ وهل يوجد ناشرون عرب؟ للأسف الكسل الشديد للناشراو الموزع العربى لا يجعله يصل للاسواق فى كندا او امريكا الشمالية. يمكننا فتح اسواق، كما يمكننا عمل دراسة عن تعداد المتحدثين و المهتمين باللغة العربية هنا ومحاولة الوصول لهم بالكتاب العربي، هناك عدد قليل من الكتب الموزعة فى المكتبات العامة الكندية وفى عدد قليل جدا من المكتبات، فالموزع والناشر العربى ليس معروفا عنه اقتحام الأسواق الجديدة او حتى المحاولة. يوجد انفجار روائى الآن، ما هو السبب فى رأيك؟ ربما كثرة دور النشر الخاصة التى تقبل أى أعمال لمجرد أن الكاتب يستطيع دفع تكاليف النشر. أيضا الجوائز المادية المغرية للرواية والتى أصبح البعض يكتب فقط من أجل الحصول على ربحها المادى. وربما البطالة المتفشية فى العالم العربى وسهولة الوصول الى مخزون السينما العالمى عن طريق الإنترنت. مما سمح للكثيرين بدمج بعض هذه الأفلام ونشرها فى كتب تحت مسميات من قبيل روايات أدب الرعب أو الخيال العلمى أو الأدب الرومانسى او ادب الدردشة والنميمة. ما هو مشروعك المقبل؟ أعمل على رواية عن احلام المهاجرين العرب واصطدامها بالواقع الكندى. أتمنى أن تكون اضافة فى مشروعى الروائى. نحن كعرب لسنا شيئا واحدا. فالمشارقة منا يختلفون كثيرا عن المغاربة هذا برغم تشابهنا مع باقى البشر بشكل عام. بينما الغرب ذاته يصنفنا جميعا فقط كمسلمين مقيمين على أرضه، ومن الممكن جدا أن نكون مشروع اراهابيين. همى الدائم فيما أكتب أن أفهم ما يدور حولى و أحاول تحليله.