أصدر د. أحمد هنو «وزير الثقافة» القرار رقم 258 لسنة 2025 بندب د. خالد أبوالليل «الأستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب – جامعة القاهرة» للعمل نائبًا لرئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب. قرار التعيين.. ليس مجرد إجراء إدارى، بل حسبما ذكرت صفحة وزارة الثقافة الرسمية على الفيسبوك.. أنه تكليف من د. هنو ب (أهمية التعاون والتنسيق داخل الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة د. أحمد بهى الدين، والعمل على وضع تصور شامل لفعاليات النسخة القادمة من معرض القاهرة الدولى للكتاب، ووضع الترتيبات لتنظيم العديد من معارض الكتب فى المحافظات، إلى جانب العمل على تطوير منافذ بيع الكتب بالمحافظات، وزيادة أعدادها، وتطوير مشروع النشر بالهيئة). وهو ما يعد فى هذا السياق، تحولًا ثقافيًا مقلقًا على طبيعة المشروع الثقافى المصرى الرسمى. دمج الجماعة الإرهابية د. خالد أبو الليل هو مؤلف كتاب «التاريخ الشعبى لمصر فى فترة الحكم الناصرى.. رؤية جديدة من وجهة نظر المهمشين»، والذى أثار جدلًا واسعًا على السوشيال ميديا.. لكونه يمثل انحيازًا فكريًا وسياسيًا واضحًا إلى الرواية الإخوانية فى مرحلة مثيرة من التاريخ المصرى الحديث. عنوان الكتاب يوحى بشكل يحفز على القراءة، فالتاريخ الشعبى هو واحد من أكثر المصطلحات التى تستخدم بكثرة، وتوظف لإضفاء شرعية الحقيقة كبديل عن الرواية الرسمية فى إطار دعم مساحة الديمقراطية. ولكن يظل الأهم هو أن د. أبو الليل لم يكتف بإعادة قراءة التاريخ، بل أعاد إنتاجه حسب وجهة نظر جماعة دينية.. احترفت أن تكون دائمًا فى موقع التضاد مع أى مشروع للدولة الوطنية المصرية، بل وخصمًا صريحًا لفكرة الدولة المدنية المصرية ومصر الحديثة. المفارقة، أن الكتاب المذكور يقدم جماعة الإخوان الإرهابية فى دور مزيف.. باعتبارها طليعة وطنية، لا تختلف كثيرًا عن حزب الوفد أو الحركة العمالية، فى شكل من أشكال التجاهل التاريخى لتأسيس التنظيمات السرية، ومدى ارتباطها الوثيق بالعنف. وقبل ذلك كله، علاقتها الوثيقة تاريخيًا بالقوى الاستعمارية المحتلة. الإمامة فوق الوطنية.. فى تحليل مفردات الكتاب، يمكن التوقف عند لغة الخطاب التى تكشف انحيازه.. إذ يطلق على حسن البنا وحسن الهضيبى لقب «الإمام» حسبما روج أتباعهما، وهو لقب له دلالة دينية.. يحصل عليها.. أصحاب المشروعات الإصلاحية المتميزة. وفى المقابل، يتناول الرئيسين محمد نجيب وجمال عبدالناصر دون أى لقب رسمى فى شكل غير مباشر لتقدير قادة جماعة الإخوان الإرهابية، والاستهانة بثورة يوليو 52، وضرب مشروعهما التاريخى والسياسى بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف معهما. فضلًا عن تقديم جماعة الإخوان باعتبارها حزبًا سياسيًا ووطنيًا، وليست جماعة متطرفة وإرهابية.. مما يجعلها فى مكانة موازية للأحزاب والحركات الوطنية المصرية. وتناسى أن تلك الجماعة هى التى أسسها الاحتلال الإنجليزى سنة 1928. قطعًا، استخدام تلك المفردات والمصطلحات ليس من قبيل المصادفة، بل هى جزء من تمكين الدولة الدينية الفاشية بتفكيك رموز وأحداث الوطنية المصرية، وإحلالها ببدائل دينية مفترضة.. حسب أيديولوجياتهم فى أسلمة المجال العام والهيمنة عليه، وتأصيل ذلك فكريًا وثقافيًا وتاريخيًا. استدعاء مشبوه تزداد خطورة الكتاب المذكور.. حين نعرف أنه يعتمد بشكل أساسى على مذكرات قادة فى التنظيم الإخوانى المسلح، مثل: صلاح شادى (المسئول بالتنظيم الخاص المسلح بالجماعة). وعلى عشماوى.. الذى تم اعتقاله فى تنظيم سنة 1965 من خلال كتابه «التاريخ السرى لجماعة الإخوان». ومصطفى السباعى.. أحد أبرز مفكرى التنظيم السورى. ومحمود عبد الحليم.. مؤرخ الجماعة شبه الرسمى فى كتابه «الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ». قطعًا، المشكلة لا تكمن فى استخدام هذه المذكرات، بل فى تبنى ما جاء بها كمصادر.. دون مراجعة أو مساءلة، وتناولها باعتبارها.. حقيقة تاريخية غير قابلة للنقد، وهو ما جعل الكتاب.. يبدو أقرب إلى استدعاء إحياء جماعة الإخوان داخل إطار كتاب ثقافى رسمى. تدوير الأكاذيب من المفارقات أيضًا، أن ينسب د. خالد أبوالليل إلى جماعة الإخوان.. دورًا مركزيًا فى حماية ثورة 23 يوليو 1952، مؤكدًا أن الثورة لم تكن لتنجح لولا دعم تلك الجماعة الفاشية. هذه الرواية ترتكز على تجاهل الوقائع التاريخية التى تروى وتثبت انتهازية الجماعة وتبدل مواقفها إزاء الثورة بشكل براجماتى بين الترحيب والابتزاز والمؤامرة، بما فى ذلك محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى المنشية سنة 1954. الكتاب بهذا الطرح.. يعيد تقديم جماعة الإخوان بوصفها حارس ثورة يوليو 52، فى تغافل وتجاهل لسجلات العنف السياسى والانقلابات الداخلية التى شهدها تاريخ الجماعة. روايات تخيلية من بين أخطر ما ورد فى الكتاب.. ما يمكن أن يتسبب فى أزمات دبلوماسية مع دول المنطقة. خاصة فى اتهاماته الموجهة لبعض الرموز بالخيانة. وقبل ذلك، ما قام به من التشكيك فى الانتصارات الوطنية المصرية، وتوجيه الاتهام لبعض المؤسسات بالتقصير فى نكسة 67، وتوزيع الاتهامات الساذجة سابقة التجهيز بالعمالة والخيانة من خلال منطق «العنعنات» دون الاستناد إلى وثائق أو تحقيقات رسمية تدعم هذه الادعاءات التى هى أقرب إلى روايات فى المطلق. ويكفى أن نتوقف هنا عند رواية.. تبناها الكتاب بزعم تسميم الرئيس جمال عبدالناصر بالخطأ بدلًا من زعيم آخر.. فى رواية أقرب للخيال منها إلى التاريخ. فى معنى القرار بعد استعراض شذرات مما جاء بالكتاب، وليس كله بالطبع.. فإن إصدار مثل هذا العمل عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2015، ومنح مؤلفه بعد ذلك موقعًا قياديًا سنة 2025 فى الهيئة نفسها، هو إشارة بالغة الخطورة إلى اهتزاز المعايير المهنية والرقابية فى المؤسسات الثقافية الرسمية.. لاختيار القيادات سواء بالندب أو التعيين. أن تصدر الرواية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يعنى أنها ستصبح فى وعى الجمهور، جزءًا من خطاب الدولة الرسمى نفسه. وهو ما يفتح باب الاجتهاد حول إذا كان ما حدث هو أحد مراحل حالة التطبيع الثقافى مع الخطاب الإخوانى أم أنه خلل إدارى فى فهم مقتضيات دور المؤسسة الثقافية فى الحفاظ على الوعى الوطنى العام؟! نعم أم لا.. أتفق تمامًا دون جدل أو نقاش أو اختلاف على أن الطبيعى هو تعدد الرؤى والأصوات فى الحياة الثقافية. غير أننى أرى أنه ليس من المناسب وغير المقبول أن تتبنى المؤسسة الثقافية المصرية الرسمية.. سرديات وروايات خصومها وأعدائها التاريخيين للترويج لهم والتبرير لمواقفهم لفرض شرعية تدريجية لهم فى الوعى العام. القضية هنا لا تتعلق نهائيًا بحرية الرأى والتعبير، بل بالمسئولية الوطنية للهيئات والمؤسسات الثقافية. وحتى لا نضطر إلى محاولة الإجابة عن سؤال يفرض نفسه بقوة، وهو: هل أصبحت الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهى واحدة من أهم وأقوى المؤسسات الثقافية للدولة.. منبرًا لنشر التاريخ بعيون ترى فى جماعة الإخوان الإرهابية.. شريكًا وفصيلًا أساسيًا فى الحياة السياسية المصرية؟! المأزق الآن هو الإجابة عن السؤال السابق. فلو كانت الإجابة «لا» بحسم.. فيجب تصحيح الأمر بشكل عاجل وضرورى.. لا يقبل التأجيل. وإذا كانت الإجابة «نعم».. فإننا أصبحنا فى مأزق وطنى.. يحتاج إلى أعلى درجات التحقيق فيما حدث، وفيما سيحدث بالترتيب على ما سبق. نقطة ومن أول السطر فى اعتقادى.. أن هذا النوع من الإسهامات الفكرية.. لا يمكن تصنيفه باعتباره قراءة تاريخية بديلة، بل دون مبالغة هو مشروع تفخيخ الوعى المصرى لإعادة تشكيل الذاكرة الجمعية الوطنية من خلال تمرير خطابات موجهة باستخدام كلمات ومفردات البحث الأكاديمى.. كجسر للترويج لقصص وسرديات موازية لتاريخ الدولة المصرية.
وفى تقديرى.. ليس من حق أى كاتب.. مهما كان.. تزييف الحقيقة باسم «التاريخ الشعبى»، وليس من حق مؤسسة رسمية أن تمنح شرعية لمحتوى.. يشكك فى الثوابت الوطنية، ويمنح صك الاعتراف بجماعة الإخوان المسلمين التى يصنفها القانون المصرى باعتبارها جماعة إرهابية. 2 3