ما حدث فجر يوم 3 يونيو 2025، حين دمرت طائرات مسيّرة أوكرانية ما لا يقل عن أربع قواعد جوية عسكرية روسية، وأخرجت من الخدمة ما يقارب 40 قاذفة استراتيجية، لم يكن مجرد عملية عسكرية ناجحة؛ بل كان صفعة مدوية أصابت موسكو فى عمقها، بلغة فاجأت الروس وأذهلت الغرب. ووصفها المدونون الروس العسكريون بأنها «بيرل هاربر الروسية»، استعارة من التاريخ تُحمّل العملية أبعادًا نفسية وسياسية عميقة، وتجعل سؤال الساعة: كيف سترد روسيا؟ صمت الكرملين فى البداية كان صاخبًا. غابت البيانات التفصيلية، ومنع الحديث عن خسائر الطائرات فى الإعلام الرسمى، لكن السخط كان جليًا فى منصات «المدونين العسكريين»، أولئك الموالين للنظام، والناقدين لقيادته العسكرية عمليًا. فقد وصف بعضهم ما جرى بأنه «عار استراتيجى»، وسخر آخرون من غياب الحماية للبُنية العسكرية الحساسة، معتبرين أن القادة العسكريين «اعتمدوا على الحظ». • • • إذا كانت عملية «شبكة العنكبوت» الأوكرانية قد زعزعت الثقة فى قدرة الدفاع الروسى، فإنها أيضًا كشفت هشاشة العمق الجوى الروسى أمام أسلحة بسيطة وغير مكلفة. ورغم ذلك يبقى السؤال الأهم ليس فى كيف ضُربت روسيا، بل فى كيف سترد. المقارنة مع «بيرل هاربر» ليست فقط رمزية، فاليابان حينها انتشت بانتصارها الخاطف، لكنها أيقظت العملاق الأمريكى النائم، الذى دمرها لاحقًا بالقنبلة الذرية. فهل ستسلك موسكو المسار نفسه، وتتحول من الدفاع المتألم إلى هجوم ساحق، أم أن الحسابات ستكون أكثر برودًا وتعقيدًا؟ الرد الروسى حتى الآن جاء تقليديًا: قصف واسع بالطائرات المسيّرة والصواريخ، استهدف البنية التحتية الأوكرانية، وأصاب 19 موقعًا، وأوقع قتلى وجرحى. لكن الرد، فى نظر كثيرين داخل روسيا، لم يكن بمستوى الإهانة. فالسؤال المطروح عالميا الآن: هل يكتفى بوتين بهذا المستوى من الرد، أم يستعد ل«ضربة رمزية» أشد، ربما تطال مراكز الحكم فى كييف أو بنية تحتية حيوية تؤلم القيادة الأوكرانية والغرب الداعم لها؟ • • • الغرب، من جهته، يبدو فى لحظة نشوة. وسائل الإعلام احتفت بالعملية بوصفها علامة على ذكاء أوكرانى وشجاعة نادرة، متناسية أن بيرل هاربر – الأصل – جلبت على اليابان غضبًا كاسحًا انتهى بكارثة نووية. هل تكون هذه الغبطة الغربية قصيرة النظر؟ وهل أدرك الداعمون لكييف أنهم ربما فتحوا الباب لتصعيد لا يمكن احتواؤه؟ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى يسعى إلى لعب دور الوسيط، علّق بأن العملية أعطت «مبررًا لبوتين ليقصف أوكرانيا بلا رحمة». وهو تصريح قد يُقرأ فى موسكو على أنه ضوء أخضر. ما يخشاه البعض أن تتحول هذه اللحظة إلى بداية «منعطف الحرب المفتوحة»، ليس بين روسياوأوكرانيا فقط، بل بين روسيا والغرب بنطاق أوسع. فموسكو، كما يشير بعض المحللين، قد لا ترى الهجوم الأوكرانى بمعزل عن دعم الناتو الاستخباراتى والتقنى، وقد تعتبره مشاركة غير مباشرة فى الحرب. • • • من الواضح أن «بيرل هاربر الأوكرانية» ليست مجرد لحظة تكتيكية ناجحة، بل لحظة مفصلية فى مسار الحرب، أهانت فيها المسيّرات عرش الردع الروسى. لكن السؤال الذى يبدو أن موسكو نفسها لم تجب عنه بعد: هل ترد بهدوء الدولة العاقلة، أم بغضب الإمبراطورية الجريحة؟ برأيى، ما جرى لن يُمحى بردود تقليدية، ولا يُستبعد أن تختار موسكو تصعيدًا نوعيًا «مفاجئًا» لحفظ ماء وجهها، داخليًا ودوليًا. وحينها، قد تُدرك أوكرانيا والغرب أن النشوة لحظة، أما الحسابات الاستراتيجية فهى طويلة الأجل ومكلفة.