ورد سؤال إلى دار الإفتاء، حول عدة المتوفى عنها زوجها بعدما دفعت الرسوم المقررة للسفر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج. وجاء نص السؤال كالآتي: "زوجة تقدمت إلى وزارة السياحة للحج وقُبِلَ الطلب ودفعت مبلغ 20 ألف جنيه قبل وفاة زوجها، مع العلم أنها الحجة الثانية، وأنها قد أدت فريضة الحج سابقًا.. فهل يجوز لها الحج؟". - حكم الحج للمعدة لوفاة زوجها أجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق، على هذا السؤال، قائلا إنه ما دامت الزوجة قد سددت رسوم الحج ونفقاته ومصروفاته في حياة زوجها، ولم يَعُدْ بإمكانها استردادُها فإنه يجوز لها أن تسافر للحج في العدة حتى لا يضيع عليها مالها ولا إثم عليها حينئذٍ. واستدل على ذلك بأن اختيارها والإذن لها بالسفر ودفعها لنفقات الحج التي لا تُسْتَرَدُّ هو بمثابة دخولها في السفر ومُضِيِّها فيه، والرخصة في ذلك كالرخصة عند خوف فوت الرفقة، ودرء المشقة الحاصلة من تفويت الحج أعظم من جلب مصلحة الاعتداد في المنزل، فكان تقديم الحج أَوْلَى، لا سيما وقد دخلت مقدماته في حياة الزوج وبإذنه، ولا يخفى أن من مقاصد الشريعة رفع الضرر عن المكلفين ودفع المشاقِّ عنهم، كما تقرر في قواعد الفقه أن المشقة تجلب التيسير، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع. وتابع "علام"، أن ضياع هذا المبلغ من المال عليها هو ضرر يجب رفعه، وتقرر أن "الضرورات تبيح المحظورات"، وأن "الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة"، وسفر المعتدة للحج وإن كان محظورًا في الأصل إلا أن الحفاظ على المال الذي دفعته في نفقات الحج هو ضرورة تبيح هذا المحظور؛ لأن المال من الكليات الخمس العليا التي يجب الحفاظ عليها في الشريعة الإسلامية. - ما هي العدة؟ بحسب دار الإفتاء، فمن المقرر شرعًا أنه يجب على المرأة المتوفَّى عنها زوجُها أن تتربص وتعتدَّ 4 أشهر و10 أيام؛ لقوله تعالى: ﴿والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُونَ أَزواجًا يَتَرَبَّصنَ بأَنفُسِهنَّ أَربَعةَ أَشهُرٍ وعَشرًا فإذا بَلَغنَ أَجَلَهنَّ فلا جُناحَ عليكم فيما فَعَلنَ في أَنفُسِهنَّ بالمَعرُوفِ واللهُ بما تَعمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234]. - حكم خروج المرأة من بيتها في فترة العدة في هذا الشأن، يري الفقهاء، أنَّ السُّكنَى من لوازم الاعتداد؛ فتمكث المعتدة مدة عدتها في بيتها، فلا تخرج لحج ولا لغيره؛ واستدلوا على ذلك بحديث الفُرَيعةِ بنتِ مالِكِ بنِ سِنانٍ رضي الله عنها -وهي أُختُ أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنهما- أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَها أَن تَمكُثَ في بيتها حتى تَنتَهِيَ عِدَّتُها. رواه الإمام مالِكٌ في "المُوَطَّأِ"، والشَّافعيُّ عنه، وأَحمَدُ وأَبُو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابنُ ماجه وصححه ابنُ حِبّانَ والحاكِمُ. ونُقِل عن بعض السلف مِن الصحابة والتابعين، أن السُّكنى ليست مِن العدة فيجوز للمعتدة أن تعتد حيث شاءت، ولا يحرُم عليها أن تحج أو تعتمر في عدتها، رُوِيَ ذلك عن علي بن أبي طالب، وعبدالله بن عباس، وأم المؤمنين عائشة، وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم، وبه قال الحسن البصري، وجابر بن زيد، وعطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب الظاهرية، وحجتهم: أن الآية دلَّت على وجوب العدة لا على وجوب السُّكنى للمعتدة، وأجابوا عن الحديث بأنه "ضعيف"، وأنه على فرض صحته فإنه واقعة عين. ونصَّ العلماء على أن من شرط الحج للمرأة أن لا تكون في عدة وفاة أو طلاق، فإن خالف وحجَّت صح حجُّها وكانت آثمة، واستثنى الفقهاء من ذلك ما إذا كانت المرأة قد أحرمت بالحج، أو كانت قد سافرت.