تصحيح المسار في المحليات.. إنهاء خدمة 15 قيادة ومفاجآت مثيرة بحركة التغيير    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    الأمين العام للإنتوساي تشيد بدور مصر في تعزيز التعاون الدولي ومواجهة الأزمات    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    نجاح المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي، السيسي: مصر ستظل دوما أرض السلام والتسامح    الزراعة: تحصين 421 ألف رأس ماشية خلال أول 3 أيام من الحملة القومية ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع    تحصين 421 ألف رأس ماشية ضد الحُمّى القلاعية و الوادى المتصدع فى 3 أيام    محافظ الجيزة: رفع جاهزية المنشآت السياحية لاستقبال ملايين الزائرين عقب افتتاح المتحف    اسعار اللحوم اليوم الأربعاء 29اكتوبر 2025 بمحلات الجزارة فى المنيا    وزير التعليم العالي يشارك في مؤتمر Going Global بلندن ويجتمع مع الطلاب المصريين الدارسين بالمملكة المتحدة    عودة الساعة القديمة بدءًا من غد.. التوقيت الشتوي رسميًا وتأخير العقارب 60 دقيقة    تراجع أرباح مرسيدس بنحو الثلث في الربع الثالث من 2025    الرئيس الأنجولي يستقبل كامل الوزير    ب 9200 طن مساعدات، الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة "زاد العزة 61" إلى غزة    استمرار دخول المساعدات إلى غزة رغم الخروقات الإسرائيلية    بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية المبكرة في هولندا    يد - موعد مواجهة مصر وإسبانيا في نصف نهائي بطولة العالم للناشئين.. والقناة الناقلة    تواجد مصطفى محمد.. تشكيل نانت المتوقع أمام موناكو بالدوري الفرنسي    صمت الأهلي يثير التساؤلات.. إمام عاشور يتعافى من فيروس A ومروان عطية يعلن الخبر قبل النادي    رعم الفوز على النصر.. مدرب اتحاد جدة: الحكم لم يوفق في إدارة اللقاء    مرتجي: ضحيت بمنصب نائب الرئيس من أجل الأهلي    هاتف المتهم يقود للخيط الأخطر.. تفاصيل جديدة في جريمة قتل ربة منزل وأطفالها الثلاثة بفيصل    «الأرصاد الجوية»: طقس خريفي معتدل نهارًا مائل للبرودة ليلاً    ننشر مواعيد تشغيل مترو الأنفاق والقطار الكهربائي في التوقيت الشتوي    «الداخلية» تضبط 19 شخصًا بتهمة استغلال أطفال في التسول وبيع السلع بالقليوبية    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بالفيوم    شاب مدمن للمخدرات يعتدى على والدته بسكين لرفضها منحه أموالا فى الفيوم    لغز وجود فنانة غامضة في افتتاح المتحف المصري الكبير يثير حالة من الجدل    وزير الثقافة يفتتح قصر ثقافة الطفل بسوهاج بعد تطويره.. مباشر    الذكرى الأولى لرحيل حسن يوسف.. «ولد شقي» عاش للفن ومات بقلب مكسور    مواقيت الصلاة بمطروح اليوم الأربعاء 29 أكتوبر    نقيب القراء يرصد خطأين في التلاوة للقارئ أحمد نعينع شيخ عموم المقارئ    وكيل الصحة بالإسكندرية يجري جولة تفقدية لمستشفى الجمهورية العام    أخطاء الأهل أثناء المذاكرة مع الأطفال: كيف نحول الضغط إلى دعم؟    طريقة عمل طاجن البطاطا بالمكسرات.. تحلية سريعة في 20 دقيقة    بالدموع والإيمان.. ربى حبشي تعلن عودة مرض السرطان على الهواء مباشرة    استشاري صحة نفسية: الأم المدخنة خلال الحمل تزيد احتمالية إصابة طفلها ب فرط الحركة    أمام قمة أبيك.. رئيس كوريا الجنوبية يحذر من تصاعد الإجراءات الحمائية    قوة إعصار ميليسا تنخفض للفئة الثالثة مع اقترابها من كوبا    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    قصائد تتغنى بالشارقة والذات في بيت الشعر بالشارقة    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    بلد السلام    سوزي الأردنية تواجه أول حكم من المحكمة الاقتصادية    عاجل- 40 رئيسًا وملكًا ورئيس حكومة يشاركون في افتتاح المتحف المصري الكبير    اليوم.. الأهلى يتحدى بتروجت من أجل "صدارة" الدوري    حقيقة وجود تذاكر لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    18 قتيلا فى غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا    د.حماد عبدالله يكتب: ومن الحب ما قتل !!    طائرات مسيرة أوكرانية تستهدف مستودع وقود في منطقة أوليانوفسك الروسية    جواهر تعود بحلم جديد.. تعاون فني لافت مع إيهاب عبد اللطيف في "فارس أحلامي" يكشف ملامح مرحلة مختلفة    دعاء الفجر | اللهم اجعل لي نصيبًا من الخير واصرف عني كل شر    أحمد عيد عبدالملك: الزمالك تأثر برحيل مصطفى شلبي    «زي النهارده».. حل جماعة الإخوان المسلمين 29 أكتوبر 1954    في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي    رسميًا.. موعد امتحان 4474 وظيفة معلم مساعد رياض أطفال بالأزهر الشريف (الرابط المباشر)    تدريب طلاب إعلام المنصورة داخل مبنى ماسبيرو لمدة شهر كامل    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية قنبلة للاستخدام الشخصي.. عن تحول القضية الفلسطينية إلى نبض إنساني مشترك
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2025

ميرنا المهدى تعتمد على إيقاع سريع وشخصيات متقنة تنتصر لحق أصحاب الأرض

رواية تبتعد عن النمطية، مع حبكة مغايرة وشحنة وجدانية، تناقش أبعادا متعلقة بالقضية المركزية للعرب «فلسطين»، وتفضح جرائم المحتل، هى «قنبلة للاستخدام الشخصى»، للكاتبة ميرنا المهدى، وتقدم سردًا مختلفًا يحمل فى طياته رؤية فنية جديدة ونبرة صادقة. الرواية لا تعيد فقط تسليط الضوء على نكبة 1948، بل تُعيد تفكيكها من زاوية مغايرة، تدمج الخاص بالعام، والذاتى بالوطنى، لتكشف الستار عن ممارسات الاحتلال التى غالبًا ما تُغلف بالصمت أو تُغرق فى العموميات، بأسلوب غير مألوف، تسائل الرواية التاريخ، وتدعو قارئها لإعادة النظر فى روايات «المنتصر»، وتُضىء على أبعاد مظلمة فى حرب الجواسيس والمذابح والمقاومة.
ما يميز النص أن كاتبته اختارت أن تسير عكس التيار، فابتعدت عن الأسلوب الروائى الكلاسيكى المتأنّى، وفضّلت بنية سردية أقرب إلى السيناريو السينمائى المتحمور حول الجاسوسية ، بتقطيع سريع للمشاهد، وانتقالات حادة ومباشرة. الإيقاع لا يهدأ، واللغة تحتفظ بقوتها دون أن تفقد سلاستها، بما يجعل النص متاحًا لشريحة عمرية أوسع، خصوصًا اليافعين، دون أن يُفرّط فى عمقه أو يسقط فى التبسيط الساذج. هذا التوازن بين التكثيف والوضوح، وبين الإحساس والتوثيق، يجعل من الرواية عملًا متفردًا، يتجاوز حدود الأدب ليصبح أداة للمعرفة والوعى والطرح الجاد.
رواية ميرنا المهدى ليست نصًا تقليديًا يُروى على مهل أو يُستساغ عبر مشاهد وجدانية مطوّلة، بل هى سرد مكثف أشبه بكتابة سينمائية شديدة التكثيف والسرعة، كل مشهد فيها ينبض بالحركة، كأنك تتابع مشاهد فيلم مشوّق لا يمنحك فرصة لالتقاط أنفاسك. اللغة قوية ومباشرة، دون أن تقع فى فخ التصنع أو المبالغة، وهو ما يجعل النص قريبًا من القارئ، خاصة القارئ اليافع، الذى غالبًا ما ينفر من التعقيد اللغوى أو الإسهاب الإنشائى.
الرواية تتعامل مع نكبة 1948، ولكن المثير للدهشة أن بداية الحكاية ونهايتها تأتيان بصوت لا يمتّ للعروبة بصلة، بل إنه صوت ينتمى لجنسية أخرى، وربما كان هذا ما أضفى على السرد بعدًا إنسانيًا شاملًا، يتجاوز الأطر الإقليمية والدينية التى غالبًا ما تُختزل فيها القضية الفلسطينية، إن هذا المنظور المختلف لا يضعف حضور المأساة، بل على العكس، يعيد تقديمها بزاوية نظر غير مألوفة، تمنح القارئ فرصة لرؤية المسألة الفلسطينية من موقع المحايد المتعاطف، لا المتورط أو المتهم.
والمفاجأة أن الساردة تنتمى للأرمن، لتُدخل الرواية تلقائيًا فى مقارنة غير مباشرة بين جراح الأرمن التى لا تزال تنزف حتى اليوم، ومآسى الفلسطينيين الممتدة عبر عقود. هذه الموازاة لم تأتِ ادعاءً أو تعسفًا، بل كانت مدخلاً ذكيًا لربط قضايا الإبادة والتشريد بين شعبين يختلفان جغرافيًا وتاريخيًا، لكن يتقاطعان فى تفاصيل الألم والاقتلاع والضياع.
وعلى الرغم من أن الرواية تمثل محاولة سردية لإعادة توثيق الجرائم التى ارتكبتها الميليشيات الصهيونية عام النكبة، فإنها لا تأتى فى شكل تقرير أو سجل تاريخى مباشر، بل تأخذ هيئة قصة تجسسية مثيرة، تشدّ القارئ بخيوطها البوليسية إلى قلب شبكات التجسس التى أرست لاحقًا دعائم جهاز الموساد الإسرائيلى، هذه الحبكة البوليسية، بما تحمله من توتر وتشويق، كانت الوعاء المثالى لتمرير كم هائل من المعلومات التاريخية دون أن يشعر القارئ بالملل أو التلقين.
أما الشخصيات، فهى ليست مجرد أدوات للحبكة أو رموز نمطية تُستخدم لتمرير الأفكار، بل هى أرواح نابضة بالتفاصيل، مرسومة بعناية بالغة. كل شخصية تحمل حكاية مكتملة، مشحونة بالضعف الإنساني، والأمل، والخيبة، والتوق للحياة. بعضها يربكك بتناقضاته، وبعضها يُحطمك بانكساراته، لكنها جميعًا تفرض وجودها فى ذاكرتك بعد إغلاق الكتاب.
وتكمن جرأة الكاتبة فى تقديم عمل بهذه الحساسية دون أن تغرق فى تنظير تاريخى أو تعقيد سياسى، بل اختارت أن تسرد كل شىء ببساطة مدروسة، تحترم وعى القارئ الشاب دون أن تستهين به، هذا التوازن الدقيق بين التبسيط والعمق هو أحد أعظم إنجازات الرواية. فبينما تتحرك الحكاية عبر محطات متعددة – من يافا إلى حيفا، ومن عكا إلى قرى فلسطينية أُبيدت عن بكرة أبيها – لا يشعر القارئ أن ثمة استسهالًا أو اختزالًا لما حدث.
والأكثر بروزًا أن الرواية تخلع عن الفلسطينيين الصورة النمطية المكررة عن شعب مستسلم أو عاجز. فهى تؤكد فى كل مشهد، وفى كل قرار تتخذه الشخصيات، أن الأرض لم تُسلّم طواعية، وأن المقاومة لم تكن وهمًا، بل حقيقة واقعة، حتى وإن تعرضت لانتكاسات مؤقتة، فالرواية تُفكك الكذبة المتكررة بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم، وتعيد سرد الوقائع بلغة قادرة على الوصول إلى وجدان القارئ الصغير قبل الكبير.
وربما ما يجعل النص مؤثرًا بهذا الشكل هو قدرته على خلق حالة شعورية متكاملة: مزيج من الألم العميق، والحزن النبيل، والغضب النقى، يرافقه لحظات من الأمل والانتصار والارتباك والتساؤل. هو كتاب يدفعك للبكاء، ثم يعيد لك شيئًا من الرجاء. يشدك إلى الوراء لتفهم الماضى، ثم يدفعك إلى الأمام لتعيد التفكير فى الحاضر.
«قنبلة للاستخدام الشخصى» ليست مجرد رواية، بل هى شحنة وجدانية مشتعلة، صيغت ببراعة فنية عالية، لتمنح القضية الفلسطينية وجهًا جديدًا، وصوتًا أوسع، وساحة تعاطف لا تقتصر على أصحاب اللغة أو الدين، بل تمتد لتشمل الإنسانية كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.