فى الوقت الذى مازالت تتصاعد فيه الأبخرة والغازات البركانية السامة من بركان أيسلندا مسببة ارتباكا لرحلات خطوط الطيران حول العالم كله بسحابتها الكثيفة، فإن هناك سحابة أخرى غير مرئية وشديدة الخطورة تنتشر باستمرار وبخطى ثابتة حول العالم بأكمله. فمع انتقال تخزين البيانات الرقمية من الأقراص الصلبة على أجهزة الكمبيوتر إلى نظام الحوسبة السحابية Cloud Computing والتخزين على الإنترنت، زادت كمية النفايات الرقمية المهدرة بشكل هائل خلال العقد الأخير، وتتضمن هذه النفايات الرقمية الرسائل الالكترونية والصور ومقاطع الفيديو والموسيقى التى يتم تخزينها على الإنترنت دون حاجة حقيقية لها، ودون أن يعاد استخدامها مرة أخرى. وأدى تطور نظام الحوسبة السحابية وانتشاره إلى إمكانية ترك جميع وسائل تخزين البيانات السابقة التى كان يحتفظ المستخدمون عن طريقها بملفاتهم الرقمية، وأصبح بالإمكان إلقاء جميع البيانات والمعلومات الرقمية فى سحابة واحدة كبيرة يتم حفظها على الإنترنت. والمقصود بنظام الحوسبة السحابية هو نظام التخزين الحديث للمعلومات والملفات الرقمية على الإنترنت، داخل مراكز عملاقة لحفظ المعلومات تستهلك طاقة هائلة، لتستطيع القيام بدورها فى حفظ بيانات المستخدمين الرقمية وإعادتها إليهم عند طلبها. الإنترنت وتوفير الطاقة قبل بداية الألفية الثانية انتهت دراسة سابقة قام بها جوزيف روم عام 1999 تحت عنوان «اقتصاديات الإنترنت والاحتباس الحرارى»، إلى أن التوسع فى استخدام الإنترنت فى عملية البيع المباشر للمستهلكين بشكل لا مركزى سيؤدى إلى تخفيض استهلاك الطاقة. وانخفاض نسبة الغازات الضارة للغلاف الجوى بشكل كبير مع حلول عام 2010، إلا أن الأمور تحولت بشكل كبير عما كان يتوقعه روم فى دراسته، فمع كل يوم يمر يتم تخزين المزيد من المعلومات الرقمية على شبكة الإنترنت بشكل متصاعد. مما يحتاج إلى المزيد من مراكز المعلومات العملاقة التى تستهلك كميات هائلة من الطاقة، التى بدورها تنتج كميات هائلة من غاز ثانى أوكسيد الكربون، الذى يترسب أسفل الغلاف الجوى ويساعد على زيادة ظاهرة الاحتباس الحرارى فى الكرة الأرضية بشكل كبير للغاية. وكمثال على حجم النفايات الرقمية المهدرة وكمية الطاقة التى تستهلكها، أصدرت شركة «مكافى» Macaffe لمكافحة الفيروسات مؤخرا تقريرا تقول فيه إن كمية الطاقة الكهربية التى تحتاجها عملية نقل الرسائل الالكترونية المتطفلة التى تعد بمليارات الرسائل سنويا. تعادل الطاقة الكهربية التى يتم استخدامها لإضاءة أكثر من مليونى منزل فى الولاياتالمتحدة، ليس هذا فقط، بل تعادل أيضا كمية عوادم السيارات التى تطلقها ثلاثة ملايين سيارة متحركة. وفى تقرير آخر لمنظمة «جرين بيس» Greenpeace، فإن حجم استهلاك الطاقة عالميا بسبب نظام الحوسبة السحابية سيزداد من 632 مليار كيلو واط حاليا إلى 1963 كيلو واط مع حلول عام 2020، وسيصل انبعاث غاز ثانى أوكسيد الكربون إلى أكثر من 1034 ميجا طن. الحرص على توفير الطاقة حاليا بدأ عدد من الشركات العملاقة العاملة فى مجال تكنولوجيا المعلومات فى التنبه إلى خطورة الاستمرار على هذه الوتيرة القاتلة للبيئة من حولنا، فكانت شركة جوجل من أولى الشركات التى اتخذت إجراءات صارمة لتخفيض استهلاك الطاقة داخل مراكز المعلومات الخاصة بها. حيث بدأت فى تطبيق سياسة الاستخدام الكفء للطاقة فى تلك المراكز. ومحاولة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل هذه المراكز دون إصدار غازات ضارة بالبيئة. وفى القارة الأوروبية قامت واحدة من أكبر الشركات هناك وهى شركة «ستارتو» Starto الألمانية التى تعمل فى مجال توفير المساحات على شبكة الإنترنت بإجراء حساباتها الخاصة، التى وصلت من خلالها فى النهاية إلى أنه من الممكن تقليل استهلاك الطاقة عن طريق تبنى واختيار الأجهزة والبرامج عالية الكفاءة والتى تعمل على توفير الطاقة فى نفس الوقت. بالإضافة إلى استخدام أنظمة تبريد ملائمة، كما قامت شركة ستارتو فى عام 2008 بتقليل انبعاثاتها من غاز ثانى أوكسيد الكربون عن طريق الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة لتغذية مراكز المعلومات الخاصة بها. المبرمجون ومشكلة الطاقة من ناحية أخرى، فإن هناك مشكلة تواجه مبرمجى الكمبيوتر لتطوير برامج تساعد على الحفاظ على البيئة والحد من انبعاث الغازات السامة، حيث تقاس كفاءة البرنامج فى توفير الطاقة فى طريقة كتابته نفسها، فتزيد كفاءة البرنامج فى الحفاظ على الطاقة كلما كان الرمز الذى تمت كتابته عن طريقه قصيرا وواضحا بطريقة فعالة، مما يؤدى إلى تقليل عدد العمليات الحسابية المعقدة التى يقوم بها الكمبيوتر أثناء تشغيله، التى تؤدى إلى إهدار الطاقة فى النهاية. ومع التطوير الدائم الذى يطرأ على صيغ وامتدادات الملفات المختلفة، تزيد كمية النفايات الرقمية التى لا يستفيد منها المستخدم، والتى تستهلك حيزا غير صغير من نظام الحوسبة السحابية، وتستهلك العديد من الطاقة بدون أية فائدة تذكر. ويحذر العديد من الخبراء من أنه إذا لم ننتقل لمعايير عالمية محددة وثابتة لصيغ وامتدادات الملفات فإن الكثير من الملفات الرقمية المخزنة على نظام الحوسبة السحابية ستصبح لغزا مشفرا لا يستطيع أحد فك تشفيره، فى حين ستظل مخزنة إلى الأبد تستهلك المزيد من الطاقة وتساعد فى زيادة ظاهرة الاحتباس الحرارى على الأرض.