يبدو أن مهرجان «كان» السينمائى لم يستطع الاستغناء عن كرة القدم والأفلام التى تتناولها. فمنذ عامين عرض خارج المسابقة فيلم «مارادونا. بعيون كوستاريكا» للمخرج البوسنى الكبير «إمير كوستاريكا». والذى تناول فيه بشكل وثائقى جانب مهم من حياة «دييجو أرماندو مارادونا» أفضل لاعب كرة قدم فى التاريخ تحدث خلاله النجم الأرجنتينى عن تجربته مع المخدرات والعديد من الذكريات الأخرى. أما العام الماضى فقد شارك فى المسابقة الرسمية فيلم «البحث عن إريك» للمخرج البريطانى الكبير «كين لوش» ومن بطولة نجم كرة القدم الفرنسى «إريك كانتونا» عن عامل بريد إنجليزى متيم ب«كانتونا» ويتخيل أن هذا الأخير يظهر له فى الحقيقة ليساعده على تخطى أزماته فى الحياة. هذه المرة ورغم خلو الأقسام المهمة من أى فيلم عن اللعبة الشعبية الأولى، إلا أنه تم عرض فيلم «The Two Escobars» (أو الإسكوباران) نسبة إلى نجم كرة القدم الكولومبى الراحل «آندريس إسكوبار» وإمبراطور المخدرات الكولومبى أيضا «بابلو إسكوبار» فى إطار قسم «سينما الشاطئ» (Cinema de la Plage) وهو قسم ترفيهى ب«كان» يعرض أفلام من كلاسيكيات السينما بالإضافة إلى أفلام حديثة ذات طابع جذاب (ترفيهية أو موسيقية) على شاشة كبيرة تقام على أحد شواطئ المدينة وبحضور جمهور مستلقى على كراسى بحر. ورغم حداثة الفيلم (من إنتاج 2010) وطبيعته القاتمة التى قد تتعارض مع مفهوم سينما الشاطئ، إلا أننى استمتعت متعة غير متناهية أثناء مشاهدتى هذا الفيلم الوثائقى فى العرض الوحيد الذى أقيم له بالمهرجان وذلك فى ليلة شديدة البرودة دفعت منظمى العرض إلى توزيع بطاطين على الحضور لحمايتهم من نزلات البرد. الفيلم الأمريكى الذى أخرجه الأخوان جيف ومايكل زيمبالست ينتقل طوال مدته بين قصتين الأولى خاصة بمقتل لاعب الكرة أندريس إسكوبار على يد رجال عصابات كولومبية بعد تسببه فى خروج منتخب بلاده من كأس العالم لتسجيله هدف بالخطأ فى مرماه أمام المنتخب الأمريكى عام 1994. القصة الثانية ل«بابلو إسكوبار» أكبر تاجر مخدرات فى كولومبيا والذى ارتكب مجازر فى بلده وأدى عشقه لكرة القدم إلى تلويثه لها حتى انتهى الأمر بمقتله عام 1993 بعد مطاردات واسعة له من الشرطة الكولومبية بمساعدة من الإدارة الأمريكية والعصابات المنافسة لإسكوبار. سيطر الحزن على عرض قصة «إسكوبار» اللاعب خاصة مع توالى شهادات أخته وخطيبته وقت مقتله وزملائه اللاعبين ممن زاملوه فى المنتخب فى تلك الفترة التى تعتبر أزهى عصور الكرة الكولومبية، أجمعوا أنهم كانوا على يقين أن مكروها سيصيب «آندريس» بعد عودته إلى وطنه وتسببه فى هزيمة فريقه. مكروه لا يقترفه فى بلد مثل كولومبيا سوى عصابات المخدرات التى نجحت لسنوات خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، من إحكام قبضتها على البلاد بل وبلغ الأمر بأن سيطرت كل عصابة من الكبار على النادى المفضل لديها فى كرة القدم. عشقهم للكرة سمح لهم بتلويثها فنقلوا صراعاتهم القذرة إلى ملاعب الرياضة مما أدى إلى مقتل عدد من حكام كرة القدم ممن لم تكن قراراتهم فى الملعب فى مصلحتهم. أغرقوا ساحات الرياضة بأموالهم فساعدوا على نهضة الكرة الكولومبية بجذبهم للاعبين أجانب مهمين إلى ملاعبهم والاحتفاظ بأفضل مواهب البلد فى الدورى المحلى. نهضة لم تدم كثيرا حيث تسببت نفس تلك الأموال فى غياب المبادىء والقيم الرياضية وحولت اللاعبين إلى أدوات فى أيدى عصابات المخدرات فأصبحوا يلعبون وهم يعلمون أن أرواحهم وأرواح أهاليهم فى خطر، ومرتبطة بنتيجة المباريات المشاركين فيها. سيطرة جعلت هؤلاء اللاعبين ملزمين بزيارة «بابلو إسكوبار» فى سجنه ولعب مباراة كرة معه قبيل إنطلاقهم إلى كأس العالم. ومع هذا الضغط المتواصل والتهديدات التى تلقاها اللاعبون بعد الهزيمة فى المباراة الأولى فى البطولة أمام رومانيا، بل وتهديد المدرب بالقتل فى حال عدم استبعاد أحد اللاعبين من التشكيل. كان لزاما أن تنهار أعصاب أعضاء الفريق فى المباراة التالية وأن يخطئ أحدهم ويصيب مرماه بهدف ليعودوا إلى بلادهم منتظرين الهلاك. أسرار وحكايات مفزعة تلك نجح فى كشفها مخرجا الفيلم من خلال حوار مع الذراع اليمنى للإرهابى «إسكوبار» تم معه فى سجنه. «الإسكوباران» فيلم مهم جدا خاصة لمحبى كرة القدم للتعرف على هذا الوجه الحقير لكرة القدم والمتخفى وراء إبهار البطولات وانتقالات اللاعبين والمظهر المشرق الخداع لهذه الرياضة المجنونة التى قد يكون حبها فى أحيان كثيرة قاتلا.