من المحرج أن تكتشف أنك تخوض الحرب الخطأ. وقد أوضحت مراجعة استراتيجية أفغانستان، التى أمر الرئيس أوباما بإعدادها، وكشف عنها يوم الجمعة «27 مارس»، ما فهمه الجنود والدبلوماسيون الأمريكيون والبريطانيون منذ شهور عديدة: القاعدة رسخت الآن وجودها فى باكستان، التى يمثل نظامها المتداعى تهديدا بالغا للنظام الدولى أكثر من أى شىء يحدث لدى جارتها. فقد روعت واشنطن، بسبب خطر «بشتونستان العظمى»، التى تغطى باكستان وجنوب وشرق أفغانستان، وتهيمن عليها الميليشيات الإسلامية، وربما تستطيع هذه المليشيات فى نهاية المطاف منح القاعدة فرصة الحصول على الأسلحة النووية. ويبدو التحذير الغربى من مثل هذا الاحتمال، مقنعا للغاية، خاصة أن حكومة إسلام أباد سلمت السيطرة على وادى سوات إلى طالبان. والمشكلة الآن هى ماذا نفعل بهذا الشأن. فبعد 30 عاما من السياسات الأمريكية سيئة التقدير، بداية من دعم المجاهدين الأفغان إبان الحرب الباردة، وما صاحبه من مساندة الدكتاتورية العسكرية فى باكستان والتسامح مع برنامجها النووى، نشط التشدد الإسلامى، وجعل نسبة كبيرة من سكان البلاد البالغ عددهم 173 مليونا تناصب أمريكا العداء. ويبزغ أيضا رافد جديد، وهو الغضب الشعبى من أجل فلسطين، وهى قضية لم يكن الباكستانيون أو الأفغان يهتمون بها كثيرا من قبل. وأسهمت قناة الجزيرة على نحو كبير فى رفع درجة الوعى بالقمع الإسرائيلى فى غزة والضفة الغربية، وبالمساندة الأمريكية لهذا القمع. كما أدى فهم النفاق فى الادعاءات الأمريكية بترويج الحرية ومبادئها إلى المزيد من تباعد المسلمين. وتسعى السياسة الأمريكية الآن لمعالجة معظم هذه القضايا على أسس إقليمية واسعة النطاق، رغم أن تغيير الموقف من إسرائيل أمر غير محتمل. ومن المتوقع بذل جهد دبلوماسى كبير فى محاولة للتهدئة فى كشمير التى هى أهم أسباب اضطراب العلاقات الهندية الباكستانية. ويريد الرئيس أوباما منح إسلام أباد 1.5 مليار دولار سنويا، طوال السنوات الخمس المقبلة، فى صورة معونات مدنية. غير أنه لا يكاد يوجد بين الباكستانيين، وبوجه خاص المقاتلون الإسلاميون، من يؤثر عليه المال وحده. وأى محاولة أمريكية واضحة للتأثير على شئون البلاد الداخلية سيكون لها أثر عكسى، إن لم يكن مفجعا. وفيما يتعلق بأفغانستان، لا يفترض أحد أن البلد مازال يسهم على نحو كبير فى عمليات القاعدة، باستثناء توفير ميدان قتال يستطيع فيه الجهاديون قتل الغربيين. وفى شهادته أمام لجنة الخدمات العسكرية بالكونجرس فى ديسمبر، قال ستيفن بيدل، عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، وكان مستشارا لبتريوس فى العراق: «من الواضح أننا لا نستطيع تحمل شن حرب سياسية باستخدام ألوية متعددة من القوات البرية الأمريكية، لمجرد حرمان القاعدة من ملاذ آمن سياسيا. فسوف تنفد ألويتنا قبل وقت طويل من نفاد الملاجئ المحتملة لأسامة بن لادن». لكن واشنطن مازالت مقتنعة، وتشاركها بريطانيا ذلك الاقتناع، بأن السماح بسقوط أفغانستان فى أيدى طالبان وهو ما سيحدث إذا انسحب الحلفاء سيكون له أثر مفجع على استقرار الإقليم، وعلى مصير باكستان. ومن ثم، فمازال الأمريكيون والبريطانيون ملتزمين بمحاولة تحقيق حد أدنى من النجاح. ولا يتوقع أحد قيام ديمقراطية على النمط الغربى. غير أن التعهد بزيادة القوات يهدف، على الأقل، للحيلولة دون سيطرة طالبان على البلاد من جديد. وقد أدرك «بتريوس»، والقادة الأمريكيون المحليون، مع نظرائهم البريطانيون، أنه لا معنى لمجرد قتل المتمردين. وسوف تعتمد الاستراتيجية من الآن فصاعدا على توفير الأمن للسكان، وتمكين حكومة كابول من تقديم الخدمات الأساسية، وكذلك تمكين الأفغان من مساعدة أنفسهم. وسوف تواصل واشنطن مساندة رئاسة حامد كرزاى، وتحاول دعم نظامه من الداخل، سواء كان ذلك صوابا أم لا. ويعتبر «اللعب المتعادل» أهم السبل، عبر السماح للجماعات العرقية الأفغانية المختلفة بل رشوتها بإدارة شئونها على النحو الذى تختاره، إذا نبذت التمرد فحسب. ويستمر استهداف وقتل الطالبانيين المتشددين، وهم يعتبرون أقلية، ومع ذلك سوف يتم الترحيب بأولئك الذين أطلق عليهم كيلكولن «رجال حرب عصابة بالمصادفة»، فى حظيرة الحلفاء. وهناك صعوبات كثيرة فى مواجهة ذلك. فقبل عام، كان الحلفاء يعلقون آمالهم على توسعات درامية فى الجيش الأفغانى، الذى تحسن أداؤه على نحو ملحوظ. غير أن المعروض من الضباط وضباط الصف الأكفاء قد استنزف، وهو ما يحول دون مزيد من التوسع. ومازالت الشرطة فى حالة يائسة. وتقترح واشنطن إرسال خبراء فى المساعدات المدنية؛ مهندسين، ومحامين، ومحاسبين، لتعويض النقص الحاد فى الأشخاص الأكفاء الذين تحتاجهم كابول لتشغيل بنيتها الأساسية. ولكن يصعب الاقتناع بأن الأجانب حيث يندر أن يتحدث أحدهم لغة «الباشتو» سوف يسهل عليهم العمل مع الأفغان، حتى لو ضمنوا سلامتهم. ومازال تعهد الناتو يعانى من انقسامات القيادة والمبادئ، ومن نقص المعدات، خاصة المروحيات. والأهم من كل ذلك، مشكلة الإطار الزمنى. فهناك إجماع تقريبا على أن تحقيق استقرار أفغانستان، يتطلب دعما عسكريا أجنبيا لعدة سنوات، وربما لعقود. غير أن مسئولى إدارة أوباما، يتحدثون سرا عن الحاجة لتحقيق بعض التقدم قبل انتخابات الكونجرس لمنتصف المدة، والمقرر إجراؤها العام المقبل. ورغم انتقاد الأمريكيين الأداء البريطانى فى إقليم «هلمند» بشدة، فإن لديهم رغبة قوية فى بقائنا. وإذا استجابت حكومة بريطانية لضجر الجماهير المتصاعد من الحرب، بتخفيض التزامها نحو أفغانستان، فستكون العواقب السياسية والعسكرية وخيمة. وفى اجتماع عقد هذا الأسبوع بمناسبة مرور 60 عاما على قيام حلف «الناتو»، عرف أوباما أنه لا يستطيع توقع التزام معظم رؤساء الدول الحاضرين بزيادة كبيرة فى القوات. ويرغب أعضاء الناتو الرئيسيون فى إظهار إشارات مساندة، ولكنهم يقنعون أنفسهم بأن شعوبهم لم تمنحهم تفويضا كى يسمحوا لجنودهم بأن يقاتلوا ويقتلوا. ويناضل جوردون براون من أجل سد الثغرة، فى بعض التقديرات على الأقل، بإرسال ألفى رجل آخرين لتعزيز ثمانية آلاف جندى بريطانى على الأرض. وليس من المتوقع أن يؤثر التعهد بزيادة القوات على الجمهور البريطانى، تأثيرا أفضل مما فعل إعلان أوباما عن الزيادة الكبيرة بمقدار 21 ألفا، مع جمهور ناخبيه. ومازال بعض الضباط والدبلوماسيين البريطانيين غير متأكدين مما إذا كان لدى بتريوس خطة عملية من أجل أفغانستان. ومازال الجدل دائرا حول إمكانية تحقيق الاستقرار فى هذا البلد، مع مواجهة حقيقة أن طالبان صارت أقوى مما كانت عليه فى باكستان. ويتعلق الغرب بطموح يستحق الاحترام، هو تمكين شعب أفغانستان من بناء مجتمع أكثر تحضرا وإنسانية على نحو لا يقارن بما يسعى إليه طالبان والقاعدة. والصعوبة هنا، أن معظم اللاعبين الأفغان الذين يمكن تحقيق هذا الهدف من خلالهم، بداية من الرئيس كرزاى إلى من هم دونه، غير مقنعين بدور حملة لواء الفضيلة، ناهيك عن الكفاءة الإدارية. وربما يبدو من الحمق أن تدرك احتمال الفشل، ثم تجادل من أجل الاستمرار. غير أن عواقب هزيمة التحالف فى أفغانستان، والتهديد المتزايد لباكستان، تبدو خطيرة مثلما يتوقع واضعو السياسة الأمريكيون والبريطانيون. ويبدو أن الرئيس أوباما محق فى محاولة زيادة عدد القوات، وسوف يكون رئيس الوزراء البريطانى محقا أيضا فى تأييده.