يفوق إنجاز الفنان حلمى التونى مجرد تبوئه قائمة أفضل كتب الأطفال مبيعا لسنوات من خلال سلسلة «مناظر مصرية»، التى أبدعها فى الثمانينيات داعيا الأطفال والكبار إلى تلوين رسوماته المصرية الخالصة، أو حصوله على جوائز تمنحها معارض دولية مرموقة لجماليات الكتاب، مثل لايبزج وبولونيا وغيرهما، إذ لا تخلو مكتبة فى البيت المصرى من رسوم حلمى التونى سواء فى روايات الهلال التى أصبحت يستدل عليها من أغلفتها المتميزة أو كتب الأطفال التى تقفز رسوم أغلفتها إلى عين الطفل بألوانها المبهجة فتدعوه لاستكشاف عالم الأساطير والحكايات الذى ينسجه التونى بريشته التى تمرست على مدى 45 عاما. فقد تجاور إبداعه منذ بدايات الستينيات ما بين صناعة أغلفة الكتب وبين عمل رسوم الأطفال من خلال مجلات ميكى وسمير، ثم كثّف تركيزه وجهده لسنوات طويلة فى العمل فى أغلفة الروايات.. لم تكن العودة إلى كتاب الأطفال من جديد إلا بفضل عملى مع «دار الشروق» رسما وتأليفا للطفل، وحصلنا سويا على العديد من الجوائز فى الداخل والخارج مثل ميدالية معرض ليبزج فى ألمانيا عام 1992 عن كتاب «الأميرة المظلومة» الذى ألفه يعقوب الشارونى، وهو معرض عريق يسبق معرض بولونيا فى التخصص فى كتب الأطفال» كما يقول حلمى التونى. سألناه عن تقييمه لما وصل إليه كتاب الطفل المصرى، هل يتناسب مع توجهات الدولة واهتمام سيدة مصر الأولى بتنمية ثقافة الطفل والاحتفاء بالمنتج الأدبى الذى يقدم له، أجاب بحسم: «حققنا الكثير وبقى الكثير. فقد كان الحال قبل سنوات السبعينيات يرثى له، ليس فى مصر وحدها بل فى معظم البلدان العربية. ثم حدثت طفرة فى السبعينيات وأدرك بعض الناس أهمية العمل على كتاب الطفل ليس فقط كخدمة وطنية، ولكن كموضع للتباهى وإبراز الدور ومدعاه للشرف والفخر». يؤكد صاحب «كان زمان» أن نسبة القراءة ارتفعت بين الأطفال بلا شك، لكنها ليست بالدرجة التى تتناسب مع عدد سكان مصر إذا ما قورنت بأى بلد عربى آخر.. «نجد أن استهلاكنا من كتب الأطفال ليس بالقدر الكافى». تظل صورة حلمى التونى كالمستمسك بالنار، لا يكف عن محاولاته أبدا فى جذب الطفل إلى ثقافة وحضارة بلده فى وقت تشارك عناصر عديدة فى تهويمه ما بين التسطيح الأجوف والتكنولوجيا الخادعة، فيبدو انتاجه شديد التنوع والتفرع ما بين سلسلة أحسن القصص؛ «هدهد سليمان» و«ناقة صالح» و«حوت يونس» أو «قصص الحيوان فى القرآن»، التى كتبها أحمد بهجت أو بين اهتمامه بالأدب الشعبى مثل قصة جار النبى الحلو «أجمل الحكايا الشعبية»، لكنه إنتاج يجمع بين روافده الاهتمام بالذاكرة بشكل أساسى، فهو محاولة من الفنان للحفاظ على الموروث الثقافى والشعبى. قدم فى بداية سلسلة «مناظر مصرية» مظاهر مصرية من الموروث الشعبى مثل شخصية المسحراتى أو بائع العرقسوس أو الدرويش الراقص، ثم انتقل إلى «أبواب مصرية»، وكانت مجرد رسوم للتلوين للصغار والكبار، ثم أخيرا قدم نصوصا شارحة لكل رسم فى كتابه الأخير «بيت العز»، حيث يصحب كل رسم نصا قصيرا مبسطا لكل أداة من الأدوات التى فى طريقها للانقراض من ذاكرة الطفل مثل «منخل السبوع» أو الهون الذى يطحن الحبوب.. إلخ. وهل تجذب الأطفال هذه النماذج الغريبة عنه مثلما تطربنا؟ هل يتخلى عن ضغط أزرار ألعابه الالكترونية ليتعرف على هذه الأدوات ويسعها ألوانا وبهجة؟ يجيب التونى فى ثقة وقد راهن على الطفل منذ زمن: «أظن أن طرافة العنصر تجذب عين الطفل، سيشعر أن بلده لها تاريخ وأن الكمبيوتر ليس الأداة الوحيدة فى الحياة بل هناك العديد من الأدوات التى تقوم بدور وظيفى وفى الوقت ذاته جميلة، فحين تتحقق الوظيفة والجماليات فى الأداة ذاتها فإن ذلك يعكس المستوى الثقافى والحضارى للبلد الذى ينتمى إليه». إذ يؤكد الفنان أن الحياة ليست مجرد حركة وإثارة (أكشن)، يتمحور حوله اهتمام الطفل، بل أيضا مشاعر وعواطف. «فنحن فى حاجة لمعادل موضوعى وهو ما يسمى بالثقافة والفن والوجدان التى تقلل من خطر العنف، وهنا يصبح للفن دور اجتماعى مهم». رغم الطفرة فى كتاب الطفل إلا أن أدب الطفل فى مصر لا يملك شخصية مثل هارى بوتر تجمع الأطفال حولها وتثير شغفهم نحو المعرفة، كيف يرى هذه الفجوة المؤلف الفنان حلمى التونى؟ يرى التونى أنها قضية يطول شرحها لأسباب كثيرة لا يصح العبور عليها سريعا، لكنه يجمل أن غياب البطل الفنى دليل ضعف، «فقد كانت هناك محاولات عديدة مثل محاولة جامعة الدول العربية أن تبتكر عروسا عربية فى مقابل الشهيرة «باربى»، لكنها لم تر النور، فعدم القدرة على إبراز بطل يجمع الأطفال العرب هو دليل ضعف ودليل فرقة».