تمر ذكرى رحيل الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، أمس 17 فبراير؛ إذ رحل الأستاذ في عام 2016 عن عمر ناهز 93 عاما بعد أزمة مرضية. وبدأ هيكل مشواره بالصحافة مبكرا وهو على أعتاب العشرين عاما من عمره، حينما عمل محررا بصحيفة ال"إجيبشيان جازيت" وأفاده في ذلك إجادته وتمكنه من اللغة الإنجليزية؛ لدراسته بالجامعة الأمريكية في القاهرة. وتعد فترة رئاسته لتحرير جريدة "الأهرام" من أزهي فترات الصحيفة العريقة؛ حيث أطلّ هيكل على قراءه بعموده "بصراحة" والذي نجح في أن يجذب إليه الكثير، باعتباره وجبة دسمة من المعلومات والتحليلات لأحداث المشهد السياسي الجاري دون أن تفقد رشاقة الأسلوب وسلاسة العرض. ولجانب المقالات والتحقيقات الصحفية، أثرى هيكل المكتبة العربية بكتب في الفكر والتحليل السياسي وشهادته على الأحداث الهامة من خلال قربه من دوائر صنع القرار ووجوده بقلب الأحداث. ومثّل كتاب "إيران فوق" خصوصية من بين مكتبة هيكل؛ حيث أنه أول كتاب منشور للأستاذ وقد صدر بالعربية عام 1951، وهو الكتاب الوحيد للأستاذ هيكل في عهد الملك فاروق. * الكتاب الأول والحب الأول قضى محمد حسنين هيكل مدة طويلة في إيران وقابل أغلب قياداتها ومنهم رجل الدين المعروف (أبو القاسم الكاشاني) وكانت خلاصة هذه التجربة هي كتاب هيكل الأول بعنوان (إيران فوق بركان)، الذي صدر بالعربية عام 1951، وكان كتاب حسن الحظ مع قرائِّه والكتاب الأول لأي كاتب يشبه الحب الأول في حياته، ذكرى تبقى معه إلى زمن طويل لذا فهو تابع أحداث إيران باهتمام لمدة ثلاثين عام تقريباً منذ نشر كتابه الأول "إيران فوق بركان". * هيكل.. مبشرات مؤرخ ويمكن القول أن محمد حسنين هيكل كتب كتابه الأول من وحي مشاهدته وتجاربه الخاصة التي عاشها في إيران فقد ترك هذا الأمر أكبر الأثر في حياتهِ الشخصية، فضلاً عن أن هذا الكتاب ترك أثر ساهم في تكوين شخصية المؤرخ. عند هيكل لأنه كتب تاريخاً معاصراً معاشاً من خلال تقديم رؤى فكرية تاريخية عن تلك البلاد التي استوثق من تاريخها وتفاعل مع حاضرها الذي عاشه فكان كتاباً سياسياً بوحي تاريخي نقل فيه تجربة الصحفي ومزجها بشخصية المؤرخ فكان تفاعلاً فكرياً راجع خلاله الوثائق الرسمية والمصادر العربية والفارسية والرؤية التحليلية السياسية للحدث وأثرها؛ فكان هذا الكتاب مشروع مؤرخ استهل عمله بكتابة تاريخياً انياً للحدث الراهن مما بشر بأسلوب جديد في الرؤيا والكتابة التاريخية، وفقا لما ورد بكتاب "محمد حسنين هيكل.. مؤرخا" للدكتورة عفراء عبد الفتلاوي، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. * صحفي مفتح على العالم وأزماته ويشير الكاتب إلى قيام الكاتب محمد حسنين هيكل بتغطية الأحداث في الشرق الأوسط ومن أهمها حرب فلسطين 1948، حيث اُتيحت الفرصة لهُ أن يعيش تجربة مهمة خلالها هزت قارات العالم واستمر مراسلاً متجولاً لجريدة "أخبار اليوم" في منطقة اختلفت فيها التيارات، ثم أُرسل يتابع الحروب الأهلية في اليونان، ثم استانبول ثم إلى القدس، ثم إلى سلسلة انقلابات عسكرية في سوريا وعمليات الاغتيال الكبرى في المنطقة من اغتيال الملك عبد الله الأول (ملك الأردن) في القدس واغتيال حسني الزعيم (زعيم سياسي تولى رئاسة سوريا)، في دمشق ثم إلى ثورة محمد مصدق، في إيران ومسالة تأميم النفط الايراني (1950 – 1953). وتعتبر الكاتبة أن هذه المرحلة شهدت إحدى التحولات الأساسية في حياة هيكل المؤرخ إذ إنّ اطلاعه التفاصيل الدقيقة للأحداث السياسية فضلاً مقابلاته الشخصية وتفاعله مع الأحداث التي نقلها صحفياً جعلت منه محللاً سياسياً وخبيراً فنياً ومؤرخاً دقيقاً؛ لأنه عاصر الأحداث وعايشها وتفاعل معها فكان صحفياً وشاهد عيان على تلك الأحداث الرئيسية في العالم خلال تلك المدة، فضلاً عن أن تلك المدة ساهمت في بناء شعور قومي الذي كان قد بدأ يتعاظم من خلال اطلاعه على تلك الأحداث في بقاع العالم المختلفة.