قالت جريدة عمان إن مصر فقدت هرمها الرابع برحيل محمد حسنين هيكل الذي كان مفكرا وكاتبًا ومحللا وباحثًا عن الخبر وما وراءه حتى وهو في الثالثة والتسعين من عمره. نشرت الجريدة - التي تعد أعرق صحف سلطنة عمان- تحليلا حول شخصية الأستاذ محمد حسنين هيكل ذكر فيه كاتبه الأستاذ عاصم الشيدي أن "الرحلة انتهت لا تعاندوا القدر" كانت هذه العبارة الأخيرة التي قالها الأستاذ الكبير "الجورنالجي" هيكل لأبنائه مودعا لهم وقارئا أن ساعة الأجل قد حانت، وأن استئذانه بالانصراف الحقيقي قد آن أوانه الآن وليس كما قال في محاضرة قدمها عام 2003 حملت عنوان "استئذان بالانصراف" لأن الأحداث عادت وألحت عليه وكتب "مبارك وزمانه". وأضاف كاتب المقال "لا أعرف بالتحديد متى بدأت معرفتي الحقيقية بالأستاذ محمد حسنين هيكل، لكن الذي أتذكره جيدا أن معلم اللغة العربية تحدث عنه بشكل طويل وهو يشرح لنا تطور الصحافة في العصر الحديث ضمن مقرر اللغة العربية في الصف الثالث ثانوي، كما تحدث عن علي ومصطفى أمين مؤسسي جريدة أخبار اليوم، لكن العلاقة تطورت عندما تغير الوعي وتغيرت التوجهات القرائية، فكان هيكل ملاذا أولا، ملاذا لقراءة الواقع العربي، وقراءة مستقبله عبر العشرات من الإصدارات التي كانت تقدم نظرة ثاقبة إلى عمق الأحداث ليس من خلال إنشاء برّاق ولكن عبر نظرة تحليلية تنطلق في المقام الأول من قاعدة الخبر وتقدم الوثيقة التي تؤكد التوجه". وقال "كان هيكل ملاذا لي عندما أردت أن أكتب مقالا، كنت أعود إلى مقالاته بصراحة واقرأها دون توقف ودون ملل لأن نصف قرن وأكثر قد مضى على كتابتها وعلى أحداثها.. في لحظة من اللحظات وقد بدا هيكل يتحول أمامي إلى حالة من الإدمان، إدمان معرفة أخباره، وإدمان البحث عن كتبه حتى تلك التي لا يملكها هو نفسه نظرا لصدورها في أزمنة مبكرة من حياته مثل كتاب "إيران فوق بركان" الذي صدر عن جريدة أخبار اليوم في عام 1951، أو حتى عبر البحث عن مقالاته التي كان ينشرها في جريدة الأهرام كل يوم جمعة تحت عنوان "بصراحة"، أو حتى عبر البحث عن أعداد من جريدة الأهرام خلال فترة رئاسة تحريره لمعرفة كيف أصبحت هذه الجريدة العربية بين أفضل عشر صحف في العالم في تلك الفترة خطر في بالي إجراء حوار مع الأستاذ هيكل، كان خاطرا مجنونا بكل تأكيد، وأقول أنني لم أكن أدرك صعوبة الأمر أو حتى استحالته ولم تخف بعض نظرات أو ابتسامات السخرية التي شهدتها في وجوه الكثيرين ممن أخبرتهم عن رغبتي تلك. وأضاف "اليوم أستطيع القول إن هرما من أهرام مصر العتيدة قد سقط فعلا، وأن الخسارة أكبر من خسارة صحفي، أو مفكر سياسي فقط أو مؤرخ، إنها خسارة حقبة تاريخية كاملة من تاريخ مصر والعالم العربي كان هيكل يتذكرها ويوثقها، كان هيكل أبرز أعلامها وأبرز كتابها وأبرز منظريها، وأبرز مؤرخيها. كان هيكل هو كاتب "فلسفة الثورة" لعبد الناصر، وكان هو كاتب كل خطبه، خطبة تأميم قناة السويس، وخبطة "النكسة"، وخطبة الوحدة مع سوريا وغيرها من الأحداث التي كانت تعصف بالأمة العربية في مرحلة من أشد مراحلها اضطرابا، ومن أشد مراحلها حلما بالاستقلال الوطني والتحرر من الاستعمار ومن الإمبريالية الغربية". ونوه بأن هيكل كان هو النجم الصحفي الأوحد في مصر رغم الأسماء العظيمة التي كانت إلى جواره في ذلك الوقت. وعندما سئل عبدالناصر، رحمة الله عليه، لماذا تتحدث مع هيكل وحده دون غيره من الصحفيين قال: غيره من الصحفيين يأتون إليّ لأخذ الأخبار، أما هيكل فكان يأتي ليعطيني أخبار العالم. وعلاقة عبدالناصر بهيكل علاقة استثنائية لا تتكرر كثيرا بين رئيس دولة وبين صحفي. كان كل واحد منهم ظلا للآخر..رحم الله هيكل.. ورحم الله الصحافة من بعده.