في الوقت الذي تقترب فيه الحرب الروسية الأوكرانية من دخول عامها الثالث وسط غياب أى أفق لنهاية تلك الحرب، تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن إصلاحات موسعة للجيش والقيادة المدنية في أوكرانيا، وصفها بأنها ضرورية لإعادة ضبط المجهود الحربي ضد روسيا، بعد أيام من تقارير أفادت بأن كييف أبلغت واشنطن بعزمها تغيير قائد الجيش الجنرال فاليري زالوجني. *خطط تتجاوز القيادة العسكرية رأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن تعليقات زيلينسكي، التي أدلى بها في بودكاست، مساء أمس الأحد، ألمحت إلى ان خططه تتجاوز استبدال الجنرال زالوجني، موضحة أنها تشير إلى مزيد من الاضطرابات في القيادة الأوكرانية في لحظة محفوفة بالمخاطر، بينما تتخذ القوات الأوكرانية المنهكة وضعية الدفاع وينتظر القادة في كييف معرفة ما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستقدم المساعدات العسكرية والمالية التي تشتد الحاجة إليها. وقال زيلينسكي لشبكة "راي" الإيطالية: "إن إعادة الضبط، لبداية جديدة أمر ضروري"، مضيفاً: "أفكر في أمر جاد، لا يتعلق بشخص واحد ولكن حول اتجاه قيادة البلد". ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسئولين أوكرانيين مطلعين أن الخلاف بين الجيش والحكومة المدنية يمثل أخطر انقسام في القيادة الأوكرانية منذ بدء الحرب قبل عامين تقريباً، مشيرة إلى أن حدة التوتر، التي تتزايد منذ شهور، بدا أنها وصلت إلى نقطة انفجار الأسبوع الماضي، عندما استدعى زيلينسكي زالوجني لعقد اجتماع لإخباره بإقالته. وأضافت الصحيفة الأمريكية أن ما يصعد التوتر في كييف هو احتمال صياغة مشروع قانون تعبئة جديد من شأنه أن يؤدي إلى تجنيد ما يصل إلى 500 ألف جندي، مشيرة إلى أن مشروع القانون، الذي يخضع للنقاش في البرلمان الأوكراني، قد لا يحظى بشعبية لدي الأوكرانيين الذين أنهكتهم الحرب. وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن خطط التعديل الحكومي تمثل خروجاً عن حالة الاستمرارية التي ظلت على مدار حوالي عامين في إدارة زيلينسكي بزمن الحرب حيث ترك في الغالب وزراء يشغلون مناصبهم منذ مرحلة ما قبل اندلاع الحرب، بينما كانت حكومته قبل الحرب بمثابة باب دوار للوزراء. وقد ازداد استياء زيلينسكي من زالوجني على مدار العام الماضي، حيث تعثر القتال في خنادق دموية ساكنة، لكن زيلينسكي تحرك بحذر. * تداعيات محتملة للخطوة ورأت الصحيفة الأمريكية أن استبدال قائد الجيش وسط الهجوم الروسي على طول الجبهة الشرقية بأكملها تقريباً يحمل مخاطر، حيث يحظى زالوجني بتقدير كبير بين الجنود والضباط الصغار، وستكون إقالته أهم تغيير في القيادة العسكرية بعد الحرب. وقد تؤجج الإطاحة به أيضاً المخاوف بشان عدم الاستقرار في قيادة كييف بزمن الحرب، ومن شبه المؤكد أن من اسمتهم ب"مروجي الدعاية الروس" سيستخدمونها لتصوير زيلينسكي على أنه "طاغية غير ديمقراطي". * مرشحون لخلافة زالوجني وبعد زالوجني، بحسب "نيويورك تايمز"، فإن أبرز القادة العسكريين في أوكرانيا، هم رئيس المخابرات الأوكرانية الجنرال كيريلو بودانوف، وقائد القوات البرية الأوكرانية، ألكسندر سيرسكي. كما أشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى أنه بغض النظر عمن يخلف زالوجني فمن شبه المؤكد أن يكون مقرباً وأكثر ولاءً للرئيس زيلينسكي. وأوضحت شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية أن الشائعات بشأن مستقبل زالوجني جاءت على دفعات منذ فشل الهجوم المضاد الأوكراني، الذي انطلق الصيف الماضي تحت قيادته، في تحقيق أي إنجازات كبرى، وقد بلغت أوجها نوفمبر الماضي عندما أشار قائد الجيش إلى أن الوضع في ساحة المعركة بلغ طريق مسدود، وهو تقييم واقعي لم يرق لزيلينسكي، الذي حاول التقليل من أهميته. ومنذ ذاك الحين، انتقد حلفاء زيلينسكي الجنرال زالوجني على قيادته وما يقولون إنه افتقار لخطة واضحة لكيفية الفوز بالحرب. ومؤخراً، أبدى الرئيس زيلنيسكي وقائد الجيش الأوكراني اختلافاتهما بشأن الحاجة لتعبئة جماعية للمدنيين لمواصلة القتال. من جانبه، تحدث زالوجني في مقال نشرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، يوم الخميس، عن أهدافه لعام 2024 وتناول بالتفصيل ما يعتبره المشاكل التي تواجه أوكرانيا، بما في ذلك تقليص الدعم العسكري من حلفاء رئيسيين وقدرة روسيا على تجنب العقوبات لتصنيع مزيد من الأسلحة. كما أشار زالوجني في المقال - الذي قيل إنه كُتب قبل الإعلان المتوقع عن إقالته"- إلى "أفضلية موسكو" في قدرتها على تجنيد أكبر عدد ممكن تريده من الناس، على عكس ما يصفه الجنرال الأوكراني "بعدم قدرة مؤسسات الدولة في أوكرانيا لتحسين مستويات القوة البشرية لجيشها بدون استخدام الإجراءات غير الشعبية"، وهو ما يمثل طعنة مُقنَّعة لحكومة زيلينسكي. علاوة على ذلك، قال محللون لشبكة "إن بي سي" الإخبارية الأمريكية إن التغييرات المرتقبة بالقيادة العسكرية والمدنية الأوكرانية قد تضعف الثقة المحلية بينما تقترب الحرب من دخول عامها الثالث مع تأزم الروح المعنوية في ساحة المعركة وبين الأوكرانيين. وطوال فترة الحرب، بذلت أوكرانيا قصارى جهدها لإظهار التصميم والتماسك، مع شن زيلينسكي حملات على الفساد وإقالة حلفاء مقربين يشتبه في ارتكابهم مخالفات، لكن من شأن إقالة زالوجني أن تكون بمثابة ضربة للوحدة الوطنية، على حد قول هؤلاء المحللين. وتتابع روسيا الأمر عن كثب، حيث قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الأربعاء الماضي، إن هذه المسألة تظهر أن كييف لديها عدة مشاكل وأن الأمور لا تجرى على ما يرام هناك".