أن يتظاهر عمال مصنع، أو موظفو شركة من أجل زيادة الرواتب والحوافز وتحسين ظروف العمل وإقرار حقوق وظيفية ونقابية جيدة، فذلك أمر مفهوم، ونراه يتكرر الآن كل لحظة أمام مقار الشركات والمصانع، وصار أقرب إلى الكرنفال فى الوقفات والاعتصامات والإضرابات التى تشهدها أرصفة البرلمان ومجلس الوزراء فى قصر العينى. وأن يتظاهر بعض ناشطى الأحزاب والقوى السياسية مثل كفاية و6 أبريل رغم قلة عددهم للمطالبة بتعديل الدستور نحو مزيد من الحرية والتعددية، فذلك أيضا أمر جيد، ويشير إلى حالة الحراك السياسى التى بدأت تنمو فى أحشاء المجتمع الذى ظنه البعض عقيما. لكن أن يتظاهر البعض أمام سفارة إثيوبيا من أجل مياه النيل، فذلك هو الجديد. على «الفيس بوك» كوَّن بعض المهتمين مجموعة أطلقوا عليها اسم «حرروا النيل» نفذت وقفة احتجاجية أمام سفارة إثيوبيا ظهر الاثنين الماضى، وحاولت مقابلة السفير الإثيوبى لتوصيل رسالة من الشعب المصرى مفادها التقريب بين شعوب دول حوض النيل، وأن مصر ترتبط بوشائج قوية أهمها شريان النيل وبالتالى ينبغى ألا تؤثر الخلافات السياسية مهما كان حجمها على العلاقات بين هذه البلدان. الوقفة لم يكن فيها إلا شخصان هما محمد قنديل وعلى سطوحى، والمجموعة لاتزال صغيرة ولم يتجاوز عدد أعضائها حتى الاثنين الماضى نحو 160 شخصا، ويبدو حسب تفسير محمد قنديل منسق المجموعة أنهم لم يحضروا خوفا من الوجود الأمنى. محمد قنديل قال: إن هدف مجموعته هو إطلاق نقاش حر وعقلانى بين أبناء وادى النيل بكل أطيافهم وأعراقهم ودياناتهم لكشف الأجندات الخفية لدول خارج حوض النيل. اللافت للنظر فى هذه المجموعة، أنها قد تؤشر لبداية تغير نوعى فى سلم أولويات المصريين، فإذا كانت ثقافة المجتمع وقيمه تجعل إحدى المجموعات المناصرة لأحد المطربين أو الراقصات تتجاوز نصف مليون شخص، مع كل التقدير للطرب والرقص، فإن من كان يفكر فى الاهتمام بموضوع مثل مياه النيل، كان ينظر إليه باعتباره غريبا ومختلفا وخارجا عن السياق. لن نتحدث مجددا عن أهمية ملف مياه النيل لمصر وأمنها القومى.. لكن زاوية الحديث اليوم تركز على أن هذا الموضوع غير شعبى، وفشلت وسائل الإعلام حتى الآن فى وضعه على أجندة اهتمام كل المواطنين باعتبار أن كل شخص منا ومن أولادنا وأحفادنا سيتأثر بأى تطور فى هذا الموضوع. يحسب للسيدين قنديل وسطوحى وعيهما المتقدم أولا، وشجاعتهما فى التوجه إلى السفارة الإثيوبية ثانيا، وفى نبل فكرتهما بمخاطبة شعوب وادى النيل بلغة إنسانية ثالثا. ومن يدرى فقد تنجح هذه التحركات الشعبية فيما فشل فيه السياسيون.