طالما ادعى الاحتلال الإسرائيلي، وجود ممرات آمنة في غزة، ويوصي سكان القطاع بالنزوح نحو الجنوب، تاركين الشمال خلفهم باعتباره ساحة قتال، ولكن ما هي حقيقة الأمان المزعوم الذي يدعي الاحتلال في الجنوب؟ يقول عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش، إنه لا يوجد مكان آمن لسكان غزة، مشيرا إلى أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي، قصف قطاع غزة على مدار شهرين تقريبًا وضربوا المدارس، وقصفوا مرافق الأممالمتحدة والمستشفيات ومخيمات اللاجئين، لقد فعلوا ذلك في جميع أنحاء قطاع غزة حتى خارج منطقة الإخلاء". وواصل: "مسئولوا الاحتلال أشاروا بوضوح إلى أنهم يعتزمون تكثيف الضربات على جنوبغزة، حيث أمروا السكان بالتوجه إليه في أكتوبر الماضي، لقد تبخرت المساحة الآمنة بالكامل"، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة الجارديان. أخشى أن نُقتل بعدما تركنا منازلنا في صباح يوم الجمعة، أتيحت لريهام شاهين، فرصة نادرة للتحدث مع زوجها مهند، الذي كان يحتمي مع عائلته في دير البلح، في النصف الجنوبي من غزة، بعد وقت قصير من استئناف الاحتلال عدوانه على القطاع. وكانت ريهام قد غادرت إلى الأردن قبل بداية قصف الاحتلال على غزة بيومين، تاركة زوجها وأطفالهما الثلاثة في المنزل، ولكن الآن لم يعد هناك منزل وشُرد الزوج والأطفال، وتجلس هي في دولة أخرى ليس بوسعها فعل أي شيء. وقالت ريهام: "لقد كان زوجي يشعر بالعجز والإحباط حقًا وقال لي أنا نادم لأنني انتقلت من الشمال إلى الجنوب، لأن القصف هذا الصباح يستهدف الجنوب أيضا، أخشى أن نقتل بعد أن أجبرنا على الفرار من منزلنا". وقالت إن الخوف وانعدام الثقة انتقل إلى ابنيها، 12 و10 سنوات، لأن والديهما أخبراهما أن الوضع سيكون أكثر أمانا في الجنوب، بعد أن طالب الاحتلال بإخلاء الشمال، ولكن "الآن هم لا يثقون حتى بما نقوله لهم، وذلك يؤثر حقًا على الوضع النفسي لأطفالنا"، وفق ما تصريحاتها للجارديان. وفي الوقت نفسه، قال قريب آخر لريهام أثناء محادثتها مع زوجها: "ما نتمناه الآن هو أن نقتل، لتجنب المرور بكل هذا الشعور بالتهديد طوال الوقت والبقاء في تلك المحنة". تفشي الأمراض المعوية وانتشار القمامة في كل مكان ذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم السبت، أنه قصف 400 هدف في الساعات الأربع والعشرين الأولى من عدوانه المتجدد ضد القطاع، ومنها 50 هدفا في خان يونس، المدينةالجنوبية التي أصبحت محورا لهجماته. وقال جيسون لي، المدير القُطري لمنظمة إنقاذ الطفولة في فلسطين، إنه بدأ يشهد انتقالًا جديدًا للسكان خوفا من القصف، "كيف يمكن للناس أن يتحركوا مرة أخرى؟ بالنسبة للكثيرين، هذه ليست عملية الإخلاء الأولى لهم. إن حجم ونطاق هذا الأمر غير مسبوق". وأضاف لي، أن المخيمات والملاجئ مكتظة بشكل ميؤوس منه، وأصبح تفشي التهاب المعدة والأمعاء والإسهال شائعا على نحو متزايد في منطقة يوجد بها حوالي 1.1 مليون طفل، وقال إنه رأى عائلة تقضي يوما كاملا في البحث عن حليب أطفال لطفل يتضور جوعا عمره بضعة أشهر، لأن أمه قُتلت. كما صرح رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في وقت سابق، بأن هناك أكثر من 100 ألف حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي ونحو 80 ألف حالة إسهال. تحكي دينا صافي، التي انتقلت إلى النصيرات من شمال غزة في وقت مبكر من الحرب، إن الحياة في الجنوب صعبة، مع قلة فرص الحصول على الطعام أو الماء. وقالت إن 11 من أفراد أسرتها أصيبوا بأمراض بسبب شرب المياه الملوثة. وواصل حديثها ل الجارديان: "رائحة القمامة والأنقاض في كل مكان، إنها لا تطاق، إنها تنتشر. عندما تكون هناك أي مساحة فارغة بين المنازل، ويكون الأمر سيئًا بشكل خاص بالقرب من ملاجئ الإخلاء والمدارس". وأوضحت منظمة إيروارز، التي تراقب الأضرار التي تلحق بالمدنيين، أنها وثقت تقارير عن 127 حادثة تنطوي على أسلحة متفجرة داخل ما أُطلق عليها "المنطقة الآمنة" بعد التحذير الإسرائيلي في 14 أكتوبر. لقد رأيت الموت عبر ما يسمى الممر الآمن قالت إحدى الفلسطينيات، رفضت ذكر هويتها لمراسل الجارديان، إن مخبزًا في بلدة النصيرات تعرض للقصف بعد يومين فقط من انتقال عائلتها إلى هناك، حيث "كانت الساعة منتصف الليل عندما قصفوا المخبز والعمال بداخله، لقد استيقظنا على صوت قصف مدوٍ للغاية وكان العمال الذين ما زالوا على قيد الحياة يصرخون من شدة الاحتراق، وكانت أصواتهم عالية جدًا، بكينا كثيرا ذلك اليوم، ولم أعلم أنها ستكون المرة الأخيرة التي أبكي فيها بهذه الطريقة، لأن كل يوم كان بمثابة رعب جديد، وفي اليوم التالي، قصفوا سوقا في نفس الشارع". وأجبرت هجمات الاحتلال أسرة الفتاة على العودة إلى منزلها في الشمال، حيث وجدت أن نصفه مدمر، ولكنهم اضطروا إلى المغادرة مرة أخرى عندما اشتد القصف على حيهم، واضطروا إلى السير جنوبا عبر الممر الذي تم إنشاؤه كما ادعت إسرائيل ووصفته أنه آمن. ولكن الفتاة لم تر سوى أمان مزيف في هذا المكان، وقالت: "لقد رأيت الموت وأنا أسير عبر هذا الممر أكثر من أي وقت مضى، وتمنيت أن أموت في تلك اللحظة ولا أشم رائحة الدم، ولا أرى أشلاء الأجسام، ولا أرى الموت في كل مكان في وطني، أتمنى لو أنني لم أغادر منزلي أبدا، بدلا من العيش في هذا الأمان الزائف الذي أرسلونا إليه".