بعد ما يزيد على أسبوعين من القصف المستمر على قطاع غزة، بينما يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لهجوم بري محتمل على القطاع، وبالنظر إلى أن إسرائيل ليست معتادة على خوض حروب طويلة، فإن التكلفة التي سيتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة لهذه الحرب لن تكون معهودة. ومنذ بدء الحرب بعد السابع من أكتوبر الجاري، تزايدت مخاوف الشركات العالمية العاملة في إسرائيل، حيث أغلق العديد منها مؤقتا، لا سيما بعدما حشدت إسرائيل أكثر من 360 ألف جندي احتياط، في أكبر استدعاء لها منذ 50 عاما خلال حرب أكتوبر 1973، وهو ما يشكل 8% من السكان العاملين، وهو ما ترك فجوة كبيرة في القوى العاملة وعطل سلاسل التوريد. كما أعطت العديد من الشركات في إسرائيل، موظفيها إجازة دون أجر، إضافة إلى ما خلقته الحرب من أزمة في قطاعي الزراعة والبناء، اللذين يديرهما بشكل رئيس، عمال أجانب من تايلاند وأيضا فلسطينيون من غزة والضفة الغربية. ووفقا لوكالة رويترز، فقد أغلقت تل أبيب مواقع البناء لعدة أيام، ومن ثم أعيد فتحها هذا الأسبوع مع تشديد صارم لإجراءات السلامة، إلا أن التوقف في هذا القطاع وحده يكلف الاقتصاد ما يقدر بنحو 37 مليون دولار يوميا، وهو ما يمثل ضربة ليس فقط للمقاولين أو الصناعيين وحدهم، بل "ضربة لكل أسرة في إسرائيل"، بحسب راؤول ساروجو، رئيس جمعية بناة إسرائيل. إضافة إلى ذلك فقد تواجه إسرائيل، قريبا أزمة نقص في الغذاء، إذا رأت شركات الشحن أخطارا في دخول الموانئ الإسرائيلية، وفقا لإليزابيث برو، المحللة بمجلة فورين بوليسي، وزميلة معهد أمريكان إنتربرايز، والتي أشارت في مقالها اليوم الأربعاء، إلى إعلان أحد خطوط الشحن التايوانية الرئيسية "إيفرجرين" حالة القوة القاهرة، والذي يحررها من أي التزامات حال الحروب والكوارث، وعلى إثر ذلك ألغت دخول إحدى سفنها لميناء أشدود الإسرائيلي، مشيرة إلى "استمرار الوضع غير الآمن" مع تطاير القنابل والصواريخ في سماء غزة وجنوب إسرائيل. وتشير إليزابيث أيضا إلى أن خطوط الشحن الأخرى وشركات التأمين الخاصة بها أيضًا تراجعان مدى صوابية دخول الموانئ الإسرائيلية في الوقت الحالي بسبب الصراع، مضيفة أن المياه الإسرائيلية مدرجة بالفعل في الفئة الأكثر خطورة في مجال الشحن، والآن ارتفع التأمين ضد المخاطر بنسبة عدة مئات في المائة. وأكدت أن اجتياح إسرائيل الوشيك لغزة بريا، يهدد بجعل رحلات السفن التجارية من وإلى الموانئ الإسرائيلية أكثر خطورة وأكثر تكلفة؛ وأن هذا يمكن أن يشكل أزمة لاعتماد إسرائيل على الواردات في استهلاكها من السكر والزيوت النباتية والبذور الزيتية والأعلاف والحبوب والمواد الخام الأخرى لصناعة الأغذية، وفقا لتقرير لوزارة الزراعة الأمريكية عام 2022، بينما تعتمد صناعة اللحوم فيها على واردات الحيوانات الحية، وتستورد إسرائيل ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما تصدره من المنتجات الغذائية والزراعية، وتنتقل هذه البضائع عبر موانئ أشدود وحيفا. ووفقا لرويترز كان الاقتصاد الإسرائيلي البالغ حجمه 500 مليار دولار تقريبًا، والأكثر تطورًا في الشرق الأوسط بفضل نقاط القوة في التكنولوجيا والسياحة، مستقرا معظم عام 2023، وكان النمو في طريقه للوصول إلى 3c/o هذا العام مع انخفاض البطالة. ولكن مع احتمال حدوث غزو بري للقطاع وشيك وتهديد الحرب بالتحول إلى صراع إقليمي، فإن الإسرائيليين يختبئون وينفقون أقل بكثير على كل شيء باستثناء الغذاء. وقد حذرت وكالات التصنيف بالفعل من أنها قد تخفض تقييمها الائتماني لإسرائيل. وخلال أول أسبوعين من الحرب، بحسب رويترز فقد خلت السلالم المتحركة والممرات في مركز التسوق الرئيسي في القدس من مرتاديها، وبرغم العودة البطيئة للزبائن، يقول نتانيل شراجا، مدير متجر كولومبيا للملابس الرياضية: "لقد حدث انخفاض كبير في المبيعات"، مضيفا أن بعض موظفيه تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية، والبعض الآخر يشعرون بخوف شديد من القدوم إلى العمل. وتشير رويترز إلى انخفاض مشتريات بطاقات الائتمان بنسبة 12% في الأسبوع الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مع انخفاضات حادة في جميع الفئات تقريبًا باستثناء قفزة في التسوق في محلات السوبر ماركت، وبعدما أجلي سكان مستوطنات غلاف غزة، فقد أصبحت الفنادق نصف ممتلئة بهم، وباقي الغرف فارغة في الغالب. أما المصانع وحتى تلك القريبة من غزة فهي مستمرة في العمل، إلا أنه لا يوجد دائمًا ما يكفي من سائقي الشاحنات للقيام بعمليات التسليم بانتظام. كما يعاني قطاع التكنولوجيا الفائقة من صعوبات، وفق رويترز، والذي ازدهرت خلال جائحة كوفيد، وعادة ما يمثل 18% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونصف إجمالي صادراتها. وقال باراك كلاين، المدير المالي بشركة ثيتاراي للتكنولوجيا المالية، والتي تم تجنيد 12 من موظفيها ال80 المقيمين في إسرائيل احتياطيا: "تنخفض الإنتاجية بشكل كبير، لأنه من الصعب التركيز على العمل اليومي عندما تكون لديك مخاوف وجودية". وتحدث إريل مارجاليت، الذي يُعد صندوق رأس المال الاستثماري التابع له (JVP) أحد أكثر الصناديق نشاطا في إسرائيل، عن أنه يتنقل بين اجتماعات مجلس الإدارة ويستمع إلى خطط مختلفة لاستمرارية الأعمال، مضيفا: "المستثمرون بحاجة إلى الاطمئنان". وقال درور بن، الرئيس التنفيذي لهيئة الابتكار الإسرائيلية الممولة حكوميا، إنه تم استدعاء ما يُقدّر بنحو 10 إلى 15c/o من القوى العاملة في مجال التكنولوجيا الفائقة للخدمة في صفوف قوات الاحتياط. وأضاف "نحن على اتصال بمئات من شركات التكنولوجيا، وخاصة المشاريع في المراحل المبكرة. والعديد منها في منتصف دورة التمويل وبدأت أموالها في النفاد. ولمساعدتها، أنشأت الهيئة صندوقا بقيمة 25 مليون دولار، لمساعدة 100 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا على الصمود في وجه العاصفة". وفيما وعدت الحكومة الاسرائيلية "بعدم وضع حد" للإنفاق على تمويل الحرب، وتعويض الأسر والشركات المتضررة، وهو ما يعني عجز أكبر في الميزانية ومزيدا من الديون، وفق رويترز، التي ترى أن صراعات الماضي قد لا تكون دليلا صحيحا لمسار الاقتصاد. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 0.5 بالمئة في حرب لبنان التي استمرت 34 يوما، مع حزب الله في عام 2006 مع انخفاض الصادرات وتباطؤ التصنيع، لكن التعافي الذي أعقب ذلك جاء سريعا. ويتوقع بنك هبوعليم، في تل أبيب، وهو أكبر مقرض ائتماني في إسرائيل، أن تصل التكلفة الاقتصادية للحرب إلى نحو 6.7 مليار دولار، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل. وتستند توقعات البنك جزئيا إلى تكاليف حروب إسرائيل السابقة، وقدرت تكاليف حرب لبنان 2006، بنحو 2.4 مليار دولار، أو 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS). ووفقا لرويترز يقول المسئولون إن ما يحدث اليوم أمر مختلف، وقال ليو ليدرمان، كبير المستشارين الاقتصاديين لبنك هبوعليم، أحد أكبر البنوك في إسرائيل، إن هناك "أزمة نفسية" لدى الجمهور الإسرائيلي وإن تأثيراتها السلبية بدأت بالفعل، مضيفا: "سيقلل الناس الإنفاق الاستهلاكي بسبب حالة عدم اليقين". وبما أن الإنفاق الاستهلاكي يمثل أكثر من نصف النشاط الاقتصادي، فقد يكون الضرر الذي يلحق بالاقتصاد كبيرا، وفق رويترز. وقال مسئول كبير بوزارة المالية الإسرائيلية لرويترز "استطاعت إسرائيل أن تتعافى بشكل ملحوظ من كل الأعمال القتالية الأخيرة.. يبدو أن هذا حدث أكثر إثارة، رغم أن من المبكر جدا التأكد من ذلك". وقلّص بنك إسرائيل المركزي الاثنين الماضي، تقديراته للنمو الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3% انخفاضا من 3% وإلى 2.8% هبوطا من 3% لعام 2024 على افتراض احتواء الحرب في غزة. ويتوقع محافظ البنك أمير يارون، الذي يعارض خفض أسعار الفائدة في الوقت الحالي، حدوث انتعاش، قائلا "لقد عرفنا كيفية التعافي من خلال الفترات الصعبة في الماضي والعودة للرخاء سريعا.. ليس لدي أدنى شك في حدوث ذلك هذه المرة أيضا".