تشهد الساحة السياسية في الجزائر، حالة من القلق والترقب لما سيحمله مشروع جديد لقانون الأحزاب من إضافات في باب حريات وصلاحيات وحقوق الأحزاب وشروط الممارسة الحزبية. ووفقا لما صرحت به قيادات بعض الأحزاب لوكالة أنباء العالم العربي "AWP"، فإن بعض الأحزاب السياسية في الجزائر لديها مخاوف بشأن مشروع القانون الذي تعده الحكومة، والذي أعلنت وزيرة العلاقات مع البرلمان بسمة عزوار، أن نصه سيُعرض للمناقشة في الدورة البرلمانية الحالية. وفي المقابل، ترى أحزاب، أن هذا القانون مهم ومفصلي في الممارسة السياسية الحزبية، إذ يعتبرون أنه سيعيد ضبط العمل الحزبي في البلاد ويغير المشهد السياسي، حيث قد يؤدي إلى صعود أحزاب لتصدر المشهد وتراجع أحزاب أخرى، وربما حتى اختفاء الأحزاب التي لا يمكنها التأقلم معه. وتساءل سفيان جيلالي، رئيس حزب "جيل جديد" وأحد رموز المعارضة السياسية في الجزائر، خلال حوار مع وكالة أنباء العالم العربي: "ما هي الإرادة التي تحرك السلطة والطبقة السياسية لتعديل قانون الأحزاب؟ ربما لأن الأحزاب تُشكل مصدر قلق للسلطة، وتعتمد فلسفة إسكاتها عندما تخالفها في الآراء، وربما لديها نية لخلق حقل سياسي تتحكم فيه". وقال: "في كل الأحوال، نحن نطالب السلطة بفتح نقاش واسع وحقيقي حول فكرة التعددية بالجزائر؛ لتثبت حسن نيتها وأنها تريد فعلا بناء الحقل السياسي المتعدد الذي يُعطي القوة للدولة الجزائرية". - تضييق واعتبر جيلاني، الذي قال إنه اطلع على مسودة مشروع القانون، إنه يتضمن مضايقات وتقييدا للعمل الحزبي، وإذا تم اعتماد التعديلات المقترحة ستصبح الأحزاب كملحقة تابعة لوزارة الداخلية، لأنه يحدد إطار عملها وعدد عهدات "مدد ولاية" القيادات داخل الأحزاب، بينما لا يحق في نظرنا أن تتدخل الدولة في التسيير الداخلي للحزب أو أن تحتم منهجية عمل معينة عليه. ويرى رئيس حزب "جيل جديد"، أن تقييد القادة السياسيين للأحزاب بمدتين فقط يعني الاستغناء عن النخبة السياسية التي تكونت داخل الحزب بعد كل مدتين. وقال: "هذا غير مقبول، ويعد تدخلا للإدارة في الشأن الداخلي للأحزاب نرفض هذا؛ لأننا نعتبره إقصاء للإطارات الحزبية بعد سنوات من التكوين والممارسة السياسية". وأضاف: "الشباب المنخرط في الحزب نكونه في 10 سنوات وعندما يصل إلى مرحلة النضج السياسي، نقول له ليس لك مكان في الحزب! في حزبنا مثلا لدينا 80% من أعضاء المجلس الوطني هم الآن في عهدتهم الثانية؛ هل هذا يعني أن نقصيهم جميعا؟". وتابع: "نرى أن الحزب يحتاج استقرارا داخليا، إقصاء كل هؤلاء القياديين المتشبعين بأفكار الحزب، والذين يحملون ذاكرته معناه أن الحزب يعود إلى نقطة الصفر، وبهذه الطريقة لن نترك الطبقة السياسية تنضج ولن تتشكل لدينا طبقة قادرة على المساهمة بفكرها السياسي ومقترحاتها". ويرى جيلاني، أن مسألة تمويل الأحزاب غير واضحة في القانون. وقال: "يفرض القانون على المتبرعين الخواص إيداع تبرعاتهم في حسابه الحزب البنكي، ويمنع على الحزب تلقي أي تبرعات نقدا مهما كان المبلغ صغيرا أو كبير، هناك مستثمرون يرغبون في التبرع لنا لكنهم يتخوفون، ومن الصعب أن نجد من يدفع لنا في الحساب هذا يعتبر تضييقا على الأحزاب. وتطرق جيلاني، إلى ما وصفها بأنها "حواجز" لدخول الانتخابات، قائلا: "إذا كانت الأحزاب تتأسس أصلا للمشاركة في الانتخابات، فلماذا إذن يضعون لها حواجز لدخول المواعيد -الاستحقاقات- الانتخابية ويفرضون عليها جمع التوقيعات، في حين نعلم أن المواطن يمارس العزوف السياسي ومن الصعب جدا على الحزب إقناعه بالتوقيع لأي مترشح". وأضاف: "من وجهة نظرنا، فإن التوقيعات يجب فرضها على المترشحين الأحرار فقط، لأنهم لا يملكون اعتمادا ولا ينشطون ضمن حزب أما فرضها على الأحزاب، فهذا يعني أن الإدارة لا تشجع المواطنين على الانخراط فيها". وتابع: "إذا طُبّق هذا القانون مثلما هو وارد في المسودة، فلن تبقى في الساحة السياسية سوى 4 أو 5 أحزاب، وهي الأحزاب التي كانت دائما ركيزة السلطة". ومن البنود الجديدة في المشروع المنتظر حل الأحزاب السياسية التي تقاطع استحقاقين انتخابيين متتاليين، لكن لمين عصماني رئيس حزب "صوت الشعب" الحديث النشأة في الجزائر، اعتبر مقاطعة الأحزاب للاستحقاقات الانتخابية نوعا من أنواع التعبير السياسي ولا يحق للسلطة أو الإدارة إجبارها على المشاركة في المواعيد الانتخابية. - حوار قبل الإقرار من جهته، قال أحمد محمود خونا نائب رئيس حركة البناء الوطني المقرب من السلطة، في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي: "طموحنا أن يكرس هذا النص العمل الحزبي، وأن تنظر السلطة للأحزاب كشريك وليس كعدو، حتى وإن اختلف رأيها مع السلطة أو الحكومة نريد أن يكرس النص الجديد الطابع المؤسساتي للحزب السياسي". وحول مطالبة سياسيين بفتح حوار بين الأحزاب حول مشروع القانون، قال خونا: "من الجيد أن هذا المشروع لم يمر بأمرية رئاسية، مادام سيُعرض في البرلمان للنقاش والتعديل والمصادقة، نعتقد أن هذا المستوى كاف للتشاور حوله؛ لأن البرلمان فضاء يجمع الأحزاب للإدلاء برأيها ولا ضرورة لاستشارة الأحزاب خارج البرلمان". وأما عصماني، فطالب في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي، بفتح الحوار مع قادة الأحزاب قبل إحالة المشروع للبرلمان: "ومع كل الأطراف المعنية من باب تجسيد ثقافة الحوار السياسي". وقال عصماني: "في حزبنا فتحنا الباب أمام قواعدنا لجمع التوصيات حوله، القانون سيمر في البرلمان ولكننا نعتقد أن مناقشته يجب أن تبدأ مع القيادات الحزبية أولا قبل أن نذهب للمناقشة في البرلمان، وهذا من أبجديات الحوار أين الضرر لما تستمع السلطة لكل الأطراف المعنية؟" لكنه في الوقت ذاته، اعتبر أنه بعد 30 عاما منذ دخول الجزائر عهد التعددية الحزبية، تحتاج الأحزاب قانونا جديدا برؤية جديدة. وقال: "يجب الخروج من نمط الجمعيات السياسية، وتطهير الساحة من الأحزاب التي ليس لديها تمثيل سياسي، يجب أن تبقى فقط الأحزاب التي لديها ثقل ووزن سياسي من خلال عدد منتخبيها وتمثيلها داخل المؤسسات الدستورية، هناك عشرات الأحزاب المعتمدة؛ لكن في الميدان، لا نجد إلا تسعة أو ثمانية أحزاب ناشطة". - لا داعي للقلق في المقابل، يرى المحلل السياسي المتخصص في القانون الدستوري عامر رخيلة، أن المقترح ليس فيه ما يستدعي قلق الأحزاب. وقال رخيلة، في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي: "لا أعتقد أن هناك ضرورة تدفع السلطة للتضييق على الأحزاب أو على الحريات؛ لأن نشاط الأحزاب في البلاد محدود جدا". واعتبر أن نشاط الأحزاب يكاد يقتصر على المواعيد الانتخابية فقط، بل حتى في الانتخابات الرئاسية نجدها غائبة؛ لأن عناصرها القيادية في الغالب يسارعون إلى التبرؤ من رئيس حزبهم ويهرولون إلى مساندة مترشحين آخرين أو يتقدمون كمترشحين أحرار، أو يصطفّون وراء مرشح السلطة، بينما يفترض أن الانتخابات الرئاسية هي انتخابات برامج. وأضاف: "هذه الأحزاب ليست لها ألوان سياسية، لذلك فإن هذا المقترح القانوني لن يلعب أي دور لتغيير المشهد السياسي، بل برامج الأحزاب ونشاطاتها هي التي تغير المشهد، والبدائل التي تقدمها أحزاب المعارضة الحقيقة وليس المعارضة الشكلية؛ أما السلطة، فدورها دور تنظيمي فقط". وتوقع رخيلة، أن يكتفي القانون المقترح بضبط الأمور من حيث شروط النشاط الحزبي، كاتخاذ إجراءات ضد الحزب الذي لا يشارك في موعدين انتخابيين متتاليين، ووضع شروط للأحزاب التي تقوم على أسس دينية وجهوية ولغوية. ودخلت الجزائر مرحلة التعددية الحزبية لأول مرة عام 1989، بعد الأزمة السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد في العام السابق والتي شهدت خروج الجزائريين للشارع فيما عُرف بأحداث الخامس من أكتوبر تشرين الأول في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد. وأدت تلك الأزمة إلى وضع دستور جديد عام 1989 نص على إنهاء مرحلة الحزب الواحد والانتقال إلى الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية، وبموجب ذلك الدستور، صدر قانون كان يسمح بإنشاء أحزاب سياسية، سُمى بقانون الجمعيات لكن لم يرد فيه لفظ أحزاب، وتحدث فقط عن جمعيات ذات طابع سياسي. وبموجب ذلك القانون، نشأت عدة أحزاب لكن البلاد دخلت في دوامة عنف؛ بسبب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها حزب إسلامي متشدد عام 1992، ما دفع عناصره إلى حمل السلاح. وتوالت المجازر والاغتيالات طوال فترة التسعينات. عُدّل قانون الأحزاب عام 2011 في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأطلق عليه القانون العضوي للأحزاب. وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية الجزائرية، فإن هناك 45 حزبا معتمدا في البلاد، بينهم 13 فقط ممثلون في البرلمان، ويستحوذ 5 أحزاب فقط على الأغلبية البرلمانية الساحقة.