كجوك: القطاع الخاص استحوذ على 60% من الاستثمارات بالنصف الأول من 2025-2026    يمامة: الظروف الحالية تتطلب تأجيل إنهاء عقود الإيجار القديم    إدارة الدولة كشركة خاصة: الجديد فى عالم السياسة    كتاب الدورى الممتاز    وصول ليلى علوي ونجلاء بدر وإنجي المقدم العرض الخاص لفيلم المشروع x    صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف    قداس مشترك لبطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بالشرق الأوسط في الكاتدرائية المرقسية    وزير دفاع باكستان: فرص اندلاع أعمال عدائية مع الهند لا تزال قائمة    دعم ذوي الإعاقة بالجامعات.. المجلس الأعلى لشئون التعليم والطلاب يعقد اجتماعه الدوري    ضبط 10 أشخاص في مشاجرة بالشوم بجرجا في سوهاج    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب في سيارة تحمل كرتون مضغوط بالمنوفية    تعليم قنا: استعدادات مكثفة للامتحانات وتجهيز قاعة أزمات بكل إدارة تعليمية    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    افتتاح معرض أثري بمتحف الأقصر للفن المصري القديم بحضور المحافظ    أسرة عبد الحليم حافظ: العندليب لم يتزوج من سعاد حسني والجواب مكتوب بخط يدها    احتفال ثقافي شامل يجمع الإبداع والهوية في اليوم العالمي للتنوع    محافظ الجيزة: جهود مكثفة لتطوير المستشفيات والارتقاء بالخدمات الصحية    مستشار بمعهد الدراسات الإستراتيجية: موسكو بين ضغط العسكريين وتحذيرات الاقتصاد    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    محافظ القاهرة يكرم 40 طالبًا وطالبة الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقة الدينية    هل يجوز للمرأة الحج دون محرم؟.. أمين الفتوى يجيب    علاء عبد العال: بيراميدز فرط في الصدارة.. والأهلي الأقرب لحسم الدوري    أستاذة علوم سياسية: كلمة الرئيس السيسى ببغداد شاملة تتفق مع السياسة الخارجية المصرية    جهاز تنظيم الاتصالات يناقش أبرز تحديات المستخدمين في عصر الجيل الخامس    أتالانتا يتمسك بماتيو ريتيجي رغم اهتمام ميلان ويوفنتوس    تعليم الشيوخ تستكمل مناقشة مقترح تطوير التعليم الإلكتروني في مصر    أنغام تتألق في "ليلة العمر" بالكويت وتستعد لحفل عالمي على مسرح "رويال ألبرت هول" بلندن    محافظة الجيزة تزيل 3 أدوار مخالفة فى عقار بحى العجوزة    منافس الأهلي بالميراس البرازيلي ل«أهل مصر»: لم نتفاوض مع كريستيانو رونالدو    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    "جلسة جديدة".. بايرن ميونخ يكشف تطورات المفاوضات مع ساني    حكم قضائي بحبس صالح جمعة شهرا لعدم سداده نفقة طليقته    اقرأ وتدبر    إغلاق ميناء الغردقة البحري بسبب سوء الأحوال الجوية    بدء التصويت في الانتخابات التشريعية بالبرتغال    طالب بهندسة المنصورة يفوز بجائزة عالمية بابتكار جهاز تحاليل ذكي    رئيس جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية يتفقد سير امتحانات نهاية العام -صور    بداية من اليوم.. السكة الحديد تتيح حجز تذاكر قطارات عيد الأضحى 2025    فصل التيار الكهربائي عن 5 مناطق بالعريش غدًا.. تعرف عليها    ما العيوب التي تمنع صحة الأضحية؟ الأزهر للفتوى يجيب    محافظ المنوفية يتابع الموقف التنفيذى لمشروعات الخطة الاستثمارية 2025    هل الكركم ضار بالكلى؟    ترحيل المهاجرين لسوريا وأفغانستان.. محادثات وزيري داخليتي النمسا وفرنسا غدا    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    «توأم الروح».. تعرف على أفضل 3 ثنائيات من الأبراج في العلاقات والزواج    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    مستشهدًا ب الأهلي.. خالد الغندور يطالب بتأجيل مباراة بيراميدز قبل نهائي أفريقيا    النائب عبد السلام الجبلى يطالب بزيادة حجم الاستثمارات الزراعية فى خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الجديد    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى سجن القناطر: هوانم وخادمات
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 04 - 2010

الحياة خلف قضبان سجن النساء تماثل التصنيف خارجها، قد تزيد رمادية الزنازين من كآبة العيش، لكن العلاقات بالداخل تحكمها أيضا المكانة الاجتماعية والمستوى الاقتصادى.
السجينة الدكتورة ل. كما يطلق عليها الشاويشات المحبوسة على ذمة إحدى قضايا الرأى العام تبدو فى قمة أناقتها داخل السجن، بجلبابها الدانتيل الأنثوى الذى يبرز نوعا ما تقاسيم جسدها وإكسسوارتها الماسية وشعرها المصفف بعناية فائقة.. يزودها أهلها خلال الزيارات بما تحتاجه من كريمات ودبابيس للشعر فضلا عن مستحضرات التجميل.
تتحاكى السجينات الفقيرات عن الجلابيب الفاخرة التى ترتديها هذه النزيلة ويتبارى الجميع لكسب ودها، لكنها تخلق دائما مسافة بينها وبين الأخريات وتحيطها كوكبة من الإخصائيات والشاويشات اللاتى تمنعن ذوى الفضول من الاقتراب منها.
فى عنبر النساء بسجن القناطر تشعر بقسوة الحاجة وضيق اليد أكثر من أى مكان آخر، ومع ذلك تلمح فورا الفروق الطبقية بين الموجودات، فالزى الأبيض الذى من المفترض أن يجعلهن سواسية كأسنان المشط يبدو وكأنه أول شىء يصنفهن، مثلا السجينات «اللوكس» تلتزمن باللون الأبيض وتتنافسن فى استعراض الأقمشة غالية الثمن من الدانتيل والساتان والكريب..
فى حين تلبس الفقيرات جلابيبهن المتواضعة المصنوعة من اللينو والتى اكتسبت اللون الأبيض بفعل الزمن.. بل إن الأكثر فقرا اكتفين بملابس السجن من قماش البفتة والمختوم عليها بالكوبيا رقم السجينة. «المبسوط بره مرتاح هنا والغلبان له ربنا!» هكذا تعلق صابرين «23 سنة» المتهمة فى قضية سرقة بطاقات شخصية.
اضطرت هذه الأخيرة أن تقترض طفلا رضيعا من سجينة زميلة حتى تتمكن من الولوج إلى الحديقة المجاورة للعنابر والتى لا يسمح فيها بالتجول سوى للأمهات، وتقول: «أنا بنت ضمن 7 أخريات. أبى رجل معدم تقريبا. يبيع شايا على الرصيف للمارة. ليس لدى أى دخل أو حوالة يرسلها لى أحد كى أشترى من الكانتين لوازمى. لذا اضطررت للعمل داخل السجن مع زميلة أخرى لبيع أقراص الطعمية مقابل أجر، حتى أتمكن من التعايش وقضاء السنوات الثلاث الباقية من مدة عقوبتى».
صابرين هى واحدة ضمن 1800 سجينة أخرى فى عنبر النساء بالقناطر، تتحايل على الفقر لتعيش داخل السجن، وهى ليست مثل الدكتورة ل. التى لا تأكل أبدا أطباق السجن ولكنها تتحصل فى كل زيارة على وجبة كباب دسمة، كما أنها لا تجلس إلا مع السجينات الثريات والمحتجزات على ذمة قضايا الأموال العامة أو الرشاوى. صابرين أيضا تعلم جيدا أنها ليست مثل أم محمد المتهمة فى قضية مخدرات والتى تحصل على حلة محشى باللحم الضأن فى كل زيارة ولا تدخن سوى السجائر من النوع المستورد، على حد تعبيرها. وتروى صابرين: «ألقط رزقى مع أى حد وبأى مقابل.. ساندويتش لحمة أو بعض أصابع المحشى أو حتى وجبة إضافية من وجبات السجن تتنازل عنها إحدى السجينات المقتدرات.. أسد بها جوعى».
وتقول إحدى الإخصائيات التى رفضت ذكر اسمها إن السجن شأنه شأن المجتمع الخارجى، من يملك يحصل على رفاهية تقترب من نمط الحياة الطبيعية، ويظهر ذلك فى تفاصيل الحياة اليومية كأغطية السرير والملايات، إلخ.. وتضيف: «هناك فئة من السجينات فى غاية البؤس، لا أحد يزورهن على الإطلاق. وتشغل هذه الفئة قاع السلم الاجتماعى داخل السجن، فتقبل أحيانا أن يتم استغلالها من السجينات الأخريات».
وربما تكون الأمهات الفقيرات أكثر شعورا بمعاناة السجن، فلائحة السجون المصرية تسمح بوجود الأطفال مع أمهاتهن داخل سجن النساء حتى يكملوا عامين وهى سن الرضاعة، لكن تبدو الميزانية المخصصة للأطفال غير كافية، خصوصا مع زيادة عدد السجينات طبقا لدراسات جمعية رعاية أطفال السجينات، ولذا تمتهن حنان أكثر من مهنة داخل عنبر النساء حتى تتمكن من سد احتياجات رضيعها.
العملة المعتمدة: السجائر
فى أحد الأركان المشمسة من حوش الأمهات وقفت «حنا» كما يطلق عليها زملاؤها تهدهد رضيعها. تحمل الطفل على كتفها، تتجول فى السجن بنشاط كى تنجز عملها بسرعة. تنطق ملامح هذه السيدة الثلاثينية بالانكسار، فهى تعمل داخل العنبر لدى سجينة أخرى أكثر ثراء من أجل توفير متطلبات رضيعها،
وتقول: «أنظف الباكية (أى السرير وما تحته) بدلا من إحدى السجينات، كما أغسل لها ملابسها وأحيانا أطهو لها مقابل علبة سجائر فى اليوم. لا توجد نقود داخل السجن، وبالتالى العملة الدارجة هنا هى السجائر.
وعادة ما يكون الاتفاق بين السجناء (أروصة) فى الشهر مقابل عمل معين يختلف حسب اختلاف نوع السجائر محلى أو مستورد». تضطر حنان أحيانا إلى العمل فى بيزنس تديره سجينة «مقتدرة»، فتقوم حنان ببيع علب سجائر وتحصل على علبتين مقابل بيع الخرطوشة الواحدة. وتشرح: «الأسعار هنا نار.
الثلاثة بمبرز (حفاضات الأطفال) يبلغ سعرها علبتين سجائر. شريط البرد هنا يبلغ ثمنه 3 علب سجائر». فالسجينات المقتدرات يحصلن على هذه البضائع من الخارج ويدرن عملا مربحا فى الداخل. بضاعة بمائة جنيه داخل السجن قد تحقق ربحا يساوى ثلاثة أضعافها!» وهى تؤكد أنها تحصل من إدارة السجن على علبة لبن فى الأسبوع وبعض لوازم الطفل، فضلا عن الزيارة الشهرية لجمعية رعاية أطفال السجينات، إلا أن كل هذه المساعدات لا تفى باحتياجات الصغير.
«ابنى يكبر واحتياجاته من اللبن والطعام تزداد، أفكر جديا فى إرساله لمؤسسة رعاية، ولقد تقدمت بالفعل بهذا الطلب لأننى لم أعد قادرة على الإنفاق عليه، قد أتحمل نار الفراق مقابل أن يجد طعاما وملابس ورعاية أفضل حتى قبل بلوغه عامين، وهى الفترة التى يسمح خلالها القانون ببقاء الطفل مع والدته داخل السجن».
وترى السيدة نوال مصطفى رئيسة جمعية رعاية أبناء السجينات أن لائحة السجون المصرية عندما نصت على إمكانية اصطحاب الأم المرضعة لابنها حتى يبلغ سن السنتين كان قرار ظاهره الرحمة، فالطفل فى السنتين الأوليين من عمره يكون بحاجة إلى أمه، لكنها توضح: «عندما نزور الأطفال فى هذا المكان الكئيب الذى يصعب أن تتوافر فيه المتطلبات الأساسية للإنسان البالغ، نقتنع أنه لا يراعى الحقوق الدنيا للإنسان فما بالك بالطفل، علينا أن نتخيل كيف يمكن أن يعيش طفل داخل زنزانة يتم غلقها عليه ابتداء من الساعة الخامسة مساء حتى صباح اليوم التالى. وفى داخل هذه الزنزانة ينام مع أمه فى مساحة صغيرة جدا، لا تزيد على متر أو أقل، قد يكون بها أغطية أو لا يوجد».
ورغم قسوة الحياة داخل السجن على حنان ورضيعها فإنها مازالت تملك صحتها وساعديها، على حد قول غادة «23 سنة» المحكوم عليها بالسجن ثلاث سنوات. غادة تعتقد أن حنان أكثر حظا منها، فهى حامل وغير قادرة على العمل: «لا أحد يزورنى، زوجى أيضا محبوس، ليس لدى أى مصدر للدخل، أنا الآن فى شهرى الثامن وظروف حملى لا تمكننى من العمل وكسب قوت يومى، اكتفى بما يقدم لى داخل السجن، أتحمل المعاناة وأنا عاجزة عن تغيير واقعى لأن بطنى تعوقنى عن الحركة. أفكر مليا فى مستقبل ابنى القادم وليس لدى أى شىء أقدمه له، لا أدرى حتى ماذا سيلبس بعد ولادته».
وبين من يحلمن بالخروج ومن يتحايلن على الحياة خلف القضبان، تشكل ثناء فى الأربعين من عمرها حالة خاصة جدا. هى تستعد للخروج من السجن بعد أن أدت فترة العقوبة، لكنها ترى الحياة أضيق من ثقب الإبرة.
قضت ثناء سبع سنوات فى السجن لأنها تسترت على جريمة قتل زوجها، ماتت ابنتها الوحيدة ووالدتها فى حادث أثناء آخر زيارة لها، فقدت عملها كخادمة.. وتبادر بسؤال منطقى: «من سيدخل بيته متهمة فى قضية قتل؟» لا ملامح لمستقبلها، ملايين الأسئلة تدور فى رأسها، تصمت برهة ثم تقول: «أتمنى البقاء فى السجن وعندما أخرج ربما سأسعى للعودة، يكفى أننى أجد هنا قوت يومى ومأوى لأنام ليلا وهدمة تسترنى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.