عندما تشاهدهم على خشبة المسرح يرقصون على أنغام الموسيقى وتراهم يتحركون مع الألحان لن تتخيل أن هؤلاء المبدعين الصغار صامتون لا يتكلمون، وحتى لم يستمعوا أبدا للموسيقى التى يتحركون على إيقاعاتها. تشبث «الصامتون» بأنغام الموسيقى ليتواصلوا مع العالم الآخر من المتكلمين وكونوا فريقا مسرحيا يجمع 22 شابا وفتاة من الصم والبكم تتراوح أعمارهم بين 18إلى 20 سنة. بدأ حلمهم من مسرح مدرسة الأمل بالمحلة الكبرى حتى وصلوا إلى مسرح دار الأوبرا بالقاهرة. «الموسيقى هى المفتاح الذهبى الذى فتح الباب أمام الصم والبكم ليتحدثوا مع العالم الخارجى»، هكذا استهل رضا عبدالعزيز مؤسس الفرقة كلامه عن فرقة الصم والبكم للأداء الحركى. يقول: «لغة الإشارة لم تحقق التواصل مع المتحدثين لأن كلا الطرفين لا يجيد لغة الآخر، فبحثت عن لغة وسطية يفهمها الطرفان وتذكرت بتهوفن الموسيقار الأصم الذى تواصل مع جمهوره من خلال ألحانه». «الرقص على ما لا يسمعون لم يكن أمرا هينا» كما أوضح رضا عبدالعزيز، الذى قام بتدريب الطلاب بعد إقناع الأهالى بالفكرة. عانى فى البداية حتى يتفهم الصغار أن هناك موسيقى تنتشر فى الأجواء وأن عليهم أن يتحركوا على أنغامها، شارحا: «لجأت إلى بتهوفن مرة أخرى وقرأت عن الطرق المختلفة التى ابتكرها ليؤلف نوتة موسيقية، حيث كان يضع رأسه على البيانو ليشعر بالذبذبات أثناء العزف أو يضع طرف مسطرة فى فمه وطرفها الآخر يلامس البيانو». ولكن ظلت مشكلة كيفية إيصال كل طالب وهو واقف على المسرح بمصدر الذبذبات الموسيقية. ساعده عمله بالاستعراضات فى التلفزيون على إيجاد الحل فصاح مثل «ارشميدس» وجدتها! حوّل المقطوعة الموسيقية إلى نبضات ونقرها على أيديهم وأكتافهم، وعلى الرغم من الإرهاق الشديد الذى واجهه أثناء التدريبات فإن طعم النجاح أذاب كل ما سبقه من مجهود. استمرت التدريبات خمس سنوات حتى حان وقت الانطلاق الحقيقى مع عرض «صرخة الأقصى» فى عام 2005. يضيف رضا عبدالعزيز: «أول عرض حقيقى كان فى المركز الثقافى الفرنسى أثناء الاحتفال باليوم العالمى للطفل المعاق وانبهر وفد اتحاد المعاقين الفرنسيين بأداء الفرقة». وفى 2006 وقع عليهم الاختيار لتمثيل مصر فى المهرجان الدولى السابع بدار الأوبرا المصرية، وكل الفرق المسرحية المشاركة من الدول الأخرى كانت فرقا عادية وليست من الصم والبكم. «شعرت بتحد كبير وخوف أكبر من الظهور بشكل لا يشرف مصر، خاصة أن مدة العرض الذى طلب من الفرقة كشرط للاشتراك هو 45 دقيقة، وهذا بالمقارنة مع عروض الفرقة التى لا تتعدى 7 دقائق يعد مخاطرة كبيرة». فكر رضا فى أن يكون موضوع العرض هو الصعوبات التى تواجه هؤلاء الأطفال للانخراط فى المجتمع المحيط، وبالفعل كان عرض «أجنحة صغيرة». يقول رضا عبدالعزيز: «تبدد خوفى بمجرد سماع تعليقات الجمهور والمثقفين من الحضور، حيث اعتبروا أن الفرقة هى مفاجأة المهرجان وأتذكر تشبيه رفيق الصبان للفرقة بالسجاد الفارسى الفاخر الذى يمثل فيه كل خيط ولون معنى مختلف». بعد المهرجان أصبحت الفرقة معروفة ومن ثم بدأ رضا يسعى للحصول على دعم من صندوق التنمية الثقافية ليؤسس مقرا ثابتا لهم فى القاهرة ويضم المزيد من الطلاب الصم والبكم، ولكن ظل هذا حلما صعب المنال. يقول: «لم يساندنا أحد والعروض التى نقدمها من تمويلى الخاص والعرض الواحد تكلفته تصل إلى 15 ألف جنيه، وهذا مع عمل تجهيزات فى أضيق الحدود، كنت أتمنى الحصول على دعم دائم ومستقر للفرقة، وطالبت بذلك فى يوليو الماضى ولكنى اكتشفت أن المبلغ الذى خصص لنا يمثل تكاليف عرض واحد فقط على أساس أننا فرقة مستقلة». رفض رضا عبدالعزيز المبلغ الذى خصصه له صندوق التنمية الثقافية وهو 50 ألف جنيه كدعم للفرقة عن عرض واحد يقوم بتصميمه وعمله «وليد عونى» مصمم الرقصات المعروف.