محاولة فريدة ومبتكرة لدمج المحرومين من نعمة السمع فى المجتمع، تجربة فرقة الصامتون للأداء الحركى، وهى الأولى من نوعها فى العالم، بدأت فى مدينة المحلة الكبرى عام 2005. حاولت الفرقة أن تكون جسرا لعبور المجتمع إلى دنيا الصم، وعبور الصم إلى المجتمع الذى لا يعرف عن حياتهم شيئا. قبل انضمامه إلى فرقة الصامتون للأداء الحركى، كان الانطواء هو السمة المميزة ل«أحمد إبراهيم» الطالب بمدرسة الأمل للصم بالمحلة الكبرى، لم يكن منعزلاً عن المجتمع فحسب، بل كان منطوياً، لا يستطيع حتى التعامل مع الصم أنفسهم. نقطة التحول فى حياة «أحمد» كانت بعد مشاهدته أحد عروض فرقة «الصامتون»، وهى فرقة كل أبطالها من الصم، كان تفاعله مع الفرقة وسعادته بها، ومن يومها أصبحت «الصامتون» طوق نجاة أحمد من العزلة. بدأ «أحمد» ابن الخامسة عشرة يتغير، بدا أكثر إقبالاً على الحياة، لم يعد هناك ما يمنعه من التواصل مع أى أحد، اليوم يستطيع أن يعتلى خشبة المسرح ويتواصل مع الجميع من خلال العروض المسرحية التى يشارك فيها، حتى دون أن ينطق بكلمة واحدة. «رضا» مؤسس فرقة «الصامتون»، عمل فى البداية مشرفاً للمسرح فى مدرسة الأمل للصم فى المحلة الكبرى، ولما كانت كل العروض فى العمل الاستعراضى تعتمد على الموسيقى، فإن المشكلة الأولى التى واجهت «رضا عبدالعزيز» كانت تدريب الصم على الانفعال مع الموسيقى. هنا لم يكن أمام رضا سوى الابتكار، وأفاده فى هذا الأمر أنه كان موسيقيا واستعراضيا سابقا، وقال: «حاولت المزج بين خبرتى الفنية وإحساسى بمعاناة الصم من عدم قدرتهم على التواصل مع المجتمع لأننى عايشت هذه المعاناة، ورأيت إحباطهم». يقول رضا: «بدأت أقرأ كثيراً عن بيتهوفن، وتحديدا عن المرحلة التى فقد فيها حاسة السمع، وكان فى نفس الوقت قادرا على تأليف أروع مقطوعاته، كان الموسيقى العبقرى يضع رأسه على جسم البيانو الخشبى أثناء عزفه ليشعر بالذبذبات المنبعثة نتيجة العزف، كان يحسها بعظم الجمجمة، وفى أحيان أخرى كان يمسك بطرف مسطرة خشبية بأسنانه، والطرف الآخر يضعه على جسم البيانو وهو يعزف، وهذا الأسلوب اسمه الاتصال العظمى، وهو عبارة عن تحويل النغمات الموسيقية إلى ذبذبات يحسها الأصم عوضاً عن سماعها». يقول «رضا»: «أخذت النغمات الموسيقية التى سنعمل عليها وأخرجت منها الإيقاع الموسيقى، الذى يعد الأساس فى أى عمل موسيقى، وحولته لنبضات، بعدها أقوم بالنقر على الكفوف والأكتاف لأنها مناطق عظمية كى يشعر الصم، وأثناء التدريبات أوجه انتباههم إلى أن الحركة الاستعراضية التى سيؤدونها يجب أن تكون متوافقة مع الإيقاع، بالإضافة إلى التعبير النفسى الذى يظهر على ملامحهم أثناء كل حركة، أضف إلى ذلك أن الطفل يجب أن يحفظ إيقاع الاستعراض ويلتزم به وبالتعبير النفسى طوال مدة العرض الواحد والتى تقترب من الساعة، وهو ما يتطلب جهداً بدنياً وذهنياً وحسياً لا يمكن وصفه، حتى إن مصممة الرقصة والمخرجة الألمانية وصفت منهجنا الجديد بعد مشاهدة بعض عروضنا بأنه انقلاب فنى». قبل اعتلاء «الصامتون» خشبة المسرح يتوجب عليهم وعلى مدربهم «رضا» اجتياز عدد من المراحل، أولاها اختيار الفكرة والموضوع وتصميم الحركات، وكلها مراحل يمر بها «رضا» وحده، بعدها تقام ورش عمل لكل أعضاء الفرقة. وبعد ورش العمل يقوم رضا بنقل الحركات التى صممها لأعضاء فرقته وذلك بالنقر على الكفوف والأكتاف، وقد يستمر التدريب لأكثر من أسبوع. تقول «مارتينا وفيق»، واحدة من أعضاء الفرقة، إنها قبل انضمامها للفرقة كانت تعيش فى عزلة حتى فى بيتها، فلا أحد يستطيع التحدث معها بلغة الإشارة فى المنزل سوى أختها الصغيرة «مادونا»، التى علمتها «مارتينا» لغة الإشارة، علها تجد ونيساً فى غربتها داخل منزل أسرتها، وعندما انضمت ل«الصامتون» أصبحت تتوجه للجميع لتقول ما تريد عن طريق حركاتها الاستعراضية، وتقول: «عندما يصفق الناس بعد العرض، أشعر بسعادة غامرة، وأكثر ما يسعدنى أننا نؤكد للجميع أن الصم قادرون على العمل والابتكار».