لم تسفر المناظرة الأولى للمرشحين الطامحين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024، عن نتائج أو تغييرات جذرية تحدد ملامح عملية الترشيح خلال الأشهر القليلة المقبلة. وشارك في المناظرة التي استغرقت ساعتين آواخر الأسبوع الماضي ثمانية مرشحين جمهوريين، وتغيب عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بدعوى أن استطلاعات الرأي تؤكد تصدره السباق بفارق كبير عن بقية منافسيه، وكذلك عدم رغبته في تقاسم الأضواء مع مرشحين لا يتمتعون بشعبية حقيقية حسب قوله. والمرشحون الثمانية هم، حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس وحاكم ولاية داكوتا الشمالية داغ بورغوم ونائب الرئيس السابق مايك بنس والسفيرة السابقة لدى الأممالمتحدة نيكي هايلي والسناتور عن ولاية كارولاينا الجنوبية تيم سكوت، ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي والحاكم السابق لولاية نيوجيرسي كريس كريستي والحاكم السابق لولاية أركنسا آسا هاتشينسون. وأبلغ الحزب الجمهوري المرشحين بأنه يتعين عليهم من أجل المشاركة في المناظرة التعهد باحترام إرادة الناخبين في الانتخابات التمهيدية ودعم المرشح النهائي، على الرغم من أنه ليس واضحا حتى الآن كيف يمكن تنفيذ مثل هذا التعهد، بينما أعلن ترامب أنه لن يوقع على أي تعهد، كما أعلن أنه لن يحضر المناظرة الثانية في كاليفورنيا في السابع والعشرين من سبتمبر المقبل. وبدأت المناظرة في ميلووكي بولاية ويسكنسن بعد دقائق من بث مقابلة مسجلة للإعلامي تاكر كارلسون مع الرئيس السابق دونالد ترامب عبر منصة إكس، وقد تجادل المرشحون بحدة في بعض الأحيان، حول الدعم الأمريكي لأوكرانيا ونوع الخبرة اللازمة لإدارة حكومة اتحادية موسعة وسياسة الإجهاض، وعندما تعلق الأمر بالخيار الأكثر أهمية الذي يواجه الحزب، اصطف جميع المرشحين تقريبا على منصة المناظرة في ميلووكي الأربعاء الماضي خلف ترامب، وقال معظمهم إنهم سيدعمون ترامب كمرشحهم حتى لو أدين في سلسلة من القضايا منها تعامله مع وثائق سرية وجهوده لإلغاء انتخابات 2020، وكان حاكم أركنساس السابق آسا هاتشينسون هو الشخص الوحيد الذي رفض بوضوح رفع يده، في إشارة إلى أنه لن يدعم ترامب كمرشح إذا تمت إدانته. وأظهرت المناظرة انقسامات حادة داخل الحزب بشأن قضايا من بينها الحرب في أوكرانيا، وأعلن كل من ديسانتيس وراماسوامي أنهما يعارضان تقديم المزيد من التمويل لأوكرانيا، قائلين إنه ينبغي إنفاق الأموال على تأمين الحدود الأمريكية ضد تهريب المخدرات والبشر، وقارن راماسوامي دعم أوكرانيا بالتدخلات العسكرية الأمريكية المشؤومة في العراق وفيتنام، بينما اعتبر كريستي وبنس والسفيرة السابقة لدى الأممالمتحدة دعم أوكرانيا التزاما أخلاقيا وضروريا للأمن القومي الأمريكي. وتعهد العديد من المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة لعام 2024، في حال فوزهم، باللجوء إلى الجيش لشن ضربات ضد عصابات المخدرات في المكسيك والتي تشكل تهديدا متزايدا وتثير المخاوف على جانبي الحدود. ويقول مراقبون في واشنطن، إن المناظرة أظهرت تفوق بعض المرشحين فيما بدا البعض منهم وكأنه يقبع على الخطوط الجانبية للسباق الانتخابي، وقد لمع خلال المناظرة نجم رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما، وهو الرجل الذي لم يترشح أبدا لمنصب عام، ولم يصوت حتى لرئيس من 2004 إلى 2020، وفاق هذا السياسي المبتدئ كل التوقعات، وبدا في كثير من الأحيان أنه المرشح الوحيد على المسرح، وقد صد بسهولة الضربات الشديدة من زملائه المرشحين، وكال راماسوامي المديح لترامب، وتعهد بالعفو عنه في حال تمت إدانته في أي من القضايا المتهم فيها. ويقدم راماسوامي وعودا كبيرة مثل إلغاء مكتب التحقيقات الفيدرالي و تقليص الجهاز الحكومي الفيدرالي بنسبة الثلث، إلا أن نقطة قوته الأساسية تتركز في حديثه عن مستقبل مشرق للولايات المتحدة يرتكز إلى قدرات أبنائها بعيدا عن التركيز على قضايا وهموم الجماعات المدافعة والمنتمية لقضايا العرق واللون والهويات حتى إذا كان ذلك التركيز يهدف الى تصحيح أوضاع تاريخية غير عادلة. ومن المرشحين الذين كان أداؤهم جيدا خلال المناظرة، مايك بنس السياسي المخضرم، الذي شغل منصب عضو الكونجرس ونائب الرئيس، والسفيرة الأمريكية السابقة لدى الأممالمتحدة ، وتيم سكوت وكريس كريستي، ولم يتمكن بقية المرشحين من تقديم أنفسهم ببراعة خلال المناظرة وخاصة حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الذي كان في بدايات العام الحالي أقوى منافسي الرئيس السابق ترامب ، لكنه كان على الخطوط الجانبية لجميع اللحظات الرئيسية للنقاش. وبعد يومين من المناظرة الأولى للحزب الجمهوري، التي تخللها اعتقال ترامب في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، كتب الرئيس السابق على وسائل التواصل الاجتماعي، أن المرشحين الرئاسيين الجمهوريين كانوا من "الدرجة الثانية" وأن معدلات المشاهدة للمناظرة كانت منخفضة، في حين تفاخر بملايين المشاهدات لمقابلته المسجلة التي تم بثها في نفس الليلة. اجتذبت المناظرة ما يقرب من 13 مليون مشاهد، وفقا لشبكة فوكس نيوز المضيفة، في حين أن المناظرة كانت أعلى تصنيف بث تلفزيوني غير رياضي لهذا العام، إلا أنها كانت ضئيلة مقارنة ب 24 مليون مشاهد حصدتها أول مناظرة أولية للحزب الجمهوري على الشبكة في أغسطس لعام 2015 . وعقب يومين من المناظرة الأولى أواخر الأسبوع الماضي، أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته كلية إيمرسون الأمريكية، أن الرئيس السابق ترامب تراجع بمقدار ست نقاط في صفوف مؤيديه، ووجد الاستطلاع أن 50 بالمائة من الناخبين الأساسيين للحزب الجمهوري قالوا إنهم يخططون للتصويت لصالح ترامب، بانخفاض من 56 بالمائة في استطلاع جرى قبل المناظرة. كما حقق العديد من المرشحين ارتفاعا طفيفا في الدعم في أعقاب المناظرة، فقد أحرزت حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي أكبر دفعة من التأييد، حيث قفز دعمها من اثنين بالمائة إلى سبع بالمائة بعد المناظرة، وحصل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس على اثنتي عشرة بالمئة، بزيادة نقطتين مئويتين عما كان عليه قبل المناظرة، وحصل نائب الرئيس السابق مايك بنس على تأييد سبع بالمئة في الاستطلاع، ارتفاعا من ثلاث بالمئة قبل المناظرة. وأظهر الاستطلاع أن 27 في المائة من الناخبين شعروا بأن رجل الأعمال فيفيك راماسوامي فاز في المناظرة، لكن ذلك لم يترجم على الفور إلى زيادة في دعمه، الذي انخفض من 10 في المائة إلى 9 في المائة في استطلاع كلية إيمرسون. كما أظهرت استطلاعات أخرى للرأي أن حوالي ثلثي البالغين في الولاياتالمتحدة يريدون تحديد سقف عمري للمرشحين لمنصب الرئيس وأعضاء الكونغرس، بالإضافة لوضع سن تقاعد إلزامي للقضاة. ومع بقاء خمسة أشهر لانطلاق انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية للاستحقاق الرئاسي المقرر في نهاية العام المقبل تبدو شعبية ترامب أقوى من أي وقت مضى، لكن القضايا الجنائية العديدة التي تلاحقه تلقي بظلالها على محاولته العودة إلى البيت الأبيض. وسيواجه الفائز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري المرشح الديمقراطي، الذي يرجح أن يكون جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر2024.