ترجل مساء أمس "فارس من فرسان القلم عن صهوة الكتابة"، ورحل ناشر السفير "صوت الذين لا صوت لهم" دون استئذان، قبل أن ينهي السير "على الطريق" نحو "قضايا الوطن والأمة والإنسان". رحل ناشر صحيفة "السفير" الكاتب الصحفي البارز طلال سلمان، في مستشفى الجامعة الأمريكيّة بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز ال85 عاماً- وفقا للوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية – وقد أمضى أكثر من 60 عاما منها في العمل الصحفي، تاركا مكانة متقدمة ومتميزة ليس في الصحافة اللبنانية، وحدها بل في الصحافة العربية، وكانت سفيره "السفير" جواز المرور للرأي العام، وفقا لتعبير وسائل إعلام لبنانية. مسيرة طويلة بين الصحافة والسياسة: استهل سلمان الذي وُلد في بلدة شمسطار عام 1938، مسيرته الشاقة في عالم الصحافة نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، مُصححاً ومدققا لغويا في جريدة "النضال"، فمخبراً صحافياً في جريدة "الشرق"، ثم محرّراً، وسكرتيراً للتحرير في مجلة "الحوادث"، فمديراً للتحرير في مجلة "الأحد". وفي خريف عام 1962، ذهب إلى الكويت لإصدار مجلة "دنيا العروبة" عن "دار الرأي العام" لصاحبها عبد العزيز المساعيد. فيما لم تستمر التجربة لأكثر من ستة أشهر، عاد بعدها إلى بيروت للعمل كمدير تحرير مجلة "الصياد" ومحرراً في مجلة "الحرية"، حتى تفرّغ لإصدار "السفير". ومنذ 26 مارس 1974، أصدر الراحل جريدة "السفير" في بيروت، كصحيفة يومية سياسية مستقلة، وكاتب أحد أعمدتها "على الطريق"، وقد حملت الجريدة شعار "جريدة لبنان في الوطن العربيّ وجريدة الوطن العربيّ في لبنان"، وشعار أخر بعنوان "صوت الذين لا صوت لهم"، لتشكل منذ إصدراها الأول مرجعيّة صحفية وإعلامية في الشؤون العربية واللبنانية، تحمل التقدير، والتأثير في الداخل اللبناني والمحيط العربي. سلمان شغل عضوية مجلس "نقابة الصحافة اللبنانية" في الفترة من عام 1976 حتى 2015، والتي جاء في نعيها للراحل :" دمعة حبر متشحة بالسواد ندرفها على خد الكلمات. يرتعش القلم وهو يكتب نعياً لفارس من فرسانه .. خانه العمر ولم يخنه القلم والسير نحو الحق والحقيقة. ستون عاما ونيف، حر مدافع عن الحرية والتحرير. هو باختصار حتى آخر نبض من نبض حبره وقلبه نقول وداعا طلال سلمان"، مردفة "ننعيه عضوا لسنوات في مجلس النقابة، متمنين على الزملاء في كافة الصحف بالتزام شارة حداد على الراحل الكبير في صدر صفحتها الاولى". كما اشتهر الراحل أيضاً بحواراته مع غالبية الرؤساء والقادة والمسؤولين العرب، وحاز جائزة الدبلوماسي والمستشرق الروسي فيكتور بوسوفاليوك الدولية المخصصة لأفضل نقل صحفي روسي وأجنبي للأحداث في الشرق الأوسط. وتسلّم الجائزة في 7 نوفمبر عام 2000. وفي عام 2004، الذكرى الثلاثين لإصدار "السفير" كرمته المؤسسات الثقافية والنوادي في أنحاء لبنان. واختاره منتدى دبي الإعلامي "شخصيّة العام الإعلامية" لسنة 2009. وفي 7 مايو 2010 منحته كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية درجة الدكتوراه الفخرية تقديراً لدوره المتفرد في الصحافة والإعلام والأدب الصحفي. العالم العربي يودع الكاتب الراحل: بصمة كبيرة تركها الراحل، انعكست في تغريدات وتعليقات مسئولين وإعلاميين وشخصيات سياسية وأمنية لبنانية، فور تناقل خبر وفاته. فقال وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري عبر منصة "إكس" تويتر سابقا: "في لقائنا الأخير كان الحديث من القلب وعن ذكريات الصحافة. الكبير طلال سلمان العابر بقلمه للمناطق، ستبقى ذكراه خالدة، وتاريخه العريق صفحة لن تطوى في تاريخ الصحافة اللبنانية. وداعاً صوت الذين لا صوت لهم". وكتب نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي، في بيان: "غاب صوت الذي لا صوت لهم، صاحب القلم الماضي والحضور الطاغي في دنيا الصحافة والاعلام، الذي شق طريقه إلى التألق بالحبر الذي اختلط بالعرق والدم، وبعصامية تتجاوز المغامرة التي خاض غمارها بإمكانات متواضعة، ولكن بإيمان كبير وتصميم عنيد على أن يفرد لنفسه مكانة متقدمة، لا في الصحافة اللبنانية، بل في صحافة العرب، فكانت سفيره جواز مرور النخبة المتقدمة إلى الرأي العام، ونبض الرأي العام الذي يقتحم القصور والسرايات ويقض مضاجع الحكام". كما نعاه اللواء عباس إبراهيم، المدير العام السابق للأمن العام، قائلا: "ببالغ الأسى تلقّينا نبأ وفاة الصحافي الكبير والقدير ناشر جريدة السفير الغرّاء، الأستاذ طلال سلمان، بعد أعوام قليلة من تلقّينا خبر احتجاب جريدة السفير عن الصدور. وأضاف :"لقد كان الراحل عن حق سفير لبنان الى العالم. لم يترك جهداً خلال مسيرته في الثقافة والسياسة في سبيل خير المجتمع والوطن. حمل من دون كلل قضايا الأمة من محيطها إلى خليجها" وذكر النائب فؤاد مخزومي أنه "برحيل الصحفي الكبير الأستاذ طلال سلمان تخسر الصحافة اللبنانية والعربية علما من أعلامها، ووجها بارزا كان له باع طويل في عالم الصحافة المكتوبة". كما غرد الأمين العام ل"تيار المستقبل" أحمد الحريري عبر منصة "إكس": "يرحل طلال سلمان الرمز الصعب في الصحافة في الزمن الأصعب"، متابعة : أسهمت السفير في تشكيل وعينا الوطني العروبي والقومي، وكان الراحل الكبير رائدا في الصحافة، وصاحب القلم الأنيق والموقف الثابت والغني بالحكمة والرؤية الثاقبة.. مخزون ذاكرة لا ينسى، لي شخصيا كشاب نشأ على قراءة السفير صوتا للوطن والعروبة، ومنارة في عالم الصحافة". وأضاف: "طوى الأستاذ طلال صفحة مشرقة ومشرفة في تاريخ الصحافة اللبنانية والعربية. ويبقى صوت الذين لا صوت لهم.. رحمه الله، واسكنه فسيح جنانه". ونتيجة دوره الصحفي المؤثر وصلابة موقفه، تعرض سلمان في 14 يوليو 1984 إلى محاولة اغتيال أمام منزله في رأس بيروت، تركت ندوباً في وجهه وصدره. وكانت سبقتها محاولات لتفجير منزله. وبطريقتها الخاصة، وصفته صحف بلاده بأنه " عاشق فلسطين الأبدي، ومتتبع آثار جمال عبد الناصر. كانت كلماته القصار أعلى الصفحة الأخيرة من كل عدد، إمّا تحفيزية وإما تعريفًا أو شرحًا لمفهوم".. ولم تكن مفكرته تتسع لأرقام هواتف الزعماء والرؤساء". وقالت صحيفة "النهار" عنه: "يغيب طلال سلمان ويبقى صوته صوت الذين لا صوت لهم بما أرساه من ثقافة قول الحق ونشر الحقيقة مهما كانت تُحرِجُ وتَجْرحُ، فالوطن هو الأهم وإنسانه هو القضية وعروبته هي الهوية والانتماء وفلسطين هي الجوهر" ونشر للراحل العديد من المؤلفات معظمها نتاج عمله الصحفي، ومنها كتاب "مع فتح والفدائيين" 1969، وهو مجموعة تحقيقات صحفية نشرت في مجلة «الصياد». وكتاب "ثرثرة فوق بحيرة ليمان" وهو مقدمة لكتاب ضمّ المحاضر الكاملة لمؤتمر الوفاق الوطني الذي عقد عام 1984 في لوزان بسويسرا، وكتاب "إلى أميرة اسمها بيروت"، وهو مجموعة مقالات كتبها للعاصمة اللبنانية.
وساهم الراحل بكتابة العديد من مقالات الرأي التي نشرتها "الشروق" بدأت مع أولى أيام صدورها بمقال "مع الشروق"، وانتهت بمقال عن ليبيا – القذافي والسلطان التركي الذي نشر 23 يونيو الماضي.