اقترح وزير الخزانة الأمريكى تيموثى جيثنر تأسيس ما يمكن أن نعتبره صندوق تحوط عملاقا، لإنقاذ النظام المالى الأمريكى رغم أنه لم يسمه كذلك. ووفقا لهذا الاقتراح، تمنح الحكومة مبالغ مالية كبيرة للمستثمرين، كى يتمكنوا من شراء الأصول التى تعانى الخسارة بسعر خصم من البنوك، على أمل أن يحققوا أرباحا كبيرة. وإذا كان ذلك ليس صندوق تحوط، فماذا يمكن أن نسميه؟ ويتمثل الأمل فى أن النظام المصرفى الأمريكى الذى تبلغ قيمة أصوله 14 تريليون دولار سوف يستعيد قدرته على الإقراض، إذا استطاع التخلص من الأوراق المالية والقروض السيئة المدرجة على قوائمه. ويعتقد معظم الناس أن وجود نظام مالى صحى يعد أمرا ضروريا لأجل تحقيق انتعاش اقتصادى قادر على الاستمرار. لكن هل يمكن أن تنجح خطة جيثنر؟ ربما، بالرغم من العقبات التى تقف فى طريق هذه الخطة. وتكتسب بعض هذه العقبات طابعا سياسيا؛ ذلك أن المستثمرين قد يرفضون المساهمة فى الخطة، خشية الغضب الشعبى. وإذا نجحت الخطة فسوف يصبح عديد من الأثرياء الأمريكيين أكثر ثراء. وسوف يخضعهم الكونجرس أو يُخضع شركاتهم إلى جلسات استماع مهينة، أو يفرض عليهم ضرائب عقابية. فلماذا إذن يتكبدون عناء المشاركة؟ كما أنه توجد مشكلة أخرى، حيث إن المستثمرين والبنوك قد لا يستطيعون الاتفاق على أسعار شراء الأصول. وسواء نجحت خطة جيثنر أو فشلت، فقد استطاعت أن تسلط الضوء على إحدى المفارقات المدهشة، وهى أن الاستدانة تؤدى إلى الفوضى. والآن، تسعى هذه الخطة لتخليصنا من المأزق. لكن كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ وعلى أى حال، ليس الأمر جنونيا كما يبدو. ولنبدأ بالأسس التى تفسر كيف تؤثر الاستدانة على عوائد الاستثمار. افترض أنك اشتريت بالنقد سهما أو سندا قيمته 100 دولار. إذا ارتفع ثمن السهم إلى 110 دولارات، ستكون قد ربحت 10 دولارات، وهو ما يعد مكسبا معقولا. الآن افترض أنك اقترضت 90 دولارا من سعر الشراء، بمعدل فائدة 5%. فسوف يزيد سعر السهم أو السند خلال العام إلى 110 دولارات، لكنك ستكون قد كسبت أكثر من 50%. فأنت دفعت 4.5 دولار فائدة، وربحت 5.5 دولار على الدولارات ال10 التى استثمرتها. ولكن إذا انخفض السعر إلى 95 دولارا، فسوف تصبح مفلسا (لأنك ستدفع فائدة قدرها 4.5 دولار، إضافة إلى ال5 دولارات خسارة فى سعر الورقة المالية). ويشير جون جيناكوبلوس الاقتصادى فى جامعة ييل إلى أن الاقتصاد يتعرض بانتظام «لدورات استدانة». فعندما يكون الائتمان سهلا، تكون شروط الدفع المقدم فضفاضة. ومن ثم، يستطيع المستثمرون وملاك المنازل اقتراض قسم كبير من ثمن الورقة المالية أو المنزل. وترتفع أسعار الأصول (الأسهم والسندات والعقارات) إلى مستويات مصطنعة فى معظم الأحيان، لأن عوائد الاستثمار تكون آنذاك جذابة للغاية. ولكن عندما يجرى تقييد الائتمان نتيجة تغير سياسة الحكومة أو نفاد صبر المقرضين تنعكس الحالة، فتهبط الأسعار، ويبيع المستثمرون الأصول التى فى حوزتهم، من أجل تسديد ديونهم. ويواجه المقترضون الجدد قواعد صارمة للدفع المقدم. ويرى جيناكوبلوس أننا نواجه أصعب دائرة استدانة منذ الحرب العالمية الثانية. فيقول إنه منذ ثلاث سنوات، كان بوسع الراغبين فى شراء منزل دفع مقدم 5% أو أقل من ثمنه. الآن، ارتفع ذلك إلى 20% أو أكثر. وكان بوسع صناديق التحوط وصناديق الاستثمار الخاص المباشر وبنوك الاستثمار اقتراض 90% من ثمن شراء الأوراق المالية، بينما انخفض هذا المعدل حاليا إلى 10% أو أقل. وأدى السعى إلى إزالة آثار الاستدانة المفرطة إلى خفض الأسعار إلى مستويات غير واقعية، مثلما كان الارتفاع فى الأسعار خلال السنوات الماضية غير واقعى. وفى ظل فهم هذه الآلية، يمكن للمرء أن يدرك فحوى فكرة صندوق التحوط التى يطرحها جيثنر. فهى تقوم على ضخ مزيد من الاستدانة فى الاقتصاد ليس بمستويات طائشة كما كان فى الماضى، ولكن بمستويات معقولة بما يكفى لتغيير الاتجاه الحالى للانهيار فى الأسعار الناتج عن رعب المقرضين. وما زالت تفاصيل الخطة محل دراسة، إلا أنها من المتوقع أن تسمح بمعدلات استدانة قدرها 61 فى بعض الحالات. والمثال التالى يوضح الأمر. سوف يطرح المستثمرون 5 دولارات، وسوف تقابل وزارة الخزانة هذا المبلغ ب5 دولارات أخرى. ومن الممكن أن تمتد هذه الحصة الاستثمارية بمقدار 60 دولارا فى شكل قروض مضمونة من الحكومة. ويمكن استخدام المبلغ الكلى وقدره 70 دولارا فى شراء أصول من البنوك. وبالرغم من أن الفكرة تبدو بسيطة، إلا أنها لن تصبح كذلك عند التطبيق. وبالنظر إلى كل عمليات إزالة آثار الاستدانة المفرطة جرى إغلاق 15% من صناديق التحوط العام الماضى، وهو ما يعد معدلا غير مسبوق حيث هبط سعر السوق لعديد من الأوراق المالية إلى مستويات أقل بكثير مما تسمح به التدفقات النقدية طويلة الأجل. ويشير جيناكوبلوس إلى أحد سندات الرهن الذى انخفضت قيمته السوقية بشكل عشوائى بمقدار 40%، بالرغم من وفاء المقترضين بجميع تعهداتهم، وبالرغم من أنهم من المرجح أن يستمروا فى هذا النهج. وإذا قامت البنوك ببيع هذه القروض ومثيلاتها بأسعار السوق اليوم، فسوف تحقق خسائر فادحة، وينضب رأس مالها، مما يضطرها إلى زيادته أو طلب العون من الحكومة. ومن المفترض أن تجعل الاستدانة المقدمة من الحكومة المستثمرين يدفعون أسعارا أعلى. بل إن ذلك هو الهدف من الخطة على أى حال. غير أنه ما زال من غير المؤكد ما إذا كان البائعون والمشترون سوف يتفقون على السعر. وفى حالة الفشل فى التوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر، فسيصبح صندوق التحوط الذى يقترحه جيثنر غير ذى فائدة. وسوف تستمر البنوك فى التصرف بحذر، عبر تقييد الائتمان. وفى المقابل، يطرح نجاح الخطة عددا من المشكلات، ذلك أن مديرى تنظيم رءوس الأموال يتحدثون عن إمكانية تحقيقهم عوائد ضخمة، قدرها 20% من مشروع تدفع الحكومة معظم أمواله، وتتحمل معظم أخطاره. ومن ثم، فقد تؤدى ردود الأفعال السياسية العنيفة إلى سحق المشروع قبل أن يبدأ. يسير جيثنر إذن على حبل رفيع، فإما استمرار الشلل الاقتصادى، أو مواجهة الغضب الشعبى. (c) 2009، The Washington Post Writers Group