التخلى عن الثانوية العامة والجامعة بعدها، واختيار الدراسة الصناعية كان قرارا محسوما بالنسبة للشاب ماريو عاطف. «هنا أنا عارف طريقى، فنى أشغل دماغى وأيدى فى الورش، وشهادة دولية معترف بها فى ايطاليا ومصر، يعنى الشغل مضمون». ماريو يدرس التعليم الصناعى بمعهد «دون بوسكو» فى روض الفرج، فى عام 1969 تم توقيع بروتوكول تعاون بين مصر وايطاليا لتطوير التعليم الفنى، وبموجبها يحصل خريجو المعهد على شهادة متوسطة أو فوق المتوسط، معترف بها فى الدولتين. مجموع كبير فى الشهادة الإعدادية، اجتياز مقابلة بين إدارة المدرسة معه والعائلة، كورس مبدئى للغة الإيطالية، ثم امتحان نهائى فى مادة العلوم والرياضة. مراحل اجتازها ماريو قبل الدراسة، يعتبرها صبرى غنيم المدير المصرى للمعهد مؤشرا على مدى استعداد الطالب لخوض نظام دراسى مختلف، لا علاقة لوزارة التعليم المصرية به إلا فيما يتعلق بالنواحى الإدارية والمالية. اللغة الإيطالية هى اللغة الرسمية للدراسة، والمناهج التى تابعة لوزارة التربية والتعليم الإيطالية. لا توجد امتحانات فصلية. أربعة امتحانات تقيس مستوى الطالب على مدى السنة، ماعدا سنة الدبلوم. ثلاثة امتحانات يومية ما بين الشفوى والنظرى والعملى، والمصروفات تصل إلى 5 آلاف جنيه فى العام الدراسى. يدرس طلاب دون بوسكو فى قسمين، هما الكهرباء والميكانيكا، وتتنوع الأقسام الفرعية لتضم كهرباء التحكم الآلى والتركيبات والخراطة العادية أو بالتحكم الرقمى، والتبريد والتكييف ولحام أنابيب البترول، وميكانيكا السيارات. «أنا خلاص تعبت، كل يوم امتحانات، ومهما ذاكرت ما فيش درجات»، عبدالله طالب الصف الرابع قسم الكهرباء يدرس 13 مادة، يبدأ يومه الدراسى من السابعة والنصف صباحا، و حتى الثالثة عصرا «لو تأخرت يتحسب اليوم غياب». أن يضيع يوم دراسى، عقوبة قاسية من وجهة نظر عبدالله «لأن ما فيش دروس، واللى يحفظ ما يجيبش درجات». يتذكر عبدالله آخر امتحان خسر فيه نصف الدرجات، «ده ظلم، كانت غلطة واحدة»، ولكن الأستاذ نبيل، أحد المدرسيين خريجى المعهد، يعتبر هذا التشدد فى صالح الطلاب «الفنى ما ينفعش يغلط، لو بيعمل مشروع وحسب الفولت غلط، فى الحالة دى يجيب أجهزة بملايين مش مناسبة وتخسر». عبدالله لا يتقبل التفسير السابق دائما، فحلم المستقبل إنهاء الدراسة بتفوق حتى يلتحق بكلية الهندسة، وهو أمر يبدو مستحيلا فى مصر، حيث تشترط كليات الهندسة 90% حدا أدنى للقبول، بينما لا يزيد مجموع المتفوقين بالمعهد على 85%. «الأسهل هو الالتحاق بأى كلية هندسة فى إيطاليا، التى تقبل شهادة المعهد ولا تشترط مجموعا». على جوانب المعهد إعلانات توظيف تبحث عن خريجى المعهد، والسبب فى رأى هانى منيب رئيس قطاع التعليم الفنى بوزارة التربية والتعليم، هو «حسن الإدارة التى تهتم بالتدريب العملى»، وهو ما لا يتوافر فى المدارس المصرية أو مدارس مبارك كوول ذات التخصصات الأكبر والأوسع، مقارنة بالمعهد الذى يضم 24 فصلا و10 ورش لقسمين فقط، الكهرباء والميكانيكا فقط. تنفرد دون بوسكو أيضا باحتساب الرياضة البدنية والسلوك مادة أساسية، «لو نجحت فى كل المواد العلمية وسقطت فى السلوك، مش ها يعدى السنة. ده دستور دون بوسكو». الراهب الإيطالى دون يوحنا بوسكو، هو المؤسس الأول لمعاهد ساليزيان دون بوسكو حول العالم. كانت الفكرة حلما شخصيا. قرر افتتاح مدارس للشباب لتربية وتأمين حرفة تحميهم من الفقر الذى عانى منه صغيرا، وحتى الآن توجد 200 مدرسة فى العالم، منها اثنتان بمصر، بروض الفرج والإسكندرية. يجلس مينا مضطربا، فمنذ أيام اعتدى على زميل خارج المدرسة، وكان العقاب «دائرة حمراء فى خانة السلوك، وثلاثة أيام فى ورشة الميكانيكا». الطالب الذى يعيد العام الدراسى، حاول إرضاء المدرسيين، التماسا لأربع درجات رأفة، يساعد بها المدرس الطالب الملتزم. «لو رميت ورقة، تأخرت، عليت صوتى.. أخسر درجات». مع كل شهادة، يجتمع المدير لمدرسى الفصل الواحد فى حجرة مغلفة، يستعرضون صور الطلاب، ويقيم الكل الطالب سلوكيا. ينتصب تمثال «دون بوسكو» أمام باب المدرسة مبتسما يستقبل زوار المدرسة بالعبارة المنحوتة أسفل الوجه الهادئ: يكفى أنكم صغار لأحبكم.