«لا تصالحْ!.. ولو منحوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ هى أشياء لا تشترى».. كلمات خالدة فى الذاكرة العربية تعود إلى الشاعر أمل دنقل أحد أهم شعراء مصر فى القرن الماضى والذى حلت ذكرى ميلاده أمس الجمعة الموافق 23 يونيو، حيث ترك لنا إرثا خالدا من الأعمال الثرية والقصائد المتفردة، قبل أن يرحل عن عالمنا بعد صراع مع مرض السرطان فى 21 مايو لعام 1983م، عن عمر يناهز 43 عاما. «محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل»، الاسم الكامل للشاعر الذى ولد فى مركز قفط بمحافظة قنا فى صعيد مصر، وقد كان والده عالما من علماء الأزهر الشريف مما أثّر فى شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح. سُمّى أمل دنقل بهذا الاسم لأنه ولد بنفس السنة التى حصل فيها والده على إجازة عالمية فسمّاه باسم أمل تيمّنا بالنجاح الذى حققه. وامتد تأثير أبيه عليه بشكل كبير حيث ورث أمل دنقل عن والده موهبة الشعر فقد كان يكتب الشعر العمودى، وأيضا كان يمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربى مما أثر كثيرا فى أمل دنقل وساهم فى تكوين اللبنة الأولى لهذا الأديب. فقد أمل دنقل والده وهو فى العاشرة من عمره مما أثر عليه كثيرا وأكسبه مسحة من الحزن تجدها فى كل أشعاره. رحل أمل دنقل إلى القاهرة بعد أن أنهى دراسته الثانوية فى قنا وفى القاهرة التحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول لكى يعمل. عمل أمل دنقل موظفا بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية ثم بعد ذلك موظفا فى منظمة التضامن الأفروآسيوى، ولكنه كان دائما ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر. كمعظم أهل الصعيد، شعر أمل دنقل بالصدمة عند نزوله إلى القاهرة أول مرة، وأثّر هذا عليه كثيرا فى أشعاره ويظهر هذا واضحا فى أشعاره الأولى. استوحى أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربى، وقد كان السائد فى هذا الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانية خاصة. عاصر أمل دنقل عصر أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم فى تشكيل نفسيّته وقد صُدِم ككل المصريين بانكسار مصر فى عام 1967 وعبّر عن صدمته فى رائعته «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» ومجموعته «تعليق على ما حدث». عبّر أمل دنقل عن مصر وصعيدها وناسها، ونجد هذا واضحا فى قصيدته «الجنوبى» فى آخر مجموعة شعرية له «أوراق الغرفة 8»، حيث عرف القارئ العربى شعره من خلال ديوانه الأول «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» الصادر عام 1969 الذى جسّد فيه إحساس الإنسان العربى بنكسة 1967 وأكّد ارتباطه العميق بوعى القارئ ووجدانه. صدرت له ست مجموعات شعرية هى: البكاء بين يدى زرقاء اليمامة بيروت 1969، تعليق على ما حدث بيروت 1971، مقتل القمر بيروت 1974، العهد الآتى بيروت 1975، أقوال جديدة عن حرب بسوس القاهرة 1983. أوراق الغرفة 8 القاهرة 1983، مرضه الأخير. أُصيب أمل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة تقرب من ثلاث سنوات وتتضح معاناته مع المرض فى مجموعته «أوراق الغرفة 8» وهو رقم غرفته فى المعهد القومى للأورام والذى قضى فيه ما يقارب الأربع سنوات، وقد عبّرت قصيدته السرير عن آخر لحظاته ومعاناته، وهناك أيضا قصيدته «ضد من» التى تتناول هذا الجانب، والجدير بالذكر أن آخر قصيدة كتبها دنقل هى «الجنوبى». لم يستطع المرض أن يوقف أمل دنقل عن الشعر حتى قال عنه أحمد عبدالمعطى حجازى: «إنه صراع بين متكافئين، الموت والشعر». كانت آخر لحظاته فى الحياة برفقة د. جابر عصفور وعبدالرحمن الأبنودى صديق عمره، مستمعا إلى إحدى الأغانى الصعيدية القديمة، أراد أن تتم دفنته على نفقته لكن أهله تكفّلوا بها.