بعد 5 سنوات على انسحابها من منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، تعتزم الولاياتالمتحدة استعادة عضويتها في المنظمة، اعتبارا من الشهر المقبل، لتطوي صفحة من الخلافات وتنهي الانسحاب الثاني لها من المنظمة التي كانت أحد مؤسسيها عام 1945 ومن بين أهم المساهمين في ميزانيتها حتى عام 2011. وأبلغت السفارة الأمريكية في باريس ممثلي الدول الأعضاء في المنظمة بقرار الولاياتالمتحدة بالعودة إلى عضويتها في اليونسكو، وذلك في اجتماع رفيع المستوى عُقد في العاصمة الفرنسية. وأعربت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، عن اعتقادها بأن هذه الخطوة الجديدة تعكس بشكل قوي الثقة في دور اليونسكو والتزامها بتعزيز مفهوم التعددية وقبول الاختلافات. ووفقًا لقوانين اليونسكو لا يمكن قبول العودة الأمريكية إلا بعد تصويت أغلبية الدول الأعضاء. وقد أبدت أكثر من 40 دولة رغبتها في إجراء تصويت سريع حول الموضوع وأعربت عن تأييدها لإعادة الولاياتالمتحدة، كما أكد السفير الصيني لدي منظمة اليونسكو يانج جين، أن بكين لن تعارض هذه العودة، وفقا لإذاعة "مونت كارلو" الدولية. وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان في أكتوبر عام 2017، الانسحاب من المنظمة اعتبارا من 31 ديسمبر 2018، قائلة إن "القرار لم يتخذ بسهولة ويسلط الضوء على مخاوف الولاياتالمتحدة من تزايد ديون اليونسكو وضرورة إجراء إصلاحات جذرية في المنظمة ومن استمرار الانحياز ضد إسرائيل في اليونسكو"، على حد تعبيرها. وأبلغت واشنطن في حينها المنظمة برغبتها في استمرار التعاون معها بصفة مراقب غير عضو من أجل المساهمة في القضايا المهمة التي تتولاها اليونسكو، ومنها المشاركة في حماية التراث العالمي. ولدى صدور القرار الذى اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رحب به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، زاعما أن "اليونسكو أصبحت مسرح عبث، وبدلا من الحفاظ على التاريخ قامت بتشويهه"، كما سار على النهج ذاته معلنا انسحاب تل أبيب من المنظمة. وتعرضت المنظمة، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقراً لها، لانتقادات إسرائيلية، وذلك على خلفية انتقاد اليونسكو مرار وتكرارا لاحتلال إسرائيل للقدس الشرقية، بجانب تصنيفها لمواقع أثرية إرثاً فلسطينياً، بحسب شبكة "يورو نيوز". وأعلنت اليونسكو في عام 2017 البلدة القديمة بمدينة الخليل بالضفة الغربيةالمحتلة، "منطقة الحرم الإبراهيمي" بما في ذلك المقبرة التي يسميها الإسرائيليين ب"قبر البطاركة" منطقة محمية من بين مناطق التراث العالمي بصفتها موقعاً "يتمتع بقيمة عالمية استثنائية"، وأدرجته كمنطقة فلسطينية. وعندما انسحبت الولاياتالمتحدة من اليونسكو، رأت وكالة "أسوشيتد برس" في تقرير نشر حينها أن انسحاب البلدين من المنظمة، التي عملت على تعزيز السلام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يشكل "ضربة" لها، رغم كونه مجرد إجراء بروتوكولي. كما اعتبرت أن الانسحاب لن يؤثر بقوة من الناحية المالية على المنظمة، خاصة وأنها تتعامل مع وضع مادي صعب منذ عام 2011، وهي السنة التي قررت فيها الولاياتالمتحدة وإسرائيل التوقف عن تمويل المنظمة بسبب منح فلسطين عضوية كاملة في اليونسكو. وأصبحت فلسطين العضو 195 في اليونسكو، إثر تصويت كاسح للمؤتمر العام في 31 أكتوبر 2011 عارضته 14 دولة فقط، ورفع العلم الفلسطيني بعد شهر من ذلك فوق مقر المنظمة الأمميةبباريس، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن والمديرة العامة لليونسكو آنذاك إيرينا بوكوفا. ووفقا لتقديرات تعود لعام 2017، فإن الولاياتالمتحدة التي كانت تسهم بنحو 22% من موازنة "اليونسكو" سنويا، راكمت نحو 600 مليون دولار كمستحقات غير مدفوعة (أي أكثر من ميزانية اليونسكو السنوية وقدرها 534 مليون دولار). أما إسرائيل فراكمت نحو 10 ملايين دولار كمستحقات غير مدفوعة. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تنسحب فيها واشنطن من المنظمة، حيث سبق أن قامت بذلك في عام 1984، في عهد الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان، ثم عادت إليها مرة أخرى عام 2003 في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، بحسب موقع إذاعة "دويتشه فيله" الألماني. وجاء الانسحاب الأول للولايات المتحدة احتجاجا على ما اعتبرته "إدارة سيئة" لمنظمة، حيث اتهمتها ب"الفساد" والميل الأيدولوجي تجاه الاتحاد السوفيتي.