لابد أن تكون المدن فى قلب أى رؤية واقعية للاستدامة. ففى حين أن المناطق الحضرية تغطى فقط 2٪ من أراضى العالم، إلا أنها تنتج 70٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وتستهلك 78٪ من طاقة العالم. مدننا لها بصمة بيئية هائلة. بالنسبة لحوض البحر المتوسط، هذا أمر مثير للقلق بشكل خاص. فبالإضافة إلى كونه منطقة معرضة بالتحديد لتغير المناخ، فإنه يتمتع بواحد من أسرع معدلات التحضر فى العالم. تتعرض المدن فى منطقة المتوسط فعليا بشكل خطير لتأثيرات تغير المناخ، ولاسيما لتحديات مثل ندرة المياه والجفاف وحرائق الغابات وموجات الحر. كما تجابه تهديدات متزايدة متمثلة فى ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الساحلية والعواصف. لهذا السبب يدعو الاتحاد من أجل المتوسط باستمرار إلى تعاون دولى أكثر قوة لتعزيز التنمية المستدامة، من خلال التزام طويل الأمد لضمان وضع المناطق الحضرية فى قلب جدول أعمال المنطقة. وفى نظرة للمستقبل، شرعت دول الاتحاد من أجل المتوسط فى تنفيذ خطة عمل طموحة لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة فى المنطقة على أن يكون قياس التقدم أمرًا أساسيًا، وجزءا من خطة عمل التنمية الحضرية الاستراتيجية لعام 2040. سيقوم الاتحاد من أجل المتوسط بوضع مؤشرات لرصد التقدم المحرز وإعداد تقارير بذلك بالتشاور مع جميع الأطراف المعنية. فبينما نعيد التفكير فى حالة مدننا فى أعقاب جائحة كوفيد 19، أصبحت الاستجابات الاستراتيجية الفعالة والموحدة مهمة أكثر من أى وقت مضى. ولا يتعلق الأمر فقط بمساعدة الكوكب والناس على المدى الطويل كما لو أن ذلك لم يكن كافيًا. هناك المزيد من الفوائد الفورية للتنمية الحضرية المستدامة. على سبيل المثال، يرى معهد برشلونة للصحة العالمية (ISGlobal) أن المدن فى أوروبا يمكنها منع ما يصل إلى 43 ألف حالة وفاة مبكرة كل عام إذا اتبعت توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن الوصول إلى المساحات الخضراء. ستكون البيانات العلمية المماثلة ضرورية للمخططين الحضريين فى جميع أنحاء منطقة المتوسط إذا أرادوا التصدى بفعالية للتحديات الأكثر إلحاحا. ومن المجالات الرئيسية الواجب معالجتها هى مسألة الافتقار إلى كفاءة استخدام الطاقة فى المبانى، والتى يشار إليها بنظرية «الفيل فى الغرفة» لأننا بحاجة إلى إيلاء الاهتمام اللازم لهذه المشكلة التى تزداد تفاقما. اليوم، تمثل المبانى والإنشاءات 37٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المرتبطة بالطاقة. بعيدًا عن الوصول إلى إزالة الكربون بحلول عام 2050، فإن استهلاك الطاقة العالمى فى قطاع البناء سيتضاعف بحلول ذلك الوقت، بينما من المتوقع أن تزداد الحاجة إلى التبريد فى المبانى ثلاث مرات. يبدو الحل واضحا. بما أن منطقة المتوسط ستكون فى طليعة مواجهة آثار تغير المناخ، فعليها أن تبادر بالابتكار. لذا يساند الاتحاد من أجل المتوسط مبادرة برنامج كفاءة الطاقة فى المبانى (PEEB) بمنطقة المتوسط. ويدعم البرنامج مشاريع التجديد والبناء الكبرى التابعة للقطاعين العام والخاص فى مختلف بلدان المنطقة. ومن المتوقع أن يعود ذلك بالنفع على 14 مليون شخص بشكل مباشر، فضلا عن الإسهام فى تقليل مليون طن من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون على مدى 50 عامًا. لقد كانت جهود الاتحاد من أجل المتوسط لوضع الأجندة الحضرية للمنطقة على المسار الصحيح ثابتة، وركزت دائمًا على بناء شراكات قادرة على تحويل رؤيتها إلى عمل. من خلال تعاونه الأخير مع منظمة الصحة العالمية (WHO)، تمكن الاتحاد من الترويج لمدن أكثر صحة وصالحة للعيش وتعطى الأولوية لرفاهية سكانها. وتم تسليط الضوء على تأثير هذه الشراكات خلال المؤتمر الوزارى الثالث للاتحاد من أجل المتوسط حول التنمية الحضرية المستدامة، الذى عقد فى زغرب يوم الخميس الماضى 4 مايو. إلى جانب الشراكات المؤسسية، يتطلب العمل من أجل التنمية الحضرية المستدامة مراعاة الشمولية كإشراك المواطنين والشباب والمرأة للتعبير عن أرائهم بشأن المكان الذى يعيشون فيه. تهدف مساعى الاتحاد من أجل المتوسط فى هذا المجال إلى إبراز مثل هذه المشاركة فى كل خطوة وقد تضمنت العديد من المبادرات لتعزيز الحوار، ومن بينها إنشاء شبكة من مدارس الهندسة المعمارية والتصميم الحضرى. ويعد جمع الأصوات المختلفة معًا بهذه الطريقة أمرًا بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات مستنيرة تعكس تنوع الخبرات فى منطقتنا. فى المؤتمر الوزارى بزغرب، التزم الوزراء من الدول الأعضاء الثلاث والأربعين فى الاتحاد من أجل المتوسط بمواصلة التشجيع على العمل وإقامة تعاون وتحالفات قوية متعددة الأطراف. فمن خلال إعطاء الأولوية للتنمية الحضرية المستدامة، يمكننا تعزيز قدرة المدن الأورومتوسطية على الصمود وخلق مستقبل أكثر إشراقًا لمجتمعاتنا وكوكبنا.