محافظ كفر الشيخ يتابع تقديم مصالحات البناء في المركز التكنولوجى ببيلا    "الرقابة الصحية" تشارك في ختام "تحسين جودة المستشفيات" بالتعاون مع "الجايكا"    بوتين: بيلاروس ستنضم إلى روسيا في المرحلة الثانية من تدريبات اختبار الأسلحة النووية    حماس تؤكد تمسكها بالموافقة على الورقة التي قدمها الوسطاء للتهدئة في غزة    رئيس وزراء الأردن: اللجنة العليا المشتركة مع مصر نموذج للتعاون العربي الناجح    استبعاد صلاح من قائمة المرشحين لجائزة لاعب الموسم في الدوري الإنجليزي    القبض على عنصر إجرامي شديد الخطورة بالدقهلية    لجنة برلمانية تتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف بمحافظة الأقصر    الشعب الجمهوري يعقد اجتماعًا تنظيميًا لأمناء المرأة على مستوى محافظات الجمهورية    تعرف على جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي 2024..وضوابط دخول امتحانات التيرم الثاني    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    الأونروا: 80 ألف فلسطيني فروا من رفح خلال 3 أيام بحثًا عن ملاذ آمن    بنك ناصر الاجتماعي يرعي المؤتمر العلمي الدولي لكلية الإعلام جامعة القاهرة    حقيقة انتقال نجم بايرن ميونيخ إلى ريال مدريد    هل يقترب مدافع الوداد السابق من الانتقال للأهلي؟    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    محامي الشيبي يطالب بتعديل تهمة حسين الشحات: "من إهانة إلى ضرب"    أحمد عز وماجد الكدواني وريهام عبد الغفور أبرز الحاضرين لجنازة والدة كريم عبد العزيز    «ثورة الفلاحين» تستقبل الجمهور على مسرح المحلة الكبرى (صور)    دعاء الامتحان لتثبيت ما حفظت.. يسهّل الاستذكار | متصدر    محافظ الغربية يترأس الاجتماع الأسبوعي لمتابعة نسب تنفيذ مشروعات المحافظة    بالتعاون مع المستشفى الجامعى.. قافلة طبية جديدة لدعم المرضى بمركزي الفيوم وسنورس    تجنبًا لإلغاء التخصيص|«الإسكان الاجتماعي» يطالب المُتعاقدين على وحدات متوسطي الدخل بضرورة دفع الأقساط المتأخرة    السياحة والآثار: لجان تفتيش بالمحافظات لرصد الكيانات غير الشرعية المزاولة لنشاط العمرة والحج    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    لليوم الرابع على التوالي.. إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات لغزة    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    إيرادات فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بعد 4 أسابيع من طرحه بالسينمات    حسين فهمي ضيف شرف اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    رجعوا لبعض.. ابنة سامي العدل تفجر مفاجأة عن عودة العوضي وياسمين عبد العزيز    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    قرار جمهوري بإنشاء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي.. تعرف على أعماله    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    هل تصح الصلاة على النبي أثناء أداء الصلاة؟.. الإفتاء توضح    إنشاء المركز المصري الإيطالي للوظائف والهجرة لتأهيل الشباب على العمل بالخارج    موعد بدء أعمال مكتب تنسيق الجامعات 2024 لطلاب الثانوية العامة والشهادات المعادلة    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    أحمد عيد: سأعمل على تواجد غزل المحلة بالمربع الذهبي في الدوري الممتاز    إمام وخطيب مسجد عمرو بن العاص يوضح حكم حج الرجل عن أخته المريضة    مفاجآت سارة ل5 أبراج خلال شهر مايو.. فرص لتحقيق مكاسب مالية    عاجل| مصدر أمنى رفيع المستوى يكشف تطورات جديدة في مفاوضات غزة    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    السكري- ما أعراض مرحلة ما قبل الإصابة؟    12 صورة بالمواعيد.. تشغيل قطارات المصيف إلى الإسكندرية ومرسى مطروح    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    بوتين يحيي ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية    طلب إحاطة بتعديل مكافآت طلاب الامتياز ورفع مستوى تدريبهم    عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    بعد العاصفة الأخيرة.. تحذير شديد من الأرصاد السعودية بشأن طقس اليوم    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية مصر والاستثمار الخارجى
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2023

رغم أن هدف جذب الاستثمار الخارجى احتل موقعا رئيسيا فى أولويات سياسة مصر الاقتصادية منذ بدء سياسة الانفتاح عام 1974، فما تحقق منها فعليا كان أقل كثيرا من التطلعات والاحتياجات، وقاصر مقارنة بما حققه عدد غير قليل من الدول النامية. وقد أتاحت لى مسيرة عملى الاقتراب من جهود مصر لتشجيع الاستثمار والمشاركة فيها، كما أتاحت لى الاطلاع على تجارب العديد من الدول الأخرى، وأحاول هنا عرض ما خرجت به من نقاط يمكن أن تساعد فى تطوير أدائنا فى هذا المجال. إلا أنه من الواجب فى البداية إيضاح أن هذه ليست إلا زاوية واحدة من زوايا الرؤية، قد تكمل زوايا أخرى للرؤية، لكنها بالقطع لا تغنى عنها، أخص منها بالذكر الكتابات القيمة للوزيرين السابقين، والعقليتين المصريتين المتميزتين، الدكتور زياد بهاء الدين والدكتور أحمد جلال.
والحقيقة أن هناك اتفاقا على أهمية الاستثمار الخارجى المباشر المحورية لمصر. وبدون الدخول فى تفاصيل ليس هذا محلها، يقدر الخبراء أن تحقيق فرص عمل تكفى لاستيعاب الزيادة السكانية والقوى العاملة المعطلة بالتراكم، وقيمة مضافة ترفع مستوى معيشة السكان عموما، يتطلب تدفق استثمارات خارجية تذهب غالبية التقديرات إلى أنها تزيد على 20 مليار دولار سنويا بشكل متواصل، أى ما يقرب من 10 أضعاف متوسطها فى السنوات الأخيرة، لا سيما مع تناقص المساعدات والقروض التى لم يعد متاحا لمصر الحصول على ما يكفى منها أو تحمل أعباء زيادتها.
• • •
ومن أبرز الملاحظات على أداء مصر فى تشجيع الاستثمار هو تذبذب درجة الاهتمام به، بصورة تضعف من مصداقية جهود اجتذابه. ففى كل مرة أبرمت مصر اتفاق للإصلاح المالى والنقدى مع صندوق النقد الدولى، واستعادت قدرتها على تلبية احتياجاتها العاجلة بفضل حزم التمويل التى تستهدف عبور مصر أزمتها وحتى تتمكن من الاعتماد على الاستثمار الخاص، ومشتروات الأجانب لأذون الخزانة نتيجة تخفيض قيمة الجنيه ورفع سعر الفائدة، تراخى الاهتمام الحكومى بجذب الاستثمار. يظل الأمر كذلك إلى أن تبدأ هذه التدفقات فى التراجع كما هو متوقع، وحينئذ فقط نرى الالتفات الجدى إلى أهمية الاستثمار لسد فجوة الموارد، وتخفيف الأعباء الاجتماعية لبرنامج الإصلاح. المشكلة هى أن هذا يكون بعد انتهاء قوة الدفع الأولى للبرنامج، عندما يفقد جانبا مهما من رونقه وتقل فاعليته، بينما لو تم اعتبار الاستثمار أولوية من البداية، لأمكن توظيف التدفقات المالية الكبيرة فى تحفيز الاستثمار، وفى إثبات أن هناك التزاما حقيقيا ومستداما بتشجيعه.
إلا أن الملاحظة الأهم هنا هى شيوع الاعتقاد بأن جذب الاستثمار يكفى معه تطبيق برنامج للإصلاح المالى والنقدى والتشريعى، ثم القيام ببعض حملات للدعاية، بينما لا تعدو هاتان الخطوتان كونهما الحلقتين الأولى والأخيرة من سلسلة طويلة من السياسات والإجراءات الضرورية لزيادة الاستثمار الخارجى المفيد. وعموما، فقد اقترنت قصص النجاح فى جذب الاستثمار بجانب ما سبق بتوافر كل أو أغلب العناصر التالية:
1 استقرار سياسى وأمنى حقيقى ومستدام وعميق الجذور، لا يخفى تحت السطح عوامل عدم استقرار قابلة للتفجر.
2 بنية أساسية كافية ويمكن الاعتماد عليها وعلى تطورها المستمر.
3 قوة عاملة متنوعة المستويات والمهارات تملك القدرة والحافز على العمل، وبتكلفة تنافسية، من حيث الأجر والإنتاجية والانضباط ونسب الفاقد والتالف، وتوازن قوانين العمل، وغيرها.
4 سوق محلية كبيرة وبها قوة طلب يعول عليها، و/أو أسواق خارجية مغرية يمكن الوصول إليها من الدولة مقصد الاستثمار، وبوجه خاص من خلال اتفاقيات تجارية تفضيلية.
5 إطار تشريعى وتنظيمى واضح ومستقر وعادل، لا يجد المستثمر نفسه فيه معرضا لإجراءات أو ضغوط تعسفية، أو مضطرا للبحث عن قنوات غير رسمية أو أساليب غير مشروعة لحل ما تواجهه من مشاكل أو صعوبات.
6 نظام عدالة كفء وموثوق فى عدالته ونزاهته ومهنيته، يمكن من خلاله لصاحب الحق أن يقتضى حقه، وقادر على إنفاذ أحكامه.
7 ساحة تنافس محلية متكافئة، لا تنحاز القوانين أو المؤسسات العامة فيها إلى الجانب المحلى سواء كان من القطاع الخاص أو العام أو الحكومى.
8 نظام ضريبى يحقق العدالة والثبات والشفافية، دون حاجة بالضرورة لتقديم حوافز استثنائية.
9 آليات فعالة للحوار مع مؤسسات الدولة لتذليل الصعاب التى تواجه المستثمر، وروابط فعالة لمؤسسات الأعمال، ومدن صناعية توفر متطلبات مختلف أنواع الاستثمار، وكيانات بحثية تلبى احتياجات المنتجين من البحوث والتطوير.
10 مؤسسة متخصصة فى الترويج، تضع وتنفذ برنامجا شاملا ومعقدا ومتواصلا لجذب الاستثمار.
تجدر الإشارة إلى أن بعض ما يعتبر من الحوافز له تأثيرات ضارة، مثل تخفيضات الجمارك على المكونات اللازمة للصناعات التجميعية، لأنها تسمح بنشأة صناعات شبه طفيلية تتربح من فارق الرسوم الجمركية بين المكونات والمنتج النهائى مقابل قيمة مضافة محدودة، على حساب حرمان الصناعات ذات القيمة المضافة الأعلى من الموارد المالية والبشرية. وكقاعدة، فإن المستثمر حين يفاضل بين مقاصد الاستثمار المختلفة، فإنه لا يذهب حيث تتوافر الظروف الملائمة لنشاطه، وإنما حيث تتوافر أفضل تلك الظروف، وحيث تؤكد الشواهد نجاح الاستثمارات الوطنية وازدهارها.
وإذا كان جل أعباء الإصلاح المالى النقدى تقع على المواطنين والمجتمع، فإن تحسين مناخ الاستثمار ينطوى على تنازل الدولة عن جانب من حريتها المطلقة فى اتخاذ القرارات، ومن أوراق القوة التى تملكها، طالما لم يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية العليا، لإعطاء المستثمر الثقة أنه آمن على رأسماله وحقوقه وفرصه فى الربح بل والتوسع، دون خشية حدوث ما يفاجئه، أو الاضطرار إلى دخول مواجهة مع سلطة الدولة أو منافستها أو التنازل عن مصالحه لإرضائها.
• • •
إلا أن الاستثمارات الخارجية لم تخلق كلها متساوية، كما أنها تختلط فى الحوار العام بأشكال أخرى من الأنشطة، لذا يصبح من المهم التمييز بين الاستثمارات التى تحقق أفضل إسهام فى التنمية الاقتصادية، وتوجيه جل جهود التشجيع نحوها، على حساب محدودة العائد أو التى تتسبب فى الاضطراب الاقتصادى، أو تزاحم الاستثمارات الجيدة.
بداية، هناك تفرقة بين الاستثمار الخارجى المباشر، المتمثل فى تدفق رأسمال خارجى طويل الأجل، بغرض امتلاك وتشغيل أدوات الإنتاج، وزيادة القيمة المضافة المحلية، مع الاستعداد لتحمل المخاطر التجارية المرتبطة بالاستثمار؛ وبين غيره من التدفقات المالية مثل القروض، حتى التنموية منها، ومشتروات الأجانب من الأسهم والأوراق المالية وأذون الخزانة والسندات، وما يتم من عقود مع شركات أجنبية لتنفيذ مقاولات، حيث تقل درجة المخاطرة ومعها درجة استفادة الاقتصاد.
كما أن هناك التفرقة حسب ما ينطوى عليه الاستثمار من توظيف لعوامل الإنتاج، بين المشروعات التى تحتوى على مكون ريعى كبير مثل المشروعات الاستخراجية، ومشروعات البنية الأساسية والتنمية العمرانية؛ والمشروعات الإنتاجية التى توظف مزيجا متوازنا من رأس المال والعمل والموارد الطبيعية المحلية والقدرات التنظيمية والإدارية، ذات العائد الاقتصادى الأعلى والأكثر استمرارية.
بل إنه، حتى بين الاستثمارات الإنتاجية، ينبغى التفرقة بينها حسب ما تضيفه من قيمة مضافة محلية، فالاستثمار فى صناعات التجميع وغيرها من صناعات وخدمات تعتمد على نسبة مرتفعة من المدخلات المستوردة؛ وتلك التى تتجه إلى صناعات تعتمد على نسبة مرتفعة من المدخلات أو التشغيل المحلى، أو تسهم فى تعميق الصناعة المحلية، وبالتالى زيادة التوظيف وتقوية ميزان المدفوعات وتطوير الاقتصاد والمجتمع عموما.
وأخيرا، يجب التفرقة بين الاستثمار فى الأنشطة ذات المحتوى التكنولوجى الأعلى؛ والأنشطة التقليدية التى لا تضيف إلى الاقتصاد والمجتمع معارف وقدرات جديدة.
لذا، ينبغى على السياسات العامة التعامل مع الاستثمار الخارجى بشكل انتقائى، أخذا فى الاعتبار أن الاستثمار يكون أكثر حذرا وتحفظا كلما كان أكثر فائدة، حيث تكون الصناعة العميقة المتطورة أصعب منالا، لأنها تنطوى على مخاطرة أكبر ومنحنى ربحية بطىء ومتدرج؛ بينما يسهل جلب الأنشطة الأقل عمقا وتطورا، أو الساعية إلى استخراج الموارد الطبيعية، أو التنمية العقارية ومشروعات البنية الأساسية، أكثر إقداما، لأن معادلة المخاطرة والربحية فيها أكثر إغراء.
• • •
أثبتت تجارب التنمية على مدى العقود السبعة الماضية أن نجاحها ارتبط بجعل الاستثمار الخارجى المباشر محورا رئيسيا للسياسات العامة، الاقتصادية وغير الاقتصادية، ويضعه فى مكانة تقارب مكانة قضايا الأمن القومى، وأن أهميته إذا ما تدفق بالحجم والنوعية الملائمة تتعدى الجانب المالى، لأنه يعد أيضا مصدرا حيويا لخلق فرص العمل، ولانتقال التكنولوجيا، ووسيلة فعالة لتطوير أساليب وقيم العمل والإدارة والنشاط الاقتصادى، والارتقاء بالقطاعات المحلية بتأثير المنافسة والتعلم، فضلا عن خلق روابط أكثر فاعلية وقوة مع شبكات الإنتاج والتوزيع والابتكار العالمية، بكل ما لذلك من فوائد للتنمية الاقتصادية، ولتطور المجتمع عموما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.