ضم التاريخ الإسلامي العديد من الأئمة والفقهاء الذين أثروا العالم بعلمهم ومؤلفاتهم وتتلمذ على يديهم الكثيرون، واستفاد الناس من فتواهم في شئونهم الحياتية. وتستعرض "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسلة "أشهر الأئمة في التاريخ الإسلامي"، لتأخذكم معها في رحلة نتعرف فيها علي بعض الشخصيات التاريخية الإسلامية التي سطرت أسمها بحروف من نور. وفي هذه الحلقة، نرصد محطات بارزة في حياة العلامة المحدث ابن القيم، من كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي. مولده ونشأته ولد ابن القيم في 691ه، ونشأ حنبليّ المذهب؛ فقد كان والده «أبو بكر بن أيوب الزرعي» قيّماً على «المدرسة الجوزية الحنبلية»، وعندما شبَّ واتّصل بشيخه ابن تيميّة حصل تحوّل بحياته العلمية، فأصبح لا يلتزم في آرائه وفتاويه بما جاء في المذهب الحنبلي إلا عن اقتناع وموافقة الدليل من الكتاب والسنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف، ولهذا يعتبره العلماء أحد المجتهدين. طلب العلم نشأ ابن القيم في مدينة دمشق، واتجه لطلب العلم في سن مبكرة، فأخذ عن عدد كبير من الشيوخ في مختلف العلوم منها التفسير والحديث والفقه والعربية، وقد كان ابن تيمية أحد أبرز شيوخه، حيث التقى به في سنة 712ه/1313م، فلازمه حتى وفاته في سنة 728ه/1328م، فأخذ عنه علماً جمّاً واتسع مذهبُه ونصرَه وهذّبَ كتبه، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عاماً تقريباً. فتاوى أدخلته السجن سُجن ابن القيم مع ابن تيمية في شهر شعبان سنة 726ه، بسبب إنكاره لشدّ الرحال لزيارة القبور، وأوذي بسبب هذا، فقد ضُرب بالدرة وشُهِّر به على حمار، وأفرج عنه في يوم 20 ذو الحجة سنة 728ه وكان ذلك بعد وفاة ابن تيمية بمدة. ويذكر المؤرخون أنه حدثت له مشاكل مع القضاة منها في شهر ربيع الأول سنة 746ه بسبب فتواه بجواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل، وكذلك حصلت له مشاكل مع القضاة بسبب فتواه بمسألة أن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة. العقيدة والنهج سار ابن القيم على نهج شيخه ابن تيمية في العقيدة، كما كان له آراء خاصة في الفقه وأصوله ومصطلح الحديث وغير ذلك من المسائل، واشتهر بمؤلفاته في العقيدة والفقه والتفسير والتزكية والنحو بالإضافة إلى القصائد الشعرية. كان لابن قيم الجوزية تأثير كبير في عصره، فيشير المؤرخون إلى أخْذ الكثيرين العلمَ على يديه، وكذلك برز أثره إلى جانب شيخه ابن تيمية في أماكن متفرقة من العالم الإسلامي في وقت لاحق، فكانت حركة محمد بن عبد الوهاب التي ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري امتداداً لدعوة ابن تيمية، وكان محمد بن عبد الوهاب يعتني اعتناء كاملًا بكتبه وكتب ابن القيم. رفضه زيارة قبور الأنبياء أنكر ابن القيم شد الرحل لزيارة قبر النبي إبراهيم (الخليل)، فأوذي بسبب هذا وسجن يقول الذهبي: "وقد حُبِس مُدَّة وأُوذِيَ لإنْكارِه شدّ الرّحل إلى قَبْر الخَلِيل" ويذكر بعض المؤرخين أن هذه السجنة هي نفسها التي سُجن فيها مع شيخه ابن تيمية، فقد اعتقل ابن تيمية في يوم 16 شعبان سنة 726ه، وذلك بسبب ما أفتى به من المنع من شد الرحل إلى قبور الأنبياء. وفاته توفي ابن القيم في 13 رجب سنة 751ه وعمره ستون سنة، ودُفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق. فتوي الطلاق الثلاث بكلمة واحدة أفتى ابن القيم بأن" الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة"، وهذا هو اختيار شيخه ابن تيمية، فحدث له بسبب ذلك مشاكل مع القضاة، يقول ابن كثير: "وقد كان متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين بن تيمية، وجرت بسببها فُصُولٌ يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وغيره". مؤلفاته ألف ابن القيم العديد من المصنفات، واشتهرت مصنفاته شهرةً كبيرة، بلغت 98 مؤلفًا أشهرها: -اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية -الاجتهاد والتقليد -أحكام أهل الذمة -أصول التفسير -الأمالي المكية - أمثال القرآن - بيان الاستدلال على بطلانِ اشتراط مُحَلِّلِ السِّبَاقِ والنِّضَالِ -التبيان في أقسام القرآن اقرأ أيضا أئمة الإسلام (8).. الإمام الحافظ بن كثير.. صاحب تفسير القرآن العظيم