كرسيان متقابلان وبينهما طاولة صغيرة يفترشان رصيف الشارع فى المقهى. مشهد مؤثر رغم غياب البشر منه، يدفع للتساؤل عن دوافع الفنان عادل وسيلى كى يلتقط صورا غاب عنها أبطالها؟ أراد عادل وسيلى فى المعرض الذى يجمعه بالفنانتين دينا الغريب وسوزان المصرى بقاعات الأتيليه فى وسط المدينة أن يسجل بآلة التصوير الثاقبة حالة الاغتراب التى يعيشها الناس اليوم، قد تضيق بهم البيوت فى المناطق الشعبية فيتوسعون نزوحا نحو المقهى المجاور، قد يلتفون حول بعضهم البعض ويزدحم المقهى بحضورهم الكثيف، لكنهم أبدا سيظلون منعزلين عن بعضهم البعض، مجتمعين وقد غابت عنهم حميمية اللقاء، وشرد كل منهم فى أحوال المعيشة ومعضلاتها الصعبة. غاب المواطن أيضا فى مجموعة صور أخرى احتفت بالبيوت الشعبية وواجهاتها الإنسانية الجميلة، فقد ذهب وسيلى يجمعها هنا وهناك فى مناطق الحلمية الجديدة وسوق السلاح والخليفة والفجالة والضاهر، إذ يعلق قائلا: «وددت أن أحتفل بالجمال الموجود بيننا، الذى سيندثر ولن ندركه إلا بعد فوات الأوان». حيث تجعلنا أعمال الفنان نتساءل من جديد هل صحيح ما يقال عن برودة الأشياء الجامدة حين يغيب عنها الإنسان؟. تؤكد لوحات عادل وسيلى الفوتوغرافية أن الأماكن حية نابضة تحمل بصمات الروح، فترى كم موجع مشهد هذا الكرسى شديد الوحدة المتكئ على باب محل مغلق وقد انعكست ظلال الأشجار فوقه لتضلل على ثلاثة «قلل» أسفله. تبحث أيضا كل من دينا الغريب وسوزان المصرى عن مكان المواطن فى المدينة الكبيرة، فتقدم دينا الغريب مجموعة لوحات مكونة من الرسم و«الكولاج» بمعنى الاستفادة من ملصقات الصور الدعائية وصور الشخصيات وقصاصات الورق والجرائد لتصنع منها طبقات الذاكرة. تصور لنا فوضى المدينة الصاخبة بلافتاتها المتضاربة تطل عليها شخصيات تاريخية وأخرى متخيلة لتعكس حالة من التخبط وسط متاهة المدينة الكبيرة. أما سوزان المصرى فتقدم آخر إنتاجها من فن الحلى الذى تميزت به والذى رغم انتمائه للفن الحرفى إلا أن كل قطعة حلى صممتها الفنانة تعد لوحة تشكيلية فى حد ذاتها تجمع فيها بين الفضة والنسيج مع الأحجار والمينا أى البودرة الزجاجية التى يتم حرقها فى أفران خاصة، تبرع سوزان بحرفية عالية فى إضفاء القدم على الألوان وعلى الملمس لتبدو كل قطعة وكأن لها تاريخا سابقا، قطعة عريقة ارتدتها سيدات من التاريخ أو أخرجتها صاحبتها من حواديت وأساطير الزمان. ومثلما اعتادت الفنانة أن تقدم فى معرضها عملا تشكيليا يعتمد على نفس الفن الحرفى الذى ميزها، تقدم معلقة سمتها «نافذة الأمل» تتكون من لوحات منمنمة لشخصيات وعلامات فنية محببة إلى قلبها، مثل لوحة لمحمود سعيد ولإنجى أفلاطون وغلاف لمحيى الدين اللباد وكاريكاتير لصلاح جاهين، لكنها تترك مربعا فارغا، تترك نافذة أمل لمن يأتى ليملأ الفراغ ويشارك فى كتابة ذاكرة الوطن.