المصريون بالسعودية يسطرون ملحمة جديدة في الانتخابات البرلمانية    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    تعاون مصري إيطالي لتدريب العمالة المصرية وفتح أسواق عمل جديدة    يخدم 950 ألف نسمة.. وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ مجمع محطات مياه بالفيوم    صحيفة بريطانية: ترامب يرى أن زيلينسكي يخادع لتحقيق صفقة أفضل في التسوية    وزير الخارجية يلتقى نظيره النيجيرى على هامش اجتماعات مجموعة العشرين    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    حزب الوعى: فضيحة السويد تؤكد تحايل الإخوان باسم الدين لتحقيق مكاسب    شهيد في غارة إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان    قرقاش يدعو لوقف حرب السودان فورا ومحاسبة طرفي النزاع    الزمالك ينعى نبيل خشبة أمين صندوق اتحاد كرة اليد    ماريسكا يعلن تشكيل تشيلسي أمام بيرنلي في البريميرليج    مدرب الزمالك يعلق على مواجهة زيسكو ويتحدث عن قوة مجموعة الأبيض بالكونفدرالية    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    تأجيل جلسة محاكمة اللاعب رمضان صبحي في قضية التزوير    أبرز 6 مواصفات للسيارة الحضارية بديل «التوك توك» في الجيزة    إنفوجراف | وزير التعليم: وضع مدرسة "سيدز الدولية" تحت الإشراف المالي والإداري    عرض فيلم 600 كيلو ل طارق عبد العزيز على يوتيوب تزامناً مع ذكرى رحيله    موعد عرض الحلقة الرابعة من برنامج دولة التلاوة على قنوات المتحدة    الحكم على مها الصغير في قضية سرقة اللوحات 27 ديسمبر    «بوابة أخبار اليوم» تكشف القائمة الكاملة لمسلسلات رمضان 2026    مايان السيد: "عانيت من الخوف سنين ومعنديش مانع أتابع مع طبيب نفسي"    الإفتاء يوضح حكم التأمين على الحياة    وزير الصحة يفتتح تطوير أقسام الطوارئ والعيادات الخارجية بمستشفى المطرية التعليمي    عاشور: "إيراسموس" ركيزة أساسية لتطوير وتدويل التعليم العالي في مصر    محافظ أسيوط يشهد انطلاق حملة التوعية بمقاومة مضادات الميكروبات    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    بنات الباشا تجربة سينمائية جريئة غير مكتملة!    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    فريق قادرون باختلاف يتألق على مسرح وزارة الشباب والرياضة في أسيوط    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    وزارة الصناعة: تخصيص 100 قطعة أرض لمشروعات صناعية جديدة في 16 محافظة    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد فرايبورج في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    وزيرة «التخطيط» تبحث مع «بروباركو» الفرنسية خطط تمويل و تمكين القطاع الخاص    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    ارتفاع محدود ب 10 جنيهات.. تحديث سعر الذهب اليوم فى مستهل التعاملات    تشيلسي في مواجهة سهلة أمام بيرنلي في البريميرليج    وصفات من مكونات طبيعية لتنظيف القولون في المنزل    إصابة 28 عاملا بانقلاب سيارة ربع نقل بقرية الشنطور ببنى سويف.. «بالأسماء»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    انتخابات مجلس النواب بالخارج، التنسيقية ترصد انطلاق التصويت في 18 دولة باليوم الثاني    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 16.5 ألف مريض بغزة في انتظار الإجلاء الطبي    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية "خلية مصر الجديدة"    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام الدولي العادل
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 01 - 2023

لم يكد يسقط حائط برلين، مسطرا نهاية ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتى، قبل ما ينيف على عقود ثلاثة خلت؛ فيما اعتبر إيذانا بأفول حقبة القطبية الثنائية، حتى انبرى المراقبون والخبراء فى استشراف مآلات النظام الدولى. وقبل انقضاء العام 1990، أعلن الرئيس الأمريكى الأسبق، بوش الأب، عن نشوء «النظام العالمى الجديد»؛ بصبغة قطبية أحادية، تقودها واشنطن، بإسناد من حلفائها الغربيين.
منذ وُضعت لبناتُه الأولى عام 1648، بتوقيع معاهدات «ويستفاليا»، التى أنهت الحروب الدينية فى القارة الأوروبية، ودشنت عصر الدولة الوطنية القومية، صار النظام الدولى انعكاسا لتوازنات القوى بين الدول العظمى، وصدى لحرص كل منها على توجيه ذلك النظام لخدمة مصالحها بالأساس؛ عبر تطويع قواعده لخدمة مآربها. بدورهم، ارتأى مفكرون استراتيجيون أمريكيون كمثل، ريتشارد هاس، أن النظام الدولى الراهن، ينشد حماية مصالح الولايات المتحدة، وسرمدية هيمنتها على العالم. انطلاقا من أن القيادة الأمريكية القوية والمستدامة، تعد ضرورية لترسيخ دعائم النظام الدولى القائم على القواعد، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ابتغاء للرفاهية، وضمانا للسلم والأمن العالميين، وترسيخا لحقوق الإنسان وكرامة البشر.
فى المقابل، تتوق منظمات دولية، وقوى عالمية صاعدة، ودول متوسطة القوة، كما شعوب العالم النامى، وأتباع المدرسة المثالية فى العلاقات الدولية، إلى نظام دولى «عادل»؛ يتيح للجميع فرصة لتحقيق أهدافهم وحماية مصالحهم، من دون الافتئات على حقوق بعضهم البعض. متطلعين إلى أن تنصف عدالة النظام الدولى، ضعفاء العالم، سياسيا، واقتصاديا، ومعرفيا. ولقد غدا القانون الدولى ركنا من أركان النظام العالمى، يعينه على معالجة الخلل، عبر رفع الضيم عن المغبونين، وإعادة توزيع القيم بين البشر، بما يخولهم تحقيق ذواتهم وتلبية احتياجاتهم المادية والمعنوية. كذلك، باتت عملية تأسيس القواعد والمبادئ القانونية الدولية، عرضة للتأثر بتوزيع قوى الفاعلين الدوليين. وبناء عليه، يعتقد خبراء أن تحقيق النظام الدولى العادل، يتطلب وجود سلطة كونية عليا، تناظر السلطة الحاكمة على مستوى الدولة الوطنية.
على مدى القرون الخمسة الماضية، توالت محاولات متنوعة لإدراك العدالة فى العلاقات الدولية. فمن جهتها، ذهبت الأطروحات التنظيرية لتجارب؛ «السلام الرومانى»، و«السلام البريطانى»، و«السلام الأمريكى»، إلى أن نموذج القطب العالمى الوحيد المهيمن، ربما يكفل استدامة السلام، وضمان الأمن والاستقرار العالميين لمدد أطول. فعلى غرار الحكومات القوية المتجانسة فى الدول المستقرة، سيتحرك ذلك القطب، بفيض حرية، وقدرة لا مناوئ لها، ليفرض قيمه، ويرسى دعائم نظمه الأمنية، والسياسية، والاقتصادية. فى المقلب الآخر، تجنح آراء مغايرة لاعتبار النظام العالمى متعدد الأقطاب، هو الأقرب إلى التماس العدالة. ذلك أن توزيع عناصر القوة الكونية بين عدة أطراف، من شأنه أن يفرض نوعا من التوازن الدولى، كما يحول دون احتكار القوة بواسطة دولة بعينها.
أُمميا، اعتمد مجلس حقوق الإنسان، نهاية سبتمبر 2011، القرار بشأن إقامة نظام دولى ديمقراطى ومنصف، بما يدعم الإعمال الكامل لحقوق الإنسان جميعها للجميع، على أساس المبادئ الراسخة بميثاق الأمم المتحدة. بحيث يكون لجميع الشعوب، الحق فى السلام، والتضامن الدولى، والتنمية، وتقرير المصير؛ وممارسة السيادة الفعلية على ثرواتها ومواردها الطبيعية؛ والعمل بحرية لأجل تطورها اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا. مع احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع، وتكريس مبدأ المساواة فى الحقوق، والديمقراطية، والعدالة، وسيادة القانون، والتعددية، وتوفير معايير أفضل للعيش الكريم. فضلا عن إتاحة فرص متكافئة للمشاركة، بفعالية، فى صنع القرار، إقليميا ودوليا؛ فى ظل مسئولية مشتركة للتصدى للمخاطر، التى تهدد السلم والأمن الدوليين. وقد أنشأ القرار 18/6 ولاية الخبير المستقل، المعنى بتعزيز إقامة نظام دولى ديمقراطى ومنصف، لفترة أولية مدتها ثلاث سنوات. ومنذ ذلك الحين، تمَّ تمديد الولاية، فى 25 سبتمبر 2014، وفى 28 سبتمبر 2017، وفى 6 أكتوبر 2020، لثلاثية أخرى. كما جدَّد مجلس حقوق الإنسان التزامه إقامة نظام دولى ديمقراطى ومنصف، من خلال اعتماد القرارات الأممية ذات الصلة.
وفى خطابه أمام القمة العربية الصينية بالرياض، مطلع الشهر المنقضى، دعا الرئيس السيسى، إلى بناء نظام عالمى أكثر عدالة؛ يتأسس على القيم الإنسانية، وقواعد القانون الدولى، واحترام حق الدول العربية فى الاختيار دون وصاية، وعدم المساس بمحددات الأمن المائى العربى، ورفض تسييس قضايا حقوق الإنسان. مع تعزيز حوار الحضارات، وتقارب الثقافات، والتعاون فى مواجهة التغيرات المناخية، ومكافحة خطر الإرهاب والتطرف. وتشجيع المجتمع الدولى على تخفيف عبء الديون عن عاتق الدول التى تعانى من ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء والطاقة، وتعزيز النظام التجارى متعدد الأطراف.
خلال كلمته أمام منتدى أنطاليا الدبلوماسى، فى مارس الماضى، انتقد الرئيس التركى إردوغان، النظام العالمى الراهن، معتبرا إياه أحد أسباب تفاقم الأزمات عالميا. كما أدان آلية عمل مجلس الأمن الدولى، خصوصا عندما يصبح أحد الأطراف المتصارعة عضوا دائما ويملك حق «الفيتو»، بما يقوض القوة الزجرية للمجلس. وأكد أن الهيكل الأمنى الحالى، الذى يعطى الأولوية لمصالح الدول الخمس المنتصرة بالحرب العالمية الثانية، لم يعد يلبى احتياجات عالم اليوم؛ واصفا النظام، الذى يضع مصير 193 دولة عضوا فى الأمم المتحدة، تحت رحمة خمسة أعضاء دائمين بمجلس الأمن ب«غير العادل». وطالب بضرورة تأسيس نظام عالمى أكثر عدلا، بحيث يراعى مصالح الجميع، وليس الدول الخمس دائمة العضوية فقط. معتبرا أن رفض القوى العظمى مطالب إصلاح الأمم المتحدة، تمسكا منها بعدم تفتيت سلطتها وهيمنتها، إنما يقوض الثقة بالمنظمات الدولية.
وفى مقال نشره بالعدد الأخير من فصلية «فورين أفيرز» الأمريكية، دعا المستشار الألمانى، أولاف شولتز، إلى نظام دولى عادل ومُحَكَم. يعتمد التعددية كمبدأ محورى، ويحمى السلم والأمن الدوليين، ويدعم الديمقراطية، ودولة القانون، وحقوق الإنسان، كما يسعى نحو عولمة عادلة ومستدامة. وفى سبتمبر الفائت، وخلال مشاركته فى أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، إلى تضافر الجهود الدولية لبناء نظام دولى عادل، يفسح المجال للتعددية الاقتصادية. أما الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، فقد وجه فاعليات المنتدى الاقتصادى الشرقى السابع، الذى احتضنته مدينة فلاديفوستوك، فى سبتمبر الفائت، للتباحث بشأن تجاوز النظام الدولى أحادى القطبية، وولوج عالم متعدد الأقطاب. وفى ذات السياق، أكد وزير خارجيته، لافروف، فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رفض العالم العيش فى ظل هيمنة قطب وحيد، يجبر الجميع على العيش، وفقا لقواعده، التى لا تتيح عالما ديمقراطيا عادلا، خال من الابتزاز والترهيب، والاستعمار الجديد. لافتا إلى أن خط الغرب يقوض الثقة فى قدرة المؤسسات الدولية والقانون الدولى على ضمان العدالة، وحماية الضعفاء من التعسف.
ليست عدالة النظام الدولى، مرتهنة بأحادية، أو ثنائية، أو تعددية قطبيته، بقدر ما تعتمد، بالأساس، على موضوعية هيكله المؤسسى، واستقلالية بنيانه القانونى، فضلا عن مدى تكافؤ فرصه، وتعددية خياراته، وإنسانية تفاعلاته. حيث يفصح تاريخ العلاقات الدولية عن إسهام التعددية القطبية فى إشعال الحربين العالميتين خلال النصف الأول من القرن العشرين؛ فحينئذ، تمخض تنافس القوى الدولية الصاعدة فى السيطرة والهيمنة، عن حتمية تصادمها. ورغم أن زمن الثنائية القطبية، لم يشهد اندلاع حروب عالمية مروعة، إلا أنه حفل بحروب الوكالة، كما لم يخل من المواجهات الإقليمية، والنزاعات الأهلية والانقلابات العسكرية، وسباقات التسلح. وإبان حقبة الأحادية القطبية، لم يحل استقرار الهيمنة، دون تأجيج الصراعات المسلحة، والحروب التجارية، والأزمات الاقتصادية، والكوارث البيئية والمناخية. علاوة على تطوير واستحداث المنظومات التسليحية الأشد فتكا، وتفشى الأنشطة والحركات الإرهابية، التى استفادت من ثورة الاتصالات والتكنولوجيا. بينما يلوح فى الأفق، شبح حرب عالمية، قد تتطور إلى مواجهة نووية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.