بكل فخامة أوركسترا شرقى ضخم، ومن أكثر المقامات العربية شعبية، وهو البياتى، تبدأ أغنية سلم لى عليه، بجملة عذبة، يعلق عليها البيانو بدقة واحدة تنبئ بأن هناك ما يجب الاستماع إليه. عندما يتسلل الإيقاع تبدأ آلة البزق فى تقديم أول عرض لجملة المقدمة، وهى جملة خادعة فى بساطتها، لكنها كافية لتعذيب المستمع بصدقها ورقتها. تتكرر الجملة مع آلات الكمان قبل أن يقدم زياد أولى مفاجآت الأغنية، فى ذلك الاستخدام الجديد لآلة التشيللو، فى خلفية اللحن الأساسى الكمان. من أعرض وتر فى التشيللو يصدر هذا النواح المبحوح الرهيب، ويتواصل مع تكرار الجملة من دويتو العود والبزق، مرهقا خافتا، لا يظهر إلا لمن يبحث عنه. ينفخ آهاته الحارة فوق الجملة الرئيسية، على إيقاع الدفوف الحية، الوقورة، الصادقة. يعيد زياد اكتشاف صوت السيدة، الذى يجرح من أول كلمة، ويستعطف بكبرياء، وينتهى من الغناء لكنه يظل محلقا فى الجو بكل هذا البهاء الحزين. تبدو أغنية «سلم لى عليه» بسيطة النغمة والكلمة، لكنها آسرة على نحو غريب، تقع فى هواها من أول نغمة، ولا تمنحك بعد أن تستمع إليها مئات المرات أيا من أسرارها. اللحن كله لا يتجاوز سبع نغمات من مقام البياتى، لا يدهشنا بالصعود والهبوط، أو الجملة ذات الأبعاد الغريبة، لكنه يعذبنا بصدقه، وبتوزيعه الذى يهزم الملل. موسيقى المقدمة تتكرر بعد المقطع الأول بتوزيع جديد، تلعب فيه آلات الكمان دورا تحريضيا فى الخلفية البعيدة، فهى تُقاطع الجملة الأساسية للحن ثم تصمت فجأة، تظهر ثم تختفى، تصرخ ثم تخبو بنعومة، فى دور جديد تماما للوتريات المصاحبة. وزياد لا يكرر الجملة الموسيقية مرتين بنفس الطريقة، حتى مطلع الأغنية، تسلمه فيروز للكورال فى كل مرة بطريقة مختلفة، فيدخل الكورال الرجالى فى المرة الثانية ب «آه» مفاجئة، أو يدهشنا زياد بتوزيع جديد فى المرة الأخيرة التى يردد فيها الكورال مذهب الأغنية، عندما تؤدى آلات الكمان خلفية موجعة، تكررها مرة من الدرجات المنخفضة للمقام، ومرة من الدرجات العليا. من يستمع للأغنية يعجب من قدرة زياد على «الضبط العسكرى» للأداء، فى أغنية شرقية بهذه اللوعة. والدليل أن أى ملحن فى العالم سوف يسقط فى إغراء الإيقاع الراقص، عندما يصل اللحن إلى جملة «انت يا اللى بتفهم عليه»، لكنه زياد، الذى يضجر من التكرار، ويرفض أن يتوقعه أحد.