ترشف القهوة بهدوء، تداعب قطة تمر أمامها فى مقهى الفيشاوى بشغف، تطالب النادل بشىء من الطعام لتقديمه للقطة، تلتفت إلى مضيفيها إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة الشروق وأميرة أبوالمجد عضو مجلس الإدارة للتحدث عن حبها للقطط ثم ترشف قهوتها ثانية وتبتسم. فرح ديبا بهلوى الإمبراطورة السابقة وفى الواقع الأخيرة لإيران تجولت أمس فى أروقة خان الخليلى وسألت النادل الذى يقدم الشاى بالنعناع باهتمام «لماذا أطلق اسم الخليلى على هذا الخان؟ من هو الخليلى؟». فرح ديبا بهلوى التى أقامت لها دار الشروق حفل استقبال مساء أمس بقصر المنيل لتوقيع النسخة العربية من مذكراتها التى أصدرتها الدار مطلع هذا الأسبوع تنظر إلى كل شىء حولها فى أحياء القاهرة الإسلامية بشغف واهتمام يتفق مع إيرانية محبة للفنون والعمارة ودارسة لها فى إحدى الجامعات الفرنسية. «هذه القلعة بديعة الجمال»، تقول فى إشارة إلى قلعة محمد على. «وهذا الفناء المحيط بالجامع له تصميم هندسى مدهش.. وهذا الجامع يوجد جامع مشابه له فى إيران»، تضيف وهى تتحرك فى المساحة القصيرة التى تربط بين مسجد الحسين وبعض الأروقة المحيطة بشارع المعز لدين الله الفاطمى. جولة فرح ديبا بهلوى وتناولها القهوة فى مقهى الفيشاوى تبعتها جولة قصيرة استغرقت دقائق فى بازارات مجاورة.. بأيد تعرف ما تريد أن تصل له تمسك الإمبراطورة بإناء من الآلبستر ثم آخر، ترفع الآنية أمام الضوء وتتأمل.. تقول برقة غير قلقة من وجود إعلامى مصاحب لها «ولكن هل يمكن لى أن أتحدث عن السعر كما يفعل المرء فى البازار». يدعوها صاحب البازار للدخول ومشاهدة المقتنيات، بتهذيب ودود تقبل ولكن بإصرار تبقى على ما اختارته من آنية. تتجول قليلا، تشير إلى بازار آخر يعرض دمية على شكل جمل وتقول إنها تريد ابتياع واحدة لحفيدتها المقيمة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. تداعب الجمل المحشو كما داعبت القطة، إنها من برج الميزان المحب للحيوانات الأليفة والدمى المحشوة. السعادة التى تبدو على وجهها وهى تداعب القطة على مقهى الفيشاوى تتناقض مع ملامح تعبر عن اختلاط للذكريات الأليمة والأسى وقبول الأمر الواقع ارتسمت على وجهها عندما وقفت قبل ذلك أمام قبر زوجها الإمبراطور الأخير لإيران محمد رضا بهلوى فى جامع الرفاعى بالقرب من قلعة صلاح الدين. الإمبراطورة السابقة التى وصلت إلى الجامعة فى سيارة مع بعض المرافقين الذين بقوا على ولاء لنظام أطاحت به الثورة الإسلامية فى إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود وبعض أفراد الأمن المصرى. ارتقت درج المسجد بسرعة وخفة وصافحت من كان فى استقبالها فى ود من اعتاد هذه الزيارة واعتاد ملاقاة بعض المستقبلين. ترتكن على الحائط بهدوء وترفع الحذاء طويل الرقبة الذى ارتدته مع بدلة بسيطة وأنيقة زيتية اللون.. تسير فى هدوء إلى مشهد القبر الموشوم برمز نظام بهلوى والموجود بجوار العلم السابق لإيران.. تقف وهى تستمع لآيات من الذكر الحكيم قبل أن تنحنى على ركبتيها لتضع الورود على القبر ثم تحنى وجنتها لتلامس القبر وتتلو آيات من القرآن وتقبل القبر. «الآن هى تريد البقاء وحدها.. هى تفعل ذلك دائما»، يقول أحد المرافقين... تنتظر فرح فى صمت بينما يغادر المرافقون.. يغلق الباب المؤدى إلى مشهد القبر... تبقى قرابة الخمس دقائق منفردة أمام قبر الشاه ثم يفتح الباب عن وجه عليه علامات صارمة تخف حدتها وهى تعبر لقراءة الفاتحة ترحما أمام شواهد قبور أسرة محمد على الموجودة بدورها فى مسجد الرفاعى المهيب. تنظر الإمبراطورة السابقة حولها بتساؤل ويقول لها أحد المرافقين المصريين «فاضل قبر كينج فاروق» فى إشارة إلى آخر ملوك أسرة محمد على.. تتوجه فرح إلى القبر الأقرب لقبر الشاه وتقرأ الفاتحة وتمسح وجهها بيديها ثم تتحرك مغادرة المسجد الذى اعتادت زيارته كلما زارت القاهرة. أمام البهو الخارجى لمسجد الرفاعى تجلس الإمبراطورة السابقة لإيران على كرسى متواضع من البلاستيك الأخضر لتنتعل حذاءها وتسلم على مستقبليها مودعة. تعدل من تسريحة شعرها المربوط بأناقة فى ذيل حصان، ترتدى نظارة الشمس الكبيرة التى تغطى جزءا كبيرا من وجهها ثم تعود للسيارة لتغادر. فى صباح الأحد ستتوجه فرح ديبا بلهوى إلى مكتبة الشروق بالزمالك لملاقاة المزيد من القراء وتوقيع نسخ من مذكراتها التى صدرت بالعربية فى وقت تموج فيه إيران بأحداث مؤثرة وفيصلية.