أعانى من ظاهرة «بلوك الكتابة» منذ عام.. و«لا أحد ينام فى الإسكندرية» استغرقت وقتا طويلا بناء الرواية هو المعيار الذى يوضح الفارق بين كاتب وآخر السوشيال ميديا باتت بمثابة «مقهى العصر الحديث» نظم معرض الشيخ زايد للكتاب، ندوة موسعة لمناقشة الأعمال الروائية والقصصية للأديب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، الثلاثاء الماضى، بحضور مجموعة كبيرة من المثقفين والقراء. استهل عبدالمجيد حديثه قائلا: «الكاتب لابد أن يقرأ فى كل المجالات وأن يكون على معرفة بتاريخ الأدب، والاقتصاد، والجغرافيا والفلسفة والتاريخ»، مشيرا إلى أنه استفاد كثيرا على المستوى الأدبى من دراسته للفلسفة. وعن وصف المكان فى الأعمال الأدبية، أوضح أن هناك أكثر من طريقة يمكن للكاتب أن يتبعها مثل الطريقة الكلاسيكية والرومانتيكية أو الطريقة التى تجعل من المكان صانع الشخصية فى الرواية ويؤثر فى الوصف فكل مكان يؤثر فى أسلوب الكتابة، فالكتابة فى الصحراء تختلف عما إذا نظرت إلى السماء أو البحر أو كنت فى قطار سريع. وقال عبدالمجيد، «أول مرة زرت القاهرة، شعرت بصدمة من الزحام الشديد، نظرا لأننى كنت أعيش فى براح الإسكندرية، والتى لم تكن فى نفس مستوى الزحام والصخب». وتابع: «حرصت منذ البداية أن تكون ساعات عملى بالمساء من السادسة للتاسعة مساء، وبعدها كنت أتوجه إلى السهر مع أصدقائى»، مضيفا «استمريت 6 سنوات متواصلة لا أرى القاهرة نهارا، باستثناء اليوم الذى كنت أتوجه قيه لاستلام القبض»، مشيرا إلى أنه لو كان قد عاش بالقاهرة نهارا، لم تكن لتظهر أعماله بهذا الشكل، قائلا: ليل القاهرة ظهر فى أعمالى الأدبى، وتحديدا عتبات البهجة. وعن لحظات الكتابة الأولى والعمل الأدبى الأول، أكد عبدالمجيد، أن القراءة ساعدته على الكتابة، مشيرا إلى أن مشواره فى الكتابة بدأ بالتدرج منذ أن كان طالبا فى الصلف الثانى الإعدادى، وكان يحرص على الذهاب إلى مكتبة المدرسة التى كان بها ساعات من القراءة الحرة أسبوعيا، وعندما قرأ رواية «الصياد التائب» لمحمد سعيد العريان، تأثر بها كثيرا وهزمته دموعه التى لا تتوقف، فأخبره حينها أمين المكتبة أن هذه مجرد قصة من وحى خيال المؤلف، وأنها ليست أحداثا حقيقية، فانتبه حينها ل«الخيال» وأحب الكتابة. واستطرد بعدها: «عندما حضرت ندوة للناقد الأدبى والكاتب محمد موسى مندور، كان يؤكد أن الكاتب لابد أن يقرأ فى كل المجالات»، عملت بتلك النصيحة، إلى أن كتبت أول قصة قصيرة عام 1969 وتقدمت بها فى مسابقة، وفازت بالمركز الأول على مستوى الجمهورية، وتم نشرها فى جريدة الأخبار فى صفحة كاملة مع مقدمة للكاتب الكبير محمود تيمور. «حينما أكتب أنفصل تماما عن العالم»، يضيف عبدالمجيد أن عمله فى «الثقافة الجماهيرية» أفاده كثيرا فى السفر لحضور ندوات ومؤتمرات فى كل أنحاء المحافظات، حيث تعرف خلال سفره على الكثير من البشر، وأماكن عديدة كفلت له التعرف على أدباء كثيرين من الأقاليم، كل ذلك عمل على زيادة خبراته. وأردف: «هناك فرق جوهرى بين نوعين من الكتابة، يوجد الكتابة فى الخيال العلمى والتى تستهدف القراء أقل من 20 عاما، لكن هناك نوعا آخر من الكتابة وهو الأدب الحقيقى من وجهة نظرى، وهو الذى يدفع الكاتب أن لا يضع القارئ أمامه وهو يكتب وإنما يضع شخصيات رواياته ويتوحد معها ويعبر عنها بصدق شديد، للدرجة التى تجعله من الممكن أن يقول على لسان أحد شخصياته كلمات لا تعجب القارئ ولكنها ضرورية للعمل ومتوافقة مع شخصياته. وأكد عبدالمجيد أن بناء الرواية هو الذى من شأنه أن يوضح الفارق بين كاتب وآخر، ويحدد الفرق بين المذاهب الأدبية كلها، فالكاتب عندما ينتهى من الكتابة ويقوم بالمراجعة من ثم يقوم بتشكيل بناء الرواية وتحديد الأزمنة المناسبة لسياق الأحداث من المضارع والماضى أو الحديث عن الحاضر بضمير الغائب، مشيرا إلى أن موضوعات القصائد تكون محددة وتدور حول الحب والهجر والكذب والخداع والمنافى. وبسؤاله عن عناوين أعماله الأدبية، وهل الغموض يجعل القارئ ينصرف عن الرواية، أجاب عبدالمجيد، «طبيعة الرواية هى التى تحدد العنوان ومدى سهولة أو صعوبة اختياره»، لافتا إلى أنه لم يواجه أى صعوبة فى اختيار عنوان مناسب لرواية «صياد اليمامة»، بعكس رواية «لا أحد ينام فى الإسكندرية»، و«طيور العنبر» استغرقوا وقتا كبيرا فى التفكير فى اختيار عنوان مناسب لهم. أما رواية «اداجيو» أوضح عبدالمجيد، أنه اختار هذا الاسم «الأداجيو» وهى المقطوعة الموسيقية، لأن الرواية كلها عن الموسيقى، موضحا أنه طوال عمره يكتب وهو يستمع إلى الموسيقى حيث ظل لمدة 40 عاما يظبط الراديو على البرنامج الموسيقى، ليستمع فى المساء إلى الموسيقى الكلاسيكية. ولفت نظره إلى أن فى تمام الساعة الثانية مساء يتم بث مقطوعة موسيقية حزينة بحثت عنها كثيرا حتى عرفت أن اسمها «اداجيو» لموسيقار إيطالى مات قبل أن يعزفها، وأن الروس والأمريكان وجدوا النوتة الخاصة بها فى أحد متاحف ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وقاموا بعزفها. مشيرا إلى أن بالفعل جاءت رواية أداجيو فيها الكثير من الحزن، من خلال الأحداث التى ستعرض موت البطلة. وأوضح عبدالمجيد أن المكان يؤثر فى تشكيل الشخصية، لذلك عندما دخل إلى عالم الميديا، التزم فى موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» أن تكون تغريداته بعدد كلمات محددة تلتزم بتكثيف الفكرة وتوصيل المعنى، بالاعتماد على الاختصار فى الكلمات لتصبح برقم يحدده الموقع نفسه. دخلت إلى عالم الميديا فى 2005.. ويشير عبدالمجيد إلى أنه فى البداية اكتفى بأن يكون له بريد إلكترونى، ولكنه بعد ذلك أصبح ينغمس فى مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، مضيفا «دخولى إلى الميديا أفادنى». وتابع: فى الماضى كان يوجد تراث مقاهى الكتاب، فالكتاب والمؤلفون والفنانون من محمد عبده إلى نجيب محفوظ اعتادوا أن يتوجهوا إلى المقاهى، ولكن الآن الزمن اختلف كثيرا وأصبحت السوشيال ميديا هى المقهى العصرى، فى هذا الزمن كبديل للمقهى بشكله الكلاسيكى. وأضاف «بالفعل أعتبر «تويتر والفيسبوك» هما القهوة بالنسبة لى، واللذين يوفران لى الوقت والجهد بدلا من النزول يوميا للقهوة لمقابلة فرد أو اثنين، فالسوشيال ميديا توفر لى مقابلة آلاف الأشخاص»، بالإضافة إلى أن الشباب يتمتعون بروح معاصرة تساعدك على مجاراتهم فلا أحد منهم سيحدثك عن أمراض الشيخوخة الواهنة. وتابع: كل ذلك يساعد على أن يجعل الشخص معاصر، ويستفاد من الأفكار المطروحة فى الكتابة، من الممكن أن نطلق على السوشيال ميديا ويفيدوا ببعض الأفكار وتندهش من أفكارك وتفيد فى الكتابة. وبسؤاله، عن مدى تأثيره على الشباب، أجاب إبراهيم عبدالمجيد، أنه يحاول التواصل معهم دائما، مشيرا إلى أنه يرى أن هناك بعض الموضوعات المطروحة فى الميدا لا داعى لها وتؤثر سلبا على الأشخاص، مثل موضوع المطربة شيرين الآن، مضيفا علاجها الوحيد الآن أن يبتعد عنها الإعلام والسوشيال ميديا. وتابع: «الكتابة ليست مجرد سرد حكايات»، مشيرا إلى أن الروايات الجديدة لبعض الشباب تستفيض بشكل سلبى فى الحكى، لافتا إلى أن جيله كان يميل إلى الحذف من النص كثيرا. أما عن تأثير الكورونا على كتاباته، قال عبدالمجيد، كتبت كثيرا فى هذه الفترة، وصادف أننى مرضت أيضا وأجريت أكثر من عملية فأصبحت حبيس التعب والكورونا، كتبت العابرة والهروب من الذاكرة، وفضلت أن يتم طباعة الأعمال قبل سفرى لإجراء العملية، وبالفعل كتبت رواية عن الكورونا وهى آخر الروايات التى كتبتها. «أعانى منذ عام من بلوك كتابة».. ويضيف إبراهيم عبدالمجيد، لست حزينا بسبب ذلك لأننى قدمت الكثير من الأعمال الأدبية المتنوعة خلال مشوارى الأدبى. وعن تحويل الأعمال الأدبية إلى أعمال سينمائية ودرامية، أوضح عبدالمجيد أن الإنتاج السينمائى والدرامى قليل والرقابة قاسية، بحسب وصفه، مضيفا «الآن لا أفكر إلا فى الشعور بالسلام ولا أشغل بالى بتحويل الأعمال الأدبية إلى دراما وسينما». وأضاف «فى الخمسينيات السينما كلها كانت مأخوذة من أعمال يوسف السباعى وإحسان عبدالقدوس وبعدها أعمال نجيب محفوظ، كان حينها معظم الأفلام عن الروايات، ولكن انتهى ذلك الآن، وأصبحت كتابة الدراما والسينما بمقاييس مختلفة. وأضاف عبدالمجيد، «لم أنتظر أى جائزة خلال مسيرتى، ولم أقدم على أى منهم، ما عدا جائزة نادى القصة فى بداية حياتى، بعدها جميع الجوائز التى حصلت عليها كانت بناء على ترشيحات». وعن المرأة فى أعماله الأدبية، قال إبراهيم عبدالمجيد، «منذ صغرى وجدت المرأة فى قهر دائم، المراة تعانى من الظلم بالمجتمع»، مشيرا إلى أن ذلك ظهر بشكل ما فى رواية «طيرو العنبر»، مشددا على أنه لم يسعَ أن يكون منحازا للمرأة أو عدوا لها من خلال أعماله الأدبية ولكنه حرص دائما أن يجعلها شخصية روائية مثل الرجل. وبسؤاله عن التحديات التى تواجه الكاتب، أشار إلى أن الروائيين الشباب الآن يعانون من صعوبة طباعة أعمالهم نظرا لارتفاع أسعار الورق. «سرقتنى الرواية من كل شىء، واهتممت بها أكثر من الترجمة».. بهذه الكلمات يختتم إبراهيم عبدالمجيد حديثه، مؤكدا أن تركيزه الأساسى كان على كتابة الرواية، على الرغم أنه كتب الكثير من المقالات وتقديمه لبعض الترجمات.