بين الاعتراض على الفتوى وحرية الرأي!    من قال (لا) في وجه من قالوا (نعم)؟!    السفارة الصينية في إسرائيل: رعايانا سيغادرون تل أبيب عبر معبر إلى مصر    السفير السعودي بالقاهرة يلتقي نظيره الإيراني لبحث التطورات الإقليمية    "الأحوال الشخصية مثالا".. برلماني ينتقد عدم دعوة الحكومة للأحزاب لمناقشة القوانين    عيار 21 يسجل أقل مستوياته.. أسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة بعد الانخفاض الكبير    مصر للطيران تعزز أسطولها بانضمام 6 طائرات من طراز إيرباص A350-900    سعر السمك والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الخميس 19 يونيو 2025    رسميًا بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 19 يونيو 2025    المغرب 7,57م.. أوقات الصلاة في المنيا والمحافظات الخميس 19 يونيو    «مرشد الثورة»: ليعلم الأمريكيون أن الشعب الإيراني لن يستسلم أمام الإملاءات    كوريا الشمالية: إسرائيل كيان سرطاني وهجومها على إيران ينذر بحرب شاملة جديدة    جوتيريش يعارض أي تدخل عسكري إضافي في الصراع الإيراني الإسرائيلي    وزير خارجية إيران: ملتزمون بالدبلوماسية.. ولكننا نتصرف دفاعًا عن النفس ضد إسرائيل    وزيرا خارجية الأردن والمغرب يبحثان هاتفيًا التصعيد في المنطقة    أكسيوس نقلا عن مسئولين إسرائيليين: عدم ضرب منشأة فوردو يعنى نجاة برنامج إيران النووى    بسبب ريال مدريد.. الهلال السعودي يحقق انجازًا تاريخيًا في كأس العالم للأندية    ماذا قال خوسيه ريبيرو عن مواجهة بالميراس في كأس العالم للأندية؟    معلق مباراة الأهلي وبالميراس في كأس العالم للأندية    رد صادم من ريبيرو عن تبديل زيزو في مباراة إنتر ميامي    كأس العالم للأندية 2025| سالزبورج يتقدم على باتشوكا في الشوط الأول    طاهر محمد طاهر يدعي الإصابة وأعلن التمرد؟ رئيس تحرير الأهلي يكشف الحقيقة    مباشر الآن.. مباراة العين ضد يوفنتوس (0-0) في كأس العالم للأندية    طبيعة أسئلة امتحان العربي للثانوية العامة 2025    إصابة 11 شخصًا في حادث تصادم بالطريق الزراعي بالبحيرة    رياح نشطة وارتفاع الموج .. طقس مطروح والساحل الشمالي اليوم الخميس 19 يونيو 2025    حملات مفاجئة على مطاعم ومحال مرسى مطروح    حفار بترول قديم ومتوقف عن العمل يسقط فى رأس غارب دون إصابات    معارضة نجل محمد رمضان على حكم إيداعه دار رعاية لاعتدائه على زميله اليوم    17 صورة من حفل زفاف ماهيتاب ابنة ماجد المصري    «220 يوم».. أصعب قرار ل«كريم فهمي»    أكسيوس عن مسئول أمريكى: لا نريد أن نضطر لضرب إيران    أحدث جلسة تصوير ل بوسي تخطف بها الأنظار.. والجمهور يعلق    ما حكم سماع القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    للعام الثالث.. طب طنطا تحصل على شهادتي الأيزو الجودة والإدارة التعليمية    بالزفة والزغاريد.. مطار الاقصر الدولي يستقبل أول أفواج حجاج الجمعيات    محافظ الدقهلية يتابع جهود المراكز والأحياء في التصدي لظاهرة التلوث السمعي ومصادرة 50 طقم صوت    نتيجة وملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد الهلال السعودي في كأس العالم للأندية    محافظ الجيزة يشهد افتتاح فندق «حياة سنتريك كايرو ويست» أحد أبرز المشروعات الفندقية    ملفات تقنين الأراضي| تفاصيل اجتماع رؤساء الوحدات المحلية بقنا    احتفالية لرسم البهجة على وجوه ذوي الهمم بالفيوم.. صور    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    غدًا.. افتتاح أولى ليالي "يمين في أول شمال" على مسرح السلام    مشيرة إسماعيل: مفيش فنانة تصلح لتقديم الفوازير زي نيللي وشريهان    عمرو يوسف بطلًا ل«موسم صيد الغزلان» عن رواية أحمد مراد    التضخم ما زال مرتفعًا.. والفيدرالي يواصل مراقبة السوق    "فاينانشال تايمز": رئيس الوزراء البريطاني ينذر الحكومة بهجوم أمريكي محتمل على إيران    حسام صلاح عميد طب القاهرة ل«الشروق»: انتهاء الدراسات الفنية والمالية لمشروع قصر العينى الجديد    لجنة السكان بقنا تبحث التدخل السريع لمواجهة "النقاط الحمراء" بأبوتشت ودشنا    ما الفرق بين القرض والتمويل؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    حيل نفسية لكسر حاجز القلق والخوف من الامتحانات.. تعرف عليها    بعد الإقلاع عن التدخين- إليك طرق تنظيف الرئتين من النيكوتين    البابا تواضروس يستقبل رئيس وزراء صربيا    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسبوع الفرص الضائعة
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 03 - 2010

تطوران مهمان حدثا فى الأسابيع الماضية لم تتمكن الدبلوماسية والإعلام العربى أن يوظفانهما فى تطويق وردع استمرار استباحة إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطينى.
التطور الأول: تقرير القاضى الجنوب إفريقى جولدستون، والثانى، الاستياء وحتى الغضب العارم فى الدول التى زوَرت إسرائيل جوازات سفرها من أجل تنفيذ عملية اغتيال المبحوح. وزير خارجية أستراليا الذى نوه إلى أن «هذا العمل من شأنه، وبعد التحقيق، أن نعتبر إسرائيل دولة غير صديقة».. مما يعنى فى اللغة الدبلوماسية أنها «دولة خارجة عن استقامة السلوك فى العلاقات الدولية».
فى هذه الأجواء التى تبدو فيها إسرائيل محاصرة حتى من قبل أصدقائها أخلاقيا ومعنويا وإلى حد كبير سياسيا لم تتوافر آلية تنسيق عربية إعلاميا ودبلوماسيا لتلقى الأضواء الكاشفة لحقيقة السلوك الإسرائيلى، ليس فقط الخارق للقوانين الدولية ولحقوق الشعب الفلسطينى، بل تكشف أيضا أن هذا السلوك منبثق عن جذور عقائدية للصهيونية التى تعتبر أن العالم مسئول تجاهها، ولكن هى بدورها ليست مسئولة تجاه المجتمع الدولى لمختلف قوانينه وشرعيته وتعريفه لحقوق الإنسان. مما يفترض أنها فوق المساءلة وأن المجتمع الدولى إذ ينتقدها أو يطعن بقراراتها أو يسائلها، ناهيك عن معاقبتها عندما يكون خرقها للشرعية الدولية بشكل شرس واستفزازى وكثير ما يكون مهينا، عندئذ تقوم إسرائيل بترجمة أى تحد لها وكأنه تهديد «لحقها فى الوجود».
لعل أحد تجليات التردد ظهرت فى بيان الاتحاد الأوروبى الذى طعنت إسرائيل رموز السيادة لعدد من دوله بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وأيرلندا بتزويرها لجوازات السفر لهذه الدول. إلا أن الإدانة فى البيان لم يرافقها تسمية إسرائيل، مما ينطوى على هذا التردد رواسب قلق من أن تعتبر التسمية تعبيرا عن لا سامية قائمة أو كامنة، بمعنى آخر أن الإرهاب الفكرى والإعلامى والسياسى الذى قامت به إسرائيل، بجعل أى نقد لها أو أى حرص على حقوق من سلبتهم إياها أى الشعب الفلسطينى ينطوى على جذور لا سامية و«ثقافة الكراهية لليهود».
يتجلى هذا الإرهاب الإعلامى الذى تمارسه إسرائيل وكذلك الأمر مارسته قبلا بأن كل تباين أو اختلاف أو خلاف أو ردع لممارسات إسرائيل، هو بمثابة زرع بذور التهديد، لا لإسرائيل فحسب، بل لإسرائيل اليهودية وإسرائيل دولة يهود العالم. إن دولة إسرائيل اليهودية التى تطالب بها إسرائيل، وتطالب السلطة الفلسطينية بالاعتراف بها كدولة يهودية ودولة ليهود العالم، كادت أن تتبناها المبادرة الفرنسية الإسبانية الأخيرة التى تنطوى على الاعتراف بدولة فلسطينية إذا أعلنت السلطة الفلسطينية كيانا لدولتها أو دولة لها بما يضمن الأمن لإسرائيل اليهودية. وكان الرئيس الأمريكى أوباما مثل أسلافه قد صرح بأنه «يطمح إلى إحراز سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، مع بذل إدارته الجهد لاستدامة العلاقات التاريخية بين إسرائيل والولايات المتحدة»، كما سبق وذكر أوباما فى خطابه فى القاهرة منذ عام أن العلاقات بإسرائيل «غير قابلة للنقض».
إن السلام الحقيقى بنظر إسرائيل يتحقق فقط بمفاوضة مباشرة يقبل فيها الفلسطينيون شرعية إسرائيل على أنها دولة يهودية ويعترفون بالحاجة إلى المصالحة، وفى هذا الصدد تؤكد إسرائيل دائما بأنها «قامت بتنازلات ذات شأن وأن أى تأخيرات أخرى من قبل الفلسطينيين لن تكون مقبولة». كما أشار فى هذا الصدد إياب فوكسمان «المدير العام لرابطة ضد إساءة السمعة» فى جريدة «إسرائيل اليوم» بتاريخ 11/2/2010 «أن على الرئيس أوباما تأكيد العمق الأخلاقى والإستراتيجى للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأن الأمر حاسم بالنسبة للصراع العالمى مع شرعية إسرائيل ولاسيما على خلفية تقرير جولدستون».
يتبين أن موضوع يهودية إسرائيل كتعريف مرافق للاعتراف بها، هو كما سبق أن أشرنا فى عجالة سابقة أن هذا التأكيد على «يهودية إسرائيل» يستهدف إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتمكين قانون العودة من استقطاب المزيد من اليهود كما حصل لهجرة اليهود الروسية وكما هو حاصل بوجود الأمريكيين فى المستوطنات فى الضفة الغربية. هذا الإلغاء لحق العودة وتمكين قانون العودة هو التكريس الواضح والصريح للعنصرية التى ينطوى عليها المشروع الصهيونى. نشير إلى هذه الحقائق، وتردد أو تكاسل النظام العربى فى ردع التمادى الإسرائيلى فى ممارسته الإرهاب الفكرى والتمدد الاستيطانى، وتثبيت ثم تقنين التمييز العنصرى ضد المواطنين من أصول عربية، كما التأكيد أن التمييز شرعية قائمة فى هذا الموضوع، فلماذا إذن لم يكثف النظام العربى مجهوده الدبلوماسى والإعلامى فى تسليط الأضواء بشكل متواصل ومكثف حتى لا تتهاوى القضية الفلسطينية من كونها قضية مصيرية للأمة العربية إلى مجرد مشكلة عالقة.
وإذا كانت الممارسات التى تقوم بها إسرائيل، والتى كثيرا ما أدينت فى قرارات الأمم المتحدة، والتى تعتبرها إسرائيل «تشويش على العلاقات الدولية»، فإن اللجوء إلى الأمم المتحدة يبقى واردا وضروريا. لكن يجب أن يقترن هذا اللجوء مع التزام لاتخاذ إجراءات دبلوماسية واقتصادية رادعة، مثل عودة تطبيق قرارات المقاطعة التى تكاد أن تكون مهمشة وتعليق العلاقات الدبلوماسية التى من شأنها أن تساعد على إقناع العالم بجدية إلزامها بهذه الحقوق التى تستبيحها إسرائيل يوما بعد يوم كما نشاهد فيما يحصل يوميا فى القدس والآن فى الخليل ونابلس ناهيك عما حصل من مجازر ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. إلا أن التمادى الإسرائيلى فى تحدى النظام العربى الذى سوف ينعقد على مستوى القمة فى طرابلس بليبيا فى أواخر شهر مارس المقبل يجب أن «يجابه» بإجراءات رادعة، تتمثل بالتأكيد على ثوابت الشعب الفلسطينى، والتأكيد ألا يكون هناك أى تفريط بأى من الحقوق التى أكدتها الشرعية الدولية، وتأكيد الإجراءات الردعية التى شرعتها قرارات جامعة الدول العربية.
إن البوادر المتكاثرة على ما أشرت إليه من تطويق وحصار أخلاقى ومعنوى يجب أن يتحول إلى حصار سياسى جاد متمتع بالمصداقية، بأن نوحد خطابنا السياسى والإعلامى، وأن يتم هذا من خلال تفعيل إمكانيات فكرية وإعلامية على المستوى العربى، حيث إن هناك فرصا متاحة إذا لم نوظفها فى هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا العربية نكون قد أهملنا ما يجب أن يفعل، وهمشنا ما يجب أن يعزز، واستمرينا فى اجترار ما نحن عليه من إهمال لقدرة سخاء عطاءاتنا الكامنة من إهمال وتكاسل، وأبقينا أحوالنا فى واقع التفكيك الراهن وما ينطوى عليه من احتمالات التفتيت كما شاهدنا فى السنوات الماضية. عندئذ قد يتم تهميش حضورنا القومى على المستوى الدولى.
حتى ما أشار إليه «أرون دافيد ميلار» الذى عمل فترة طويلة فى أوصال «مسيرات السلام»، قد قال «إن الأمر انتهى بالولايات المتحدة من القيام بدور محامى إسرائيل بدلا من الوسيط المؤتمن»، ثم أضاف «أعتقد أن الضغوط لم تغير مسارها فيما أخذت تتنامى الحاجة إلى أن ينفذ أوباما وعوده الانتخابية، فالصراع قد أخذ يقضم الأمن الأمريكى وينهش أى احتمال ناء لا يزال باقيا لحل الدولتين ويجعل مستقبل إسرائيل غامضا ويشتت الفلسطينيين ويلتهم كل محاولة لجسر الهوة بين الغرب والإسلام»، ويضيف «إلا أنه لا يمكن أن ينظر إلى الاضطهاد الماضى لليهود على أنه ترخيص لتعريض شعب آخر أى الفلسطينيين للأمر ذاته».
هذا قول أرون دافيد ميلار وهو مثل جولدستون وريتشارد فولك وغيرهما كثيرون من يهود العالم الذين يشكلون دائرة الوجدان اليهودى.. بمعنى أن مجابهتنا للصهيونية بتجلياتها التى تعظم التمييز العنصرى هى ليست فقط لاسترجاع الحقوق الشرعية للشعب الفلسطينى وتصحيح التشويهات للحضارة العربية والإسلامية، بل هى تأكيد لحق كل يهودى مثل كل إنسان أن يكون حقه فى الانتماء للدول التى هو مواطن فيها، وأن يتمتع بدون أى تردد بحقه فى المساواة والكرامة والانتماء وما يوفره هذا الوطن من حقوق وواجبات. إن القمة العربية تنعقد هذه المرة ولعلها فرصة يمكن أن تستعيد من خلالها إذا استقامت القرارات وكانت على مستوى المسئوليات القومية أن تكون جسرا لعودة الأنظمة إلى دفء شعوبها.. ولعل هذا هو التحدى الأكبر أمامنا اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.