تزداد سخونة الجدل الذى أحاط بتقرير "جولدستون"، الذى وجد أن كلا من إسرائيل و"حماس" ارتكبتا جرائم حرب فى حرب غزة الشتاء الماضي، فى وقت أخذ فيه حلفاء إسرائيل ومنتقدوها يصعِّدون الجدل حول كيف ينبغى على إسرائيل أن ترد على تزايد الضغوط عليها من أجل فتح تحقيق خاص بها فى الحرب. وكان رد فعل الحكومة الإسرائيلية الأولى على التحقيق، الذى أشرف عليه فريق تابع للأمم المتحدة يتألف من أربعة أشخاص برئاسة القاضى ريتشارد جولدستون، يتمثل فى إطلاق حملة دبلوماسية شاملة تهدف إلى الطعن فى مصداقية التقرير ومحرريه ووصمهم بالانحياز. غير أنه وبعد مرور خمسة أسابيع على صدور التقرير، بدأت التصدعات تظهر على تصميم إسرائيل على ألا تُدفع إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة بها. كما أن "جولدستون"، وهو جنوب أفريقى يهودي، واصل خلال الأيام الأخيرة حملته الشخصية الخاصة به، حيث خص وسائل الإعلام بعدد من المقابلات الصحفية، ونشر مقالات رأى ترمى إلى تفسير قراره حول رئاسة اللجنة باعتباره قراراً أخلاقياً يقول إنه جزء لا يتجزأ من الهوية اليهودية. وكانت حكومة نتنياهو، قد قررت يوم الثلاثاء الماضى الإحجام عن مناقشة تحقيق داخلى فى حرب غزة، كما طلبت من الولاياتالمتحدة أن تحول دون اتخاذ أى إجراء جديد بشأن التقرير؛ غير أن الغضب دفع العديد من الخبراء القانونيين فى إسرائيل إلى الدعوة إلى التحرك والقيام بشيء ما. وزيرُ الدفاع إيهود باراك، تزعَّم الحملة المناوئة لتحقيق داخلى بشأن ما إن كانت جرائم حرب قد ارتُكبت فى غزة، فهو حال دون مناقشة كان مخططاً لها من قبل الحكومة لمسألة ما إن كان ينبغى إطلاق تحقيق من هذا القبيل. وفى هذه الأثناء، يقول الجيش الإسرائيلى إنه يجرى تحقيقه الدولى الخاص به فى الحرب، التى مات فيها 1400 فلسطينى و13 إسرائيلياً. غير أن آخرين فى حكومة نتنياهو بدأوا يعبرون عن تشككهم فى مقاربة إيهود باراك. وفى هذا الإطار، قال نائب رئيس الوزراء "دان ميريدور"، فى حوار صحفى نُشر الأربعاء فى صحيفة "هآرتس" اليسارية، إن على إسرائيل أن تشكل لجنتها المستقلة الخاصة بها من أجل التحقيق فى حرب غزة.وقال "ميريدور"، وهو من مناصرى نتنياهو فى حزب "الليكود" اليميني: "اليوم، وبالنظر إلى تطور القانون الدولي، فإن إحدى أفضل وسائل الدفاع بالنسبة لدولة ما هى أن تقوم الدولة نفسها بالتحقيق فى أفعالها". ومن جانبه، يرى" ألان بيكر"، وهو مستشار قانونى سابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أن على إسرائيل أن تتوقف عن محاولة تجاهل سيل الانتقادات والدعاوى القضائية وتفتح تحقيقاً خاصاً بها على مستوى عال، إذ يقول: "إن تشكيل لجنة تحقيق يدخل فى صلب القضايا التكتيكية، والقضايا الأخلاقية، والقضايا السياسية. وهو لا يقول بالضرورة إن الدولة لا تثق فى الجيش، رغم أن ذلك هو الحجة التى تُستعمل حالياً"، محيلًا على تخوفات عبَّر عنها باراك، وهو رئيس سابق لهيئة الأركان، وآخرون فى المؤسسة العسكرية. وعلاوة على ذلك، يرى "بيكر" أنه إذا أطلقت إسرائيل تحقيقاً خاصاً بها، فإن المحكمة الجنائية الدولية لن يعود بإمكانها إدعاء الاختصاص إذ يقول: "إذا شكلت إسرائيل تحقيقاً محايداً، وعلى مستوى عالٍ يديره قضاة وخبراء قانونيون يحظون بالتقدير والاحترام على الصعيد العالمي، وليس الجيش، فإنه سيكون بالإمكان تحييد كل ذلك". واستطرد قائلاً: "أعتقد شخصياً أن ذلك سيبرر الجوانب الأخلاقية للكيفية التى كان الجيش الإسرائيلى يتصرف بها، وسيُظهر على الأرجح أن الجيش الإسرائيلى لم يقم بإيذاء الفلسطينيين، عن قصد وبشكل متعمد، مثلما يجادل بذلك جولدستون". ومن جهته، قال "جولدستون"، فى مقال رأى نشر بعدد الاثنين من صحيفة "جيروزاليم بوست" إن قيمه هى التى دفعته إلى التحقيق من قبل فى انتهاكات حقوق الإنسان فى بلدان مثل سريلانكا والصين وروسيا وإيران وزيمبابوى وباكستان. وكتب يقول: "لقد كنتُ سأتصرف ضد تلك المبادئ وقناعاتى الشخصية وضميرى لو أننى رفضت طلباً من الأممالمتحدة للتحقيق فى إدعاءات خطيرة بشأن جرائم حرب ضد كل من إسرائيل و"حماس" فى سياق عملية "الرصاص المسكوب"، مستعملًا الاسم الذى أطلقه الجيش الإسرائيلى على الهجوم الذى شنه على غزة. وقال "جولدستون" أيضاً: "لقد شعرتُ، كيهودي، بواجب أكبر، وليس أقل، للقيام بذلك. وثمة وثائق تثبت وتؤكد أننى ألححت على تفويض نزيه ومحايد -وحصلت عليه- للتحقيق فى كل الجوانب كشرط لمشاركتي، وذاك ما سعينا للقيام بها"، مضيفا "لقد آمنتُ بصدق أنه نظرا لسجلى الخاص وشروط تفويض المهمة، فإننا سنلقى تعاون الحكومة الإسرائيلية. ولكن رفضها التعاون كان خطأ فادحا".