فى شوارع القاهرة تتردد نداءات الباعة الجائلين، ويختلف إيقاعها بحسب السلعة المعروضة، التى يتاجر فيها فى الأغلب شباب لم يجد فرصة عمل تغنيه عن الوقوف فى الشارع. فى شارع 26 يوليو بوسط القاهرة، يقف على الجمال، الذى يبلغ من العمر 31 عاما، طوال النهار وحتى منتصف الليل، لكى يبيع بضاعته للمارة فى هذا الشارع، فإذا سألته كم ثمن هذا البلوفر، يجيب عليك باختصار 35 جنيها، تتبعها كلمة بدون فصال. الجمال الذى ترك زوجته وابنته الوحيدة فى الصعيد، وبالتحديد فى سوهاج، لكى يبحث عن مصدر رزق، يقول «فى مصر الشغل كثير»، ومع ذلك فلم يجد فرصة عمل سوى الوقوف فى شوارع القاهرة بملابس رجالى لكى يبيعها، ليتمكن من تسديد مديونيات أبيه الذى كان يعمل فى هذا المجال منذ 6 سنوات، والذى «تراكمت عليه الديون. مع تكرار تحريز البلدية أو المحافظة لبضاعته، والتى لا يتمكن طبعا من الوصول إليها كل مرة»، تبعا للجمال، مشيرا إلى أن أبيه كان يضطر إلى كتابة شيكات أو كمبيالات على نفسه لكى يستطيع الحصول على بضاعة بدل التى تصادرها البلدية دون تفاهم، حتى يكون لديه مصدر للحصول على أموال يمكنه إرسالها إلى أسرته فى سوهاج. وبعد بحث طويل عن عمل ملائم، لجأ الجمال إلى اتباع مسيرة والده لكى ينفق على أسرته، فهو يرسل إلى أهله فى سوهاج 500 جنيه شهريا، كما استطاع أن يسدد ديون أبيه والتى بلغت 20 ألف جنيه، إلا أنه اضطر لكتابة شيكات على نفسه لكى يحصل على بضاعة من التجار فى الأزهر والغورية. ويشترى الجمال البلوفر من التجار ب27 جنيها، سعر الجملة، ويستطيع أن يحقق فيه ربحا يصل إلى 8 جنيهات. وحاول بائع الملابس، الذى يسكن هو وأخوه الأصغر محمود فى غرفة بمنطقة بولاق بإيجار 200 جنيه شهريا، التقدم للحصول على قروض من الهيئات الاجتماعية، فرفضت بسبب مؤهله حيث إنه حاصل على الإعدادية فقط، وقد اضطر هو وأخوه إلى الوقوف فى الشارع بعد أن حاولا العمل بأحد محال الملابس، ولكن ما كان يتقاضاه لم يكف لإرساله إلى أهله، حيث لم يتجاوز أجره 200 جنيه شهريا. استطاع الجمال الفرار ببضاعته كثيرا من دوريات الشرطة والبلدية التى تمر ما بين الحين والآخر، لمنع الباعة من الوقوف فى شوارع القاهرة، «بحجة أننا لا نملك ترخيصا للوقوف بالشارع»، كما قال الجمال. ولكن فى كثير من الأوقات لم يستطع الفرار، وكانت تصادر البضائع التى هى مصدر رزقه الوحيد. «أبى تراكمت عليه الديون بهذه الطريقة، فكانت تتم مصادرة بضاعته وكان لا يعرف كيف يمكنه استرجاعها»، كما يقول الجمال، مشيرا إلى أنه «وجد حلا أسهل من ذلك بكثير» على حد تعبيره، وهو اعتماده على أحد المتعاونين ليبلغه وهو زملاؤه الذين يبيعون فى نفس الشارع المتكدس بالزبائن، بمواعيد مرور الدوريات، وهذا نظير مبلغ من المال بالطبع، ويعتبره الجمال أحد الأعباء المالية التى يتحملها لكى يحافظ على بضاعته. حاول الجمال كثيرا التقدم إلى المحافظة بطلب ترخيص للوقوف فى الشارع أو حتى عمل برواز أسوة بشارع عبدالعزيز بالعتبة، «ولكن يوجد رد واحد فى كل مرة التراخيص ألغيت من فترة»، كما يقول الجمال، مشيرا إلى أن المحافظة وفرت للباعة الجائلين سوقا فى مدينة 6 أكتوبر، «بس مين يروح أكتوبر كل يوم يعنى هى ناقصة مصاريف زيادة، بالإضافة إلى أن البيع كله فى وسط البلد»، وفقا للجمال. فضلا عن ذلك يتحمل بائع الملابس المتجول العديد من الأعباء المالية، تتضمن إيجار مخزن ليستخدمه هو وأخوه، بقيمة 300 جنيه شهريا، بالإضافة إلى أن الوقوف بالبضاعة أمام أحد المحال يضطره إلى «دفع مبلغ لصاحب المحل»، وكثير من المحال لا تقبل أن يقف أحد الباعة أمامها لأن صاحب المحل نفسه يضع بضاعته خارجه، ليتمكن من بيع المزيد من منها، ومن ناحية أخرى فإن بضاعة الشوارع قد تسبب لأصحاب المحال خسائر «لأنها تكون أرخص بنسبة 50% تقريبا من بضائعهم»، وفقا للجمال. «أتمنى أن تكون السنة كلها عيد فطر، ففى العيد يزيد الطلب على الملابس، ويمكننى بيع كل بضاعتى بقيمة قد تزيد على ثلاثة آلاف جنيه يوميا»، تبعا للجمال، الذى يرفض أن يبيع ملابس حريمى ويفضل البيع للرجال، موضحا «لا أحب الوقوف فى وسط النساء، بالإضافة إلى أنهم يتفاوضون فى السعر كثيرا».